«طريق الألف ميل تبدأ بخطوة» وطريق الألف تغيير تبدأ بهدف. إن أول خطوة في طريق التغيير هي تحديد الهدف الذي نسعى إليه، والذي يجب أن يكون S.M.A.R.T (سنوضح المفهوم في المقال لاحقا)، ولو أن هذه العبارة مقتبسة من مجال الإدارة والمقاولات، إلا أنه يمكن استعمالها وتطبيقها على المستوى الذاتي حين نطمح إلى القيام بتغيير واقع لم نعد نرغب فيه. فإذا كانت المقاولة تعتمد على الإدارة في التسيير، وكلما كان التسيير إيجابيا، كلما نجحت المقاولة في أعمالها، فالفرد أيضا ولو أنه متفرد في كينونته ووجوده، فهو يحتاج إلى منهج لتسيير شؤونه وإدارة كل المواقف التي يعيشها رغما عنه أو باختيار منه، و كلما كان هذا التسيير إيجابيا كلما حقق النجاح ولم يحد عن طريقه. حين يرغب الفرد في التغيير، فهو بصدد مشروع ذاتي سيمسّ ربما بنمط ونظام عيشه هو والمحيطين به، لذا فتحديد الهدف يجب أن يكون أساس ومنطلق هذا التغيير حتى لا يتم استثمار قوى عديدة من أجل شيء مجهول أو غير واضح ليبوء بعدها بالفشل. إن الهدف يجب أن يكون S.M.A.R.T، محددا ومعينا Spécifique ، قابلا للقياس Mesurable، فيه طموح / محفز Ambitieux/Accessible، واقعي Rėaliste، محددا في الوقت Tomporel.فكلما كان الهدف واضحا محددا، كلما تمكن الفرد من التغلب على الصعوبات التي يمكن أن يواجهها من أجل تحقيقه. و نأخذ هنا مثالا، لشابة 28 سنة، سناء عازبة، تشتغل مسؤولة تجارية بإحدى المقاولات الخاصة، مرت بظروف مشروع زواج توقف في مرحلة الخطوبة. تعاني سناء من إجهاد نفسي بسبب ظروف العمل الذي يتطلب منها مجهودات مضاعفة لتحقيق نسبة مبيعات أكبر من النسب السابقة، ومثلها مثل كل الشباب الطموح، حلمت بحياة أسرية ومهنية مستقرة وسعيدة. عملت على ذلك بكل جهدها، حسب منظورها، لكن بسبب صعوبات واجهتها مع خطيبها جعلت الإثنين يتخليان عن فكرة الارتباط، مما جعل ظروفها النفسية لا تساعدها جراء ذلك على مواكبة ظروف العمل الصعبة بطبيعتها. أصبحت سناء تعاني من توتر دائم وانفعالات متكررة، تشعر أنها تعيش لتعمل ولا تعمل لتعيش، تحاول أن تستثمر كل قواها ووقتها في العمل. في نهاية اليوم، تكون متعبة حزينة غير راضية عما قامت به وتتساءل عن جدوى عمل هي أساسا لا تحبه. في نفس الوقت تتساءل وماذا ستفعل إن لم تعمل؟ عملها ولو لم تكن تحبه إلا أنه يشغلها عن التفكير في فشل علاقتها مع خطيبها ولا يدع لها وقتا فارغا من شأنه أن يشعرها بالوحدة وبأنها تعمل دون هدف وتدور داخل دائرة مقفلة باستمرار. كان طلب سناء للمساعدة، طلب المستنجد الذي يشعر أنه يغرق، يريد أن يقاوم لكنه لا يستطيع ولا يعلم هل بمقدوره حتى أن يحاول. طلبها للمساعدة لم يكن لفعل شيء لتغيير الوضع، وإنما فقط أرادت من يحسن الإنصات إليها، كانت ترغب في أن تتحدث إلى شخص يدرك كيف ينصت لها دون إصدار أحكام أو نصائح أو مؤاخذة أو اتهامها بالمبالغة أو حتى النظر إليها بشفقة. كان العمل الأول والأساسي هو تحديد هدف معين. في البداية كان الهدف مجرد حلم تلجأ إليه سناء للهروب من واقع لم تعد تتحمله «أحلم بالتغيير..