تبدو هذه الثلاثية مترامية الأطراف، وقد تبدو أيضا بدون روابط تجمعها، لكن الفلسفة ، واللغة والتطرف الديني أكثر راهنية في الزمن العربي الاسلامي ، أكثر مما يتوقعه المبشرون باليومي العابر،.. وقد كان سؤال الحاجة إلى قراءة الفلاسفة العرب اليوم ، محور لقاء عرفه المعرض الدولي للكتاب، شارك فيه كل من الأستاذ محمد المصباحي، وعلي بنمخلوف من المغرب، والأستاذ أنور مغيث من مصر، وسيّر أطواره عادل حدجامي، كان يتوخى محاولة تحديد هذه الحاجة، كجواب عن الانحسار الثقافي الذي تعيشه هذه الدائرة البشرية والحضارية. وبدا من خلال التفكير الثلاثي، في لقاء المعرض، أن الفلسفة حاجة كبيرة اليوم كما لو أن الفلاسفة القدامى ما زال بإمكانهم إنقاذ هذه الأمة من تقوقعها العقدي، وكراهيتها للتطور، وخروجها – دوما- إلى العراء الفكري للاقتيات من الغيبي.المفترض... تحدث المتدخلون،عن الراهنية من حيث التنوير، والجدل من داخل العقل العربي ، المتذرع بكل وسائل الجدل والتحليل،.. هذا التحرير، هو تأصيل الفكر الحر في زمن كان يتهدده فيه التحجر والتنكر لانسانية العقل، بما هو ملكة للتفكير والتأمل، ضدا على سلط الاغتيال كلها الاغتيال الديني، والثقافي والسياسي.. واضح للغاية أن هذا الشعر، ليس فقط ملحاحية ثقافية وفكرية بقدر ما هو حاجة يومية الآن، ومعيشية حتى، كما نبه إلى ذلك الاستاذ المصباحي عندما استغرب كيف أن العقلية الداعشية لدى البعض في مراكش، تدفعهم إلى التهجم على السائحين والسائحات والمرشدين الذين يشتغلون معهم ، ليقفوا بذلك سدا في وجه معيش فئات واسعة تعتاش على السياحة..طبعا، ليس غريبا أيضا أن تتوجه أغلب العمليات الإرهابية إلى القطاعات السياحية في كل الأمصار، كغاية بحد ذاتها تترجم كراهية الآخر ونبذه بذرائع عقدية.. نحن في صلب معادلة، يبدو أن السياسي لا يجد الوقت لتفكيكها! أو تنوير العقول حولها، علما بأن المغرب مُؤهل كثيرا لكي يعيد سؤال الفلسفة إلى العقل العام، امتنانا للعقل وأيضا امتنانا بالحياة.. الفلاسفة القدامى، واجهوا التحجر الديني، والتقوقع الحضاري، والاصولية القاتلة، هل سيكون قدرهم أن يعودوا كي ينقذوا أحفادهم من نفس الأشباح؟ لا بد من ذلك، فالفلسفة تلتقي بالتطرف حول الإنسان، هي لكي تحييه وهو ليقتله. وهي راهن قائم، ليس للتفكير في المترف، بل لكي يستطيع هذا الإنسان العربي الإسلامي (نتحدث عن تاريخيته وانتمائه الحضاري ليس عرقه ) أن يعيش العالم بما هو هبة وغاية تحقق حريته. تبقى اللغة؟.. في لقاء السبت الماضي، كان الصديق جلال الحكماوي والزميل هشام حديفة، يتحدثان كل من جغرافيته الخاصة، عن حرب اللغات في المغرب والتطرف الإسلامي.. وهنا تكون المناسبات الثقافية فرصة سديدة دوما للتفكير ، عندما تتوخى العمق والدقة وسعة الأفق معا. بدا واضحا أن وراء حرب اللغات (دارجة، عربية فرنسية امازيغية ... ) مسكوت عنه ، قد يصير إذا اشتدت وطأته السياسية حربا أهلية... اللغة، عندما تستدل بجذرها اللاهوتي لكي تكون وكي تخاطب اللغات الاخرى قد تحمل سكينا في حروفها كما قد تصير غمدا لسيوف تشهر بطرق مختلفة.. والسؤال الفلسفي ينبهنا إلى أن التطرف ، هو عندما يراد لله سبحانه وتعالى عم يصفون أن يكون فاعلا سياسيا.. والتطرف اللغوي عندما يراد له عز وعلا أن يكون فاعلا لغويا.. هناك تشويق حقا وراء الكتب التي كانت محور التفكير: في سؤال الفلسفة كانت ترجمة الكتاب الشيق لعلي بنمخلوف (كيف نقرأ الفلاسفة العرب؟)، وتقديم كتاب: المغرب حرب اللغات والتطرف الديني، كتحقيق صحفي في المغرب الراهن.. لكن هناك بالاساس القلق الذي يعترينا جميعا أمام الانحسار الحضاري الذي نستملح البقاء فيه....