لا يخل الطريق إلى التغيير والتغيير نفسه، من القلق والخوف من الفشل، الخوف من حجم الصعوبات و حجم الطاقة التي يجب توفيرها لمواجهتها. لم يكن مسار سناء بالسهل، فقد تخلّلته صعوبات وإحباطات جعلتها مرات عديدة تشك في قدراتها، وتفكر في الانسحاب. كان العمل على تجديد التفاؤل والسعي قدما على أمل النجاح ضروريا حتى تستمر بنفس القناعات التي انطلقت على أساسها وأكثر. تلك الأفكار التي تحد من القدرات هي أول عائق يمنع من تفعيلها و استثمارها من أجل وضع أفضل. الخوف من التعلم لتطوير القدرات من أجل تحقيق التغيير هو أيضا من العوائق التي تقف حاجزا دون ذلك. « لن يكون باستطاعتي أن أتعلم شيئا لم أتعلمه يوما، كيف فكرت يوما أنه يمكنني ذلك؟ أظنني فاشلة لا أصلح لشيء». يلعب هنا عامل الثقة بالنفس دورا مهما وفعالا في إنجاح عملية التغيير. الشك في القدرات عند مواجهة الصعاب، أمر طبيعي لذلك يجب الوعي به والاشتغال على الرفع من مستواه قبل و خلال مرحلة التغيير. الإحساس بالدونية أيضا، مقارنة مع من نجحوا في نفس المجال، هو من الأسباب المؤدية إلى نقصان نسبة الثقة في النفس. تأتي بعد ذلك المعيقات الخارجية والتي تكون غالبا على مستوى الأشخاص المحيطين بطالب التغيير والذين يمثل التغيير بالنسبة لهم تهديدا لتوازن العلاقة معهم، فيستعملون كل وسائل التعجيز ومحاولات الإثناء عن العزم والحكم المسبق بالفشل على مشروع التغيير ومؤاخذة من ينشده بالتشكيك في قدراته ومؤهلاته وجدوى ما يطمح إليه. هذه الطاقات السلبية تنجح في كثير من الأحيان في الوصول إلى هدفها بإحباط الإرادة الإيجابية، كما بإمكانها أن تكون أيضا محفزا للتحدي وباعثا على إثبات العكس. بالتعرف على عقبات التغيير الممكنة، نأخذ الوقت لنتعرف على أنفسنا وإدراك مكامن «الضعف» و محاولة تحسينها، ثم إدراك مكامن القوة والعمل على الحفاظ عليها و تطويرها. من يحلم بالتغيير مدة طويلة دون تفعيل، تجده يتحسر على فرص مضت وعلى فرص حاضرة، ويتحسر حتى على تلك الفرص التي ربما ستتاح له مستقبلا، عند مطلع سنة جديدة أو الإصابة بمرض أو أمام أي حدث يجعله يطرح أسئلة وجودية حول واقعه؛ لكنه سرعان ما يعود إلى رتابة الأفكار والأحلام. تنتهي سنة وتقوم سنة أخرى على أنقاض الأولى، ويقوم أغلب الناس باستقبال مطلع السنة الجديدة ويغفلون عن الأيام والشهور الموالية. يحتفلون باليوم الأول من السنة، يقدمون التهاني والأمنيات ويتناسون أنها نفسها تلك الأماني التي تمنونها السنة الماضية.. فهل غيروا للأفضل شيئا ؟ سلوكا ؟ معنى ؟ كلمة ؟ ابتسامة ؟ علاقة ؟ موقفا ؟ دعونا نتأمل شكلا من أجمل أشكال التغيير في الطبيعة: شكل الفراشة، فهي رغم شدة وهنها وضعف جناحيها تنتقل من محطات مختلفة. تبدأ من اليرقة صانعة الحرير إلى الشرنقة لتصبح فراشة بإمكانها السفر عبر القارات قبل أن تكتمل لديها دورة الحياة. فماذا عنا نحن؟ بكل قوتنا و جبروتنا، نحن لا نختلف كثيرا عن الفراشة في وهنها.. لكنها تتفوق علينا في نجاح وجمال عملية التغيير التي تقوم بها. نتفق جميعا على أنها عملية فطرية، لكن ألا يمكننا أن نأخذها كمثال لتحقيق الأفضل؟ نحن من نتمنى و نحلم!؟ نحن لازلنا هنا وما دمنا كذلك.. لا عاما قديما.. لا عاما توارى، كلها أعوام جديدة، ما دمنا لا زلنا نستقبلها. يدخل العام الجديد بيوت حياتنا كزائر جديد؛ ويحلو له ولنا المقام بيننا ولا ندعه يرحل، فيلبث فينا. هو عام جديد يمضي إلى غرفة الجلوس في حياتنا، فيستقر فيها ثم نستقبل عاما جديدا بغرفة الضيوف، نفرح به، نقدم له أحلى الأماني ونلبس له أجمل أثواب خِطناها بحروف الأمل والانتظار ولا نتغير.. و العام الجديد يمضي.. يأتي عام آخر.. ونتذكر من رحل … ونبتسم لمن لازالوا هنا.. نتخيل من ربما سيأتون وربما سيكبرون فقط في مخيلاتنا.. و نبتسم. نغمض أعيننا ونتذكر أننا في كل مرة نعيد الكرة. في كل سنة، أحيانا نحيا وأحيانا نموت، وأحيانا ننسى أننا تمنينا أمنيات في مطلع العام وننسى أو نتناسى أنها عهود، عوض أن نسعى إليها ونحاول تحقيقها، ننتظر أن تسعى هي إلينا، وفي كل عام نقف على عتبته و نتمنى..و لا نتغير. والعام الجديد يمضي، نغمض أعيننا و نبتسم.. مضى عام جديد وحلّ عام جديد و نحن هنا.. نطمح ونسعى للتغيير.. حينما نمضي كما مضى من سبقونا، حينها ستكون أعواما ماضية. مادمنا هنا، فالذي مضى عام جديد و الذي سيحل عام جديد. نتذكر من رحلوا عنا إلى حياة أخرى لن ننتهي.. ولا نندم على من رحل عنا في الحياة إلى الحياة فقد اختار الرحيل. ونسعد بمن نُحب حتى لو ابتعدنا أو ابتعدوا عنا. ننطلق في مغامرة أخرى، في رحلة أخرى عبر الزمن.. سعداء بأننا رغم كل شيء لازال بإمكاننا أن نقوم بالتغيير وأن نبدأ من جديد. كل عام ونحن نمضي بين حياة و حياة.. بقوة فراشة شفافة.. أخصائية نفسية