قبل حوالي أربعين سنة، حقق جنودنا انتصارا تاريخيا في معركة استرجاع أراضينا الصحراوية وتحقيق الوحدة الترابية الوطنية، دارت الموقعة الحربية في منطقة «بئر أنزران»، القرية الصغيرة الواقعة في إقليم وادي الذهب بجهة الداخلة وادي الذهب، والتي يبلغ عدد سكانها 6.244 نسمة، حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014. في 11 غشت من سنة 1979، تقول صفحات التاريخ، دارت تلك المعركة الحاسمة بين قواتنا وجيش من المرتزقة، وهي معركة «بئر أنزران»، وكانت، حسب وصف المؤرخين، من أكبر معارك الصحراء، التي تدخل فيها الطيران المغربي، وغار فيها على قافلة من 500 سيارة مصفحة يمتطيها العدو الغازي، واستشهد في تلك المعركة 125 من جنود الجيش الملكي، وما يفوق 500 قتيل من العدو بالإضافة إلى خسائره في العتاد والذخيرة الحربية. الانتصار في معركة «بئر أنزران»، فتح الباب، حينذاك، للجيش الملكي وللجنود المغاربة لدخول إقليم وادي الذهب، وضم هذا الإقليم إلى أقاليم المملكة. «بئر أنزران» سيظل إذن عنوانا للتضحية وللشجاعة وللبطولات، عنوانا يتذكره المغاربة باعتزاز وفخر وحس وطني عال، لدرجة أنه لا تخلو مدينة من مدن المغرب من ساحة أطلق عليها اسم « بئر أنزران» استحضارا لقيمة معركة 1979، في استرجاع أراضينا وضمها لتراب الوطن. لكن وللأسف، في الدارالبيضاء، تحول «بئر أنزران» في النقطة التي يتقاطع فيها هذا الشارع الذي يحمل هذا الاسم الرمز، مع شارع الروداني، إلى ساحة تسيل فوقها الدماء، تنتزع فيها كرامة المواطنين ويتم الاعتداء عليهم وسرقتهم وسلبهم ما يملكون، ويتم فيها تخريب واجهات المحلات التجارية وتكسير السيارات، وتعلن فيها الحرب بين أشخاص يدخلون المعركة بدوافع ينسبونها ظلما إلى الانتماء الرياضي، ويبررونها بعشق هذا الفريق أو الفريق الآخر. شارع «بئر أنزران»، أصبح يخجل من حمله هذا الاسم التاريخي المجيد، فبعد نهاية كل لقاء «ديربي» يجمع الوداد والرجاء، يتحول هذا الشارع إلى ملتقى لتبادل الضرب وتراشق الحجارة واستعمال كل أنواع الأسلحة البيضاء من سكاكين وسيوف وهراوات وعصي، ولا ينجو من تداعيات هذه المواجهات المواطنون الذين تقودهم الصدفة للمرور بالمكان، ولا حتى رجال الأمن الذين يحاولون نزع فتيل المعركة وإعادة الأمور إلى نصابها. الغريب، أنه، ومنذ برزت ظاهرة الشغب في ملاعبنا، وظهر جيل من الجمهور لا علاقة له بكرة القدم ولا بالرياضة، همه الوحيد في كل التجمعات الرياضية، هو خلق البلبلة والفوضى والسرقة والاستيلاء على ممتلكات الغير، أضحت ساحة «بئر آنزران» متعودة على وقوع هذه الأحداث المخربة دون أن يبادر المسؤولون في مختلف السلطات بالدارالبيضاء، إلى اتخاذ الإجراءات الاستباقية والتدابير الوقائية التي يمكن أن تجنب وقوع تلك الأحداث. والغريب أيضا، أنه مباشرة بعد نهاية كل لقاء «ديربي» يجمع الوداد بالرجاء، تتسابق الكاميرات وآلات التصوير لنفس المكان، متوقعة ومتأكدة من عودة أحداث الشغب لنفس المكان. الغريب أيضا، أن هذه الأحداث لا تقع إلا في مباريات «الديربي»، وما وقع عشية السبت الماضي، أسبوعا فقط بعد مباراة نهاية «الشان» التي لم تشهد أي حدث خارج عن النص، ليؤكد أن الخلل يوجد في عملية التنظيم وفي ما يرافقها من تدابير وإجراءات… في نهاية «الشان»، ويجب أن نتذكر ذلك، عملية التنظيم أشرفت عليها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، في مباراة «الديربي» البيضاوي، عملية التنظيم أشرفت عليها جهات مختلطة تقودها شركة « كازا إيفنت» وسلطات الدارالبيضاء. يوم السبت الماضي، بعد نهاية مباراة «الديربي»، لنتذكر ذلك، أحداث شغب خطيرة عرفتها الأحياء المجاورة لمركب محمد الخامس، اندلعت مواجهات بين أنصار الفريقين، بعد صافرة نهاية المباراة، تسببت في تكسير سيارات كانت مركونة في الشارع، فضلا عن إلحاق خسائر بواجهات العديد من المحلات التجارية، كما تم اعتراض سبيل المارة والاعتداء على النساء وسلبهن ما كن يحملن.. معركة حقيقية دارت رحاها بشارع «بئر أنزران» … في 11 غشت 1979، دارت معركة في «بئر أنزران» بتراب الصحراء، بقيم نبيلة وطنية أعادت لنا ترابا سلب منا، وأعادت إخوة ومواطنين مغاربة إلى سماء وطننا.. في 10 فبراير 2018، دارت معركة في «بئر أنزران» بالدارالبيضاء، بعنوان التسيب والفوضى والاستهتار بأمان المواطنين وسلامتهم.. عفوا « بئر أنزران».. ظلمنا رمزيتك !