ليس فقط تغيير المقاولة التي اشتغل بها، احلم بتغيير جذري..». كانت تغمض عينيها وتفتح نافذة على أحلامها لترى نفسها في وضع اجتماعي ومهني أفضل. كانت ترى نفسها طبيبة جراحة للأسنان تبدع في عملها. حلم لطالما راودها منذ كانت في المرحلة الإعدادية، لكنها لم تتمكن من تحقيقهّ، فقد اتجه مسارها في اتجاه مختلف لتلج عالم التجارة و المقاولات. يوما عن يوم وبتزايد الصعوبات التي كانت تلاقيها في عملها، كانت مساحة البوابة التي تفتحها سناء على أحلامها تتسع وتأخذ حجما أكبر. في إحدى الزيارات، تحدثت عن حلمها الذي تبتسم كلما تمثل أمامها قائلة «أرى نفسي بوزرتي البيضاء كحمامة، اعمل على منح زواري ابتسامات جذابة» – وما يمنعك؟ نظرت نظرة يملؤها الاستغراب وأجابت: – أنا ؟ في هذه السن؟ لا يمكن. بدا لسناء أنه حتى التفكير في إمكانية تحقيق حلمها هو ضرب من الجنون، لكنه كان حلما محددا ومعينا، و ذلك هو أول شرط لتحقيق هدف ما، لم يكن سهلا لكنه ممكن التحقيق، يحتاج إلى استراتيجيات محددة و مدروسة، أولها تخليها عن العمل لمتابعة الدراسة مدة لا تقل عن خمس سنوات، وهي التي اشتغلت لمدة طويلة واعتادت على نمط ومستوى عيش معين. تناول الموضوع بشكل إجرائي، ودراسته بشكل عملي مع وضع جميع الاحتمالات الممكنة لنجاحه أو فشله، من الناحية الشخصية الذاتية ومن الناحية الاجتماعية، جعلها ترى الجانب الممكن والواقعي لحلمها فتتساءل: « لم لا؟ لا بأس.. يمكن أن أقوم بتنازلات مادية، ثم الاشتغال ليلا بمراكز الاتصال إن اقتضى الحال، مستواي في اللغات الأجنبية يخول لي الحصول على عمل من هذا النوع «. هدف سناء قابل للقياس Mesurable، وذلك عن طريق اجتيازها للامتحانات التي ستقوم بتقييم وقياس مستوى تعلماتها كي تنتقل إلى المرحلة الموالية. أيضا من ناحية حجم الدروس ونوعها، وبالنظر إلى مؤهلاتها فهي تستطيع ذلك بحكم أن تكوينها كان علميا وحاصلة على بكالوريا شعبة علوم تجريبية. هدفها هو أيضا Ambitieux فيه طموح محفز لها للسير قدما من أجل تحقيقه. الشرط الرابع هو الواقعية Réalisable، وهدفها مهما بدا في ظاهره حلما لا يمكن تحقيقه بالنسبة لشخص مثلها، ابتعد عن الدراسة لسنوات وشقّ لنفسه طريقا مهنيا بعيدا كل البعد عما حلمت به في صغرها، فهو هدف واقعي قابل للتحقيق بالنظر إلى مؤهلاتها و طموحها. وبما أن من شروط تحديد الهدف أيضا أن يكون Tomporel محددا في الزمن، فإن مدة تحقيق الهدف بالنسبة لسناء هي خمس سنوات إذا تكللت كل سنوات الدراسة بالنجاح. إن تحديد الهدف في أي مجال من مجالات الحياة، يسمح لصاحبه بالتركيز على المهمات التي يجب عليه القيام بها مع الإحاطة بالمهمات والواجبات القيام بها وتطوير الكفاءات والقدرات لتنسجم وتتوافق مع حجم الهدف المتوخى خلال مدة محددة. تستعد سناء اليوم لاجتياز خط نهاية مرحلتها الانتقالية إلى حلم كانت تراه مستحيلا، هي في السنة الرابعة بكلية طب الأسنان، ولا يفصلها عن مناقشة أطروحة نيل شهادة الدكتوراه سوى سنة وبضعة أشهر.