بعض الأمهات والآباء يتنكّرون لطفلهم منذ نعومة أظفاره، فقط لأنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، لأنه لا يطابق الصورة التي رسموها عنه في مخيلتهم قبل قدومه، وأحيانا أخرى وحسب حالات كثيرة، يتخلى الأب عن الطفل وعن الأم التي « لم تحسن الإنجاب» في نظره، فتحاول هذه الأم تعويض الطفل عن حنان الأب الغائب وعن الاحتياجات الخاصة التي يحتاجها يوميا. بالمقابل يولي آخرون اهتماما خاصا بأطفالهم في وضعية إعاقة، ويحاولون أن يكونوا قريبين منهم حتى يلبون لهم كل متطلباتهم ويعوضونهم ولو قليلا عن تلك الحاجيات التي تجعلهم مختلفين عن إخوتهم وعن الأطفال في محيطهم. موضوعنا اليوم، هو ليس للحديث عن خصوصية هذه الاحتياجات في إطار الإكراهات اليومية، بل عن علاقةٍ، قليلا ما يتم تناولها، بالرغم من أنها على قدر كبير من الأهمية، وهي العلاقة التي تجمع الوالدين والإخوة بالطفل ذو الاحتياجات الخاصة. فكما سبق وتمت الإشارة إليه، في محاولة منهم لتلبية حاجياته وتعويضه عما يمكن أن يحس به ويعيشه من صعوبات، يعمد الوالدان إلى إيلاء اهتمام خاص للطفل في وضعية إعاقة، وانطلاقا من تجربتي مع هؤلاء الأطفال وذويهم، ألاحظ باستمرار، أن إخوتهم كثيرا ما يعبرون بشكل مباشر أو ضمني عن غيرتهم منهم بسبب الاهتمام الزائد للوالدين بهم، ومنهم من يشعر بالحرج أمام أقرانه وأصدقائه حين يعرفون أن له أخا أو أختا من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنهم من يشعر بالذنب لأن له كفاءات وقدرات لا يملكها أخوه أو أخته. في أغلب الأحيان، لا يغفل الطفل عن الأحاسيس السلبية التي يمكن أن يحسها إخوته اتجاهه، ومن الممكن أن تكون حافزا لديه يجعله يحاول أن يثبت ذاته ووجوده رغم الصعوبات، ومنهم من يعتبرها عاملا معيقا يزيد من إحساسه بالاختلاف وربما بالنقص. في كثير من الأحيان و الحالات، لا يعبر الطفل في وضعية إعاقة ولا إخوته عن الأحاسيس السلبية التي يحسونها جراء هذه الوضعية، وإذا عبّر تتم مهاجمته من طرف إخوته عن طريق سلوكات و/ أو ملاحظات مفادها أنه مدلل وكسول…. وإذا عبّر الإخوة عن أحاسيسهم السلبية، يؤاخذهم الآباء بعدم إحساسهم بالمسؤولية نحو أخيهم أو أختهم، علما أن عدم التعبير عن هذه الأحاسيس السلبية من أي طرف كان يظهر ويُترجم في كثير من الأحيان إلى اضطرابات في السلوك، صعوبات في التعلم وأحيانا إلى مشاكل صحية جسدية نفسية. إن الأسرة هي نظام مُكَوّن من أفراد تجمعهم علاقات تفاعلية دينامية، وبفضل هذه التفاعلات يمنح (أو لا يمنح) هذا النظام لأفراده، الإحساس بالانتماء إليه واستقلاليته الفردية في نفس الوقت. والوالدان هما المسؤولان والمؤسسان لهذا النظام والمثبتان لدعائمه الأولى، فعلاقة الطفل بوالديه وإخوته متوقفة على التربية التي يوفرها الوالدان للأبناء عموما، وعلى التمثلات التي يزرعانها فيهم، والتي ينهج الأبناء على أساسها سلوكات معينة، لذلك: – فالمبالغة في تدليل الطفل ذو الاحتياجات الخاصة وإهمال إخوته، يخلق علاقات متوترة بينه وبينهم. – المبالغة أيضا في ترك الطفل لمواجهة الصعوبات وحيدا بدعوى ضرورة الاعتماد على النفس من شأنه أن يعطي لهذا الطفل إحساسا بالنقص وبتفضيل إخوته عليه. – الاهتمام الزائد بالطفل في وضعية إعاقة يمكن أن يعطي لإخوته الإحساس بأنه للحصول على الاهتمام يجب أن يكونوا في وضعية صعبة، لذلك نجد الكثير من هؤلاء الأطفال يَدّعٌون المرض أو يقلدون إخوتهم ليحصلوا على بعض مما يحصلون عليه من الحنان والعناية. – الاهتمام الزائد بالطفل في وضعية إعاقة أيضا ، يُعلم هذا الأخير الاتكالية وعدم محاولة اكتشاف قدراته وكفاءاته. – تحميل الآباء مسؤولية رعاية الطفل في وضعية إعاقة لإخوته يعطي للطفل وإخوته تمثلا بأن وضعية الإعاقة هي محنة تحول دون استمتاعهم بحياة طبيعية، فالإخوة أيضا مهما كبروا، لهم حاجيات حسب أعمارهم، وعندما يهمل الآباء هذه الحاجيات ويركزون فقط على الاحتياجات الخاصة لأحدهم و يجعلونها هي الأهم، فهم بذلك يجعلون الإعاقة كحاجز يلغي وجود ما دونها ويوسع الهوة بين الإخوة. علاقات التفاعل إذن، داخل نظام الأسرة هي متوقفة على نوعية التربية التي يعتمدها الوالدان وعلى الصورة التي يضعان فيها الطفل ذو الاحتياجات الخاصة، فإذا كان فيها تمييز وتفضيل هذا الأخير على إخوته، فهم بذلك يجعلونه بعيدا وجدانيا عنهم، لأن الأطفال مهما كانوا هم في حاجة لاهتمام فردي مع و بوجود إخوتهم. بالمقابل هناك أمثلة كثيرة على أنظمة تربية، جعلت وجود الطفل ذو الإحتياجات الخاصة وجودا مميزا، ينشر البهجة والروح المرحة أينما حلّ، ويعطي لإخوته ولمحيطه درسا في الحياة وفي التحدي ومواجهة الصعاب رغم كل شيء دون أن يكون ذلك على حساب حاجيات أحد. أخصائية نفسية