يحكي « با العربي» ، بحنين، وهو الذي ما يزال وفيا لرياضته المعشوقة سباق الدراجات، التي مارسها كسباق منذ ما قبل عهد الاستقلال، وتنقل في دروبها كمؤطر ومدرب ثم مسير، ليلتحق وهو يناهز الثمانين سنة من عمره بالجامعة كفرد من أفراد الإدارة المسيرة والمشرفة على هذه الرياضة، يحكي بتأثر كان باديا على ملامحه ونحن نتابع برفقته، صباح يوم السبت الأخير منافسات البطولة الافريقية للدراجات بحلبة الفيلودروم بالدارالبيضاء، عن محطات تاريخية عاشها هذا الفضاء الرياضي الجميل الذي ظل الحضن الوحيد وطنيا الذي يضم « الأميرة الصغيرة» وأبطالها وبطلاتها. لا يتخيل « با العربي» كيف سيصبح الحال عندما ستنطلق عملية هدم الفيلودروم كما قرر ذلك مسؤولو الدارالبيضاء وهم يبرمجون مشروعا في نفس الوعاء العقاري، يروم إحداث حديقة حضرية بدل حلبة المضمار، و تضم هذه الحديقة مقاهي ومطاعم وفضاءات للرياضة والترفيه، وبحيرة مصغرة، ومسارات للمشي والركض، وفضاء للعب الأطفال، ومضمار للتزلج، وفضاءات خضراء ومحلات تجارية .. يتحسر با العربي وهو يوزع نظراته حول المكان وكأنه في لحظة وداع: « الفيلودروم وضع حجر بناءه سنة 1919، وفتحت أبوابه مؤقتا سنة 1921 ورسميا سنة 1923..منذ تلك السنة ظل مفتوحا حيا قائما، وفي سنة 1972، انتقلت جامعة الدراجات من لاكازابلونكيز حيث كان مقرها، لتستقر في هذا الفضاء. ومنذ ذاك الحين، وأسرة الدراجة المغربية تعيش في حضنه ويلتئم شملها هنا في هذا المكان.. اليوم وبعد 46 سنة يصدر في حقها حكم بالإفراغ..» الفيلودروم ، لا يختلف اثنان حول ما يمثله من قيمة رياضية بالدرجة الأولى طبعا، ولا حول قيمته كموقع تاريخي مصنف كتراث وطني. على هذا الأساس، كان من المفروض على الجهة المالكة وهي هنا مجلس المدينة، أن تفكر في كيف تساهم في ضخ أوكسجين الحياة فيه حتى يواصل استنشاق الهواء ثم توزيعه من بعد على مرتاديه من الرياضيين، لكن الرأي كان مخالفا، والقرار معاكسا، والفيلودروم سيتحول قريبا إلى فضاء بمرافق متعددة وبكل الخدمات إلا خدمة الرياضة. يوم السبت، ونحن نتابع أجواء اليوم الختامي لبطولة افريقيا لسباق الدراجات على المضمار في الفيلودروم، حيث العرس الافريقي الرياضي الكبير بحضور رئيس الاتحاد الافريقي للدراجات واثنى عشرة منتخبا افريقيا وشخصيات تمثل هذه البلدان الشقيقة في غياب تام لأي مسؤول من الوزارة الوصية أو من الدارالبيضاء، سألت الفرنسي «يان ديجن» الذي تعاقدت معه الجامعة في الأسبوع الماضي ليشغل مهمة المدير التقني، عن سبب اختياره الاشتغال في المغرب قادما من أوربا بكل الفوارق الموجودة، أجابني أنه معجب بالمغرب وبطموح مسؤولي رياضة الدراجة المغربية في الرفع من مستوى الدراجة إلى المستوى العالمي، ثم أشار إلى مركز التكوين والمطعم وفندق الإقامة داخل الفيلودروم، وقال أن هذه المرافق عنوان للعمل الجدي الذي يقام لفائدة الدراجة المغربية… المدير التقني وهو يبدي إعجابه بالفيلودروم وبمرافقه، لم يكن يعلم أن هذا الفضاء الذي أبهره، صدر في حقه حكم بالإعدام، وتنفيذه سيتم خلال أسابيع أو أشهر قليلة. « با العربي» يعتبره متتبعو رياضة سباق الدراجات، الذاكرة الحية القوية التي ترصد وتحتفظ بكل المحطات التاريخية التي مرت منها « الأميرة الصغيرة» المغربية.. والكثيرون يحبون مناداته بلقبه الذي رافقه منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي..» جانطيكس».. ويعني نوع من اللصاق. يقول با العربي: «في أحد السباقات في منتصف الخمسينيات، و بحضور كبار أبطال أوربا هنا في المغرب، وعند خط الوصول، التفت بطل فرنسي مخاطبا زميله، أنظر إنه من لصق بنا منذ خط الانطلاقة.. إنه دراج قوي وسريع ويحسن المتابعة واللصق.. إنه مثل جانطيكس»! با العربي التصقت صورته بملعب الفيلودروم.. اليوم، يجد كل الصعوبة في النطق بكلمة وداع الفيلودروم..!