« هل أغلب مدبري الشأن العام المحلي ، على امتداد جهات البلاد ذات المقومات الطبيعية المتباينة ، على وعي تام بأن «التغير المناخي « أضحى واقعا ملموسا يستدعي أخذه بعين الاعتبار قبل الإقدام على تسطير أي مخطط تنموي مستقبلي ؟» سؤال أوحت به قراءة أولية ل «موضوع « لقاء نظم ، مؤخرا ، بمدينة المرسى بإقليم العيون، تمحور حول « الجماعات الترابية وتحدي آثار موجات الحرارة المفرطة «، وشهد تقديم مداخلات لخبراء مغاربة وفرنسيين، حاولت تسليط الضوء على العلاقة بين «الواقع المناخي الجديد» و مجالات حيوية عديدة ضمنها «التعمير، البناء ، تصاميم التهيئة العمرانية … والصحة البيئية «. وهي «علاقة» تجعل المتتبع يستحضر لقاء آخر، سبق أن احتضنته العاصمة الرباط يوم الأربعاء 13 يوليوز 2016، من تنظيم المديرية العامة للجماعات المحلية، بتنسيق مع جمعية الجهات المغربية والجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات، تداول فيه المتدخلون، مسؤولون رسميون وخبراء ، «تحديات التغيرات المناخية « ، التي بات مسيرو الجماعات الترابية مطالبين بالاستعداد ل «مواجهتها «، وإعداد العدة «اللوجيستيكية « اللازمة لتفادي عواقبها الوخيمة . كيف لا يدرج هذا «المعطى الجديد» ضمن أجندة الأولويات، والمغرب يتموقع في إحدى المناطق الأكثر جفافا ، ما يجعله عرضة للتقلبات المناخية بآثارها المتعددة الأوجه «فيضانات وموجات جفاف «، وما تعنيه من تدهور للنظم الايكولوجية وندرة الموارد المائية . «معطى» يستدعي رؤى جديدة تسندها الكفاءة العلمية المتخصصة، المدركة لاستعجالية وضع برامج استشرافية في مختلف «القطاعات « ذات الارتباط اليومي ب «الحياة اليومية « للمواطنين ، كما هو شأن ، على سبيل المثال لا الحصر ، «التطهير السائل، معالجة المياه العادمة ، الإنارة العمومية، تدبير النفايات المنزلية وغيرها ، وسائل النقل وسبل التخفيض من انبعاث أكسيد الكربون.. وبخصوص المجال الأخير أشارت معطيات رقمية سالفة إلى أن « 80 في المائة من الانبعاثات الغازية تنبع من المجالات الجغرافية للجماعات، كما أنها تدبر أزيد من 80 في المائة من النفايات الصلبة». في السياق ذاته ، تنبغي الإشارة ، إلى أن بعض أساليب البناء والتعمير المنتهجة داخل عدد من الحواضر في بلدان مختلفة ، باتت محط «اتهام» في ما يخص حجم الخسائر المسجلة عقب حدوث فيضانات أو ما يشبهها من «كوارث» . حدث هذا ، مثلا ، قبل حوالي ثلاث سنوات في منطقة «الكوت داوزر» الفرنسية ، التي عاشت، في مختتم فصل صيف ، على إيقاع فيضانات مدمرة أتت على الأخضر واليابس في «سويعات» معدودات، جعلت قاطني هذه «الجغرافية» الراقية من التراب الفرنسي، يصبحون على كابوس أعاد عقارب أحلامهم المستقبلية إلى ساعة الصفر. كارثة، كان من الممكن، حسب تصريحات مهندسين معماريين ، خبراء في التوسع العمراني ، منتخبين ، إطفائيين ، جمعويين..، «أن تكون تداعياتها أقل وطأة لولا حضور عامل سلبي أساسي تمثل في «تمدد الأسمنت» ، على حساب الأراضي المخصصة للمساحات الخضراء، أو للنشاط الفلاحي، كما حدث في مناطق تقع في ضواحي مدن كبيرة «. تصريحات تجعل المهتم بالشأن المحلي وطنيا، يستحضر ، بغير قليل من القلق ، وضعية مجموعة من المدن، التي دخلت في «سباق ضد الساعة»، من أجل تدارك الزمن الضائع تنمويا على أكثر من صعيد – وهو أمر لايمكن إلا تثمينه – ، لكنه «سباق» يأبى البعض إلا أن يترك عليه بصمته «السلبية»، كما هو حال «جهات» لا تتردد في منح تراخيص البناء والتشييد على حساب ابتلاع الهكتارات الشاسعة من الأراضي الفلاحية – في أكثر من مدينة – التي انمحت المئات من أشجارها الضارب عمرها في التاريخ البعيد ، ل»تزرع « مكانها بنايات أسمنتية من مختلف الأحجام ، سواء القانونية منها أو العشوائية . بل حتى المساحات التي خصصتها التصاميم لإنجاز مرافق خضراء – حدائق صغيرة مثلا – يتم الالتفاف عليها في أغلب مشاريع التجمعات السكنية «الاقتصادية» ، لترتدي لبوس «الياجور» ، ولتذهب صحة القاطنين إلى الجحيم، حيث مع أولى التساقطات الغزيرة تحدث الفاجعة ؟ وللتأكد من هذه الحقيقة تكفي «قراءة» الفيضانات التي أصبحت بعض المدن المغربية ، الكبيرة منها والمتوسطة ، عرضة لها في السنوات الأخيرة. هذا دون إغفال مسألة السماح بالبناء بمحاذاة مسارات الأودية، وأحيانا على مستوى « سرير» بعضها، بمبرر أنها «نائمة» منذ عقود، لكنها «تستفيق» ، على حين غفلة ، فتجرف مياهها «الغاضبة « ما وجدته في طريقها من بشر وحجر راسمة صور مآس لن تنمحي «عناوينها القاسية « من الذاكرة بسهولة . انطلاقا مما سلف ، يتضح أن «التغير المناخي « أضحت آثاره أمرا ملموسا، لا مجرد توقعات علماء وتحذيرات خبراء ، وفي هذا الصدد نذكر ببعض الإجراءات الموصى باتخاذها في أكثر من منتدى عربي – دولي، : «تحسين التخطيط الحضري وتقديم الخدمات البلدية بما يتناسب مع التغيرات المناخية المتوقعة، الاهتمام ببناء القدرات الخاصة بإدماج دراسات وسيناريوهات تغيرات المناخ بأسس التخطيط الحضري والعمراني، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم ووتيرة حدوث الكوارث الطبيعية المرتبطة عند القيام بالتخطيط الحضري، لا سيّما التخطيط المتعلّق بالبنى التحتية كشبكة تصريف مياه الأمطار، ضرورة تحديد المناطق المعرضة لخطر الكوارث واعتبارها ذات حساسية عالية، استخدام الطاقة المتجددة لإنارة المباني والطرق، وكذا إعادة استخدام المياه العادمة لزيادة المساحات الخضراء واستخدام النباتات المقاومة للجفاف…» . إنه ، بلا شك ، تحد حاسم أمام المكلفين برسم "مخططات" تدبير الشأن المحلي للمواطنين ، يستوجب تعاطيا مغايرا لما هو معمول به في التصدي ل "معضلات " أخرى تعاني من وطأتها هذه الجماعة الترابية أو تلك، قوامه الإنصات ل " توصيات " ذوي الاختصاص، والقطع مع زمن القرارات "الترقيعية" و العشوائية الذي عمر أكثر من اللازم.