كما هو الحال بالنسبة للأمية التي لازال معدلها مرتفعا في بلادنا، بغض النظر عن مئات الاستراتيجيات للحد من هذه الآفة، فإن الهدر الدراسي هو الآخر ما زال يشكل خطرا ينخر نظامنا التعليمي ، ويجعله يدور في حلقة مفرغة، غير قادر على الاستجابة ولو نسبيا لتوقعات الميثاق الوطني للتربية والتكوين في جعل المدرسة مؤسسة لإنتاج الموارد البشرية الكفيلة بالرفع من معدلات التنمية الوطنية. إن مسألة الهدر المدرسي أو إخفاق المتمدرسين هي نتيجة طبيعية في العالم القروي بسبب بعد المؤسسة عن محلات سكناهم، إضافة إلى وعورة المسالك المؤدية إلى المدرسة ، الشيء الذي يسبب الإرهاق والملل الذي يتسرب إلى نفوس المتمدرسين. وإذا كان الهدر المدرسي في القرية اضطراريا وتحكمه إكراهات اقتصادية واجتماعية بالخصوص، ففي المناطق الحضرية، الأمر يبدو مختلفا، حيث يكون الانقطاع الدراسي نفسيا، وتتحكم فيه عوامل كثيرة أولها مرتبط بسن المراهقة، فالتلميذ في هذه المرحلة في حاجة إلى مراقبة صارمة على التحولات التي تطرأ على سلوكه، وفي غياب ذلك، يمكن أن تجرفه تيارات فاسدة تحرفه عن جادة الصواب، مما ينعكس سلبا على مستوى تحصيله وبالتالي مساره الدراسي. وثاني العوامل يتعلق بالعلاقة غير الطبيعية بين التلميذ والمدرس، والتي ينتج عنها الخوف والوجل لدى التلميذ كلما وقع في لخبطة أثناء مذاكرته ولم يستوعب كنه دروسه، مما يجعل التلميذ يفضل على مواجهة المدرس بخيبته وفشله، أن يتغيب و يتهاون إلى أن يصل إلى الانقطاع الكلي عن المدرسة. وأما العامل الثالث فهو اقتصادي واجتماعي، أوله يمس شريحة مهمة من الأسر الفقيرة التي لا تمتلك بالكاد ما تسد به رمقها، وتعول على ابنها في أن يعيلها ويرفع عنها ولو نسبيا متاعب الحياة، وثانيه هو مدى انعكاس المشاكل العائلية على التلميذ من طلاق وتفكك أسري، حيث تصيبه الأجواء المكهربة بإحباط وتفسخ وفشل دراسي. ومن هنا فالمسؤولية في هذا الجانب تتحملها الإدارة التربوية، فمثلا عندما يلاحظ كثرة غياب التلميذ، لا يتم الاقتراب منه والاستماع إليه للبحث عن حل لمشاكله، وإنما يساءل بشكل يكاد في بعض الأحيان أن يكون مستفزا، مما يدفع بالتلميذ إلى الكذب أحيانا أو الانقطاع الكلي عن الدراسة باعتباره الحل الأنجع بالنسبة له. إن ما ينقصنا في إدارتنا التربوية هو التكوين في المجال السيكولوجي لمعرفة كيفية تبديد الهموم والمشاكل لدى التلميذ، وإكسابه الثقة اللازمة لتجاوز مثبطات سيره العادي. كما يتحمل المسؤولية بعض المدرسين الذين يفتقدون إلى بيداغوجية التلقين، مما يشكل إحباطا لدى التلميذ واضطرابا في الفهم، وبما أن التلميذ متبوع بأمر لا مناص منه ألا وهو الاختبار، فإنه يلجأ في أيام قليلة قبل الامتحان إلى تحضير وريقات بحروف «نملية» ، أو الاستعانة بوسائل تكنولوجية حديثة يعتبرها المصباح السحري لبلوغ شط النجاة، وهذا بالطبع رهان خاطئ يؤدي حتما إلى إفراغ قريحة التلميذ من روح التنافس والمبادرة والنتيجة هي الوقوف في بداية الطريق. ومهما يكن الأمر، فالمسؤولية في ظاهرة الفشل الدراسي والهدرالمدرسي، تعود بالأساس إلى المؤسسة التعليمية في بعدها المحلي والوزارة الوصية في البعد الشمولي، باعتبار أن الفشل في مواصلة المسير الدراسي والإحباط وغيرها من الحالات السلبية التي تنتاب التلميذ وتواجهه، هي نتائج طبيعية للسياسة التعليمية المتبعة، التي تفتقر إلى استراتيجيات بعيدة المدى في التنفيذ المتواصل لتعميم التعليم بالوسط القروي وتوفير الظروف الملائمة لمواكبته. كما أن عدم التعامل مع مشاكل جل مكونات المؤسسة التعليمية بمنطق الإصلاح المركز لكل ما يقض المدرسين والإداريين من هموم باعتبارهم آليات الاشتغال لتحقيق الجودة والتميز، وأن كل إخلال بحقوقهم، هو تكريس لضعف وتدني المستويات التعليمية، ومحدودية المردودية العامة للتعليم في بلادنا لدى التلاميذ. والسؤال المطروح كيف يمكن مواجهة التسرب المدرسي خصوصا في مرحلة عمرية حساسة، مرحلة يكون فيها التلميذ مادة خام لتمرير كل الأفكار المتطرفة والهدامة؟، إن الجواب على هذا السؤال يتطلب بالفعل دراسات ميدانية تتبعها مقاربات علمية دقيقة لإيجاد الحلول القادرة على سد مكامن التسربات والترويض النفسي والتربوي لتجاوز أسباب الفشل والإحباط .