عرف شباب المغرب في الآونة الأخيرة اهتماما متزايدا بعالم المقاولات، و بالأخص بالمقاولات النائشة -هكذا ترجمها أحدهم للعربية- . فما هي المقاولة الناشئة ؟ و ما هو الفرق بينها و بين المقاولات التقليدية ؟ و ما سبب انتشارها مؤخرا ؟ و ما هي مشاكلها في المغرب ؟ و ما هو مستقبلها ؟ تعريف المقاولة الناشئة : على عكس ما يعتقد البعض أن المقاولة الناشئة، هي عبارة عن مقاولة صغيرة في التكنولوجيا الحديثة بالضرورة، فإن التعاريف تختلف حسب المدارس، لكن التعريف الذي سلف لا يتطابق مع أي منها. حسب خلاصة ما قرأت، فالمقاولة الناشئة هي منظومة مؤقتة تعمل للتأكد من فرضيات حول نموذج أعمال للتأكد منها للمضي في تفاصيلها أو تغييرها و إيجاد طرق لتكبيرها للذهاب بها إلى العالمية أو الإقليمية، أو بلغة بسيطة هي مجموعة من الأفراد يعملون على التحقق من جدوى فكرة المشروع المستقبلي لمقاولة مستقبلية. و بهذا نستطيع أن نميز إذن بين المقاولات الصغرى التي عندها خط واضح تتبعه و يتعلق مردود عملها فقط بجودة التنفيذ كون شركات أخرى فعلت اتبعت نفس الخطوات و حصلت على نتائج مرضية، مثال على ذلك مشروع مقهى أو محلبة أو بناء سكن و بيعه أو كراؤه. كما نستطيع أن نجد أيضا مقاولة ناشئة يعمل بها المئات من الأشخاص، كجزء من شركة عملاقة تبحث في منتوج جديد -كما هو الحال بالنسبة للعملاق جوجل- لماذا الآن ؟ عرفت البشرية مؤخرا قفزة نوعية في انتشار الوعي عموما، رغم تشكي البعض من الحروب و الإنحلال الخلقي و ما إلى ذلك، إلا أن التقدم الكبير الموازي في العديد من المجالات الأخرى يستطيع أن يغطي هذا التراجع، و طريقة تفكير الشعوب المتقدمة في الثمانينات بدأت تصيب شعوبنا بالعدوى الطيبة، تربينا في بيئتنا أن واجب المواطن الصالح هو الدراسة و الجد و الكدح و الحصول على ديبلوم محترم، و مسؤولية الدولة هي الإدماج الفوري و اللامشروط لكل خريجي الكليات و المدارس و المعاهد، لهذا كنا خلال سنوات التعليم العالي بمجرد سماعنا عن محاضرة تتعلق بالمقاولات و الإستثمار نصم آذاننا لإيماننا أن الأمر لا يعنينا ، و لإيماننا أنه لكي تدخل ذلك العالم يجب أن تكون من طبقة معينة. في الجانب المقابل و خلال فترة السبعينات كان يخاطب أحد رؤساء أمريكا شعبه "لا تسأل أمريكا ماذا قدمت لك، بل إسأل نفسك ماذا قدمت لها"، حاليا أصبحت نسبة أكبر من الشباب تؤمن بأنها مسؤولة مسؤولية تامة عن وضعيتها، و تحول اهتمام عدد كبير منهم من البحث عن عمل إلى خلق فرص عمل للآخرين. و مما ساعد أيضا على اهتمام متزايد بالموضوع، هو نشوء مجموعة من الجمعيات و الهيئات – على قلتها – بالمغرب، و تنطيمها لتظاهرات بصفة دورية مع مراعاة المراحل المختلفة للمقاولة الناشئة – إحدى الجمعيات الرائدة بالمغرب نظمت ما يزيد عن 20 حدثا خلال الأشهر ال12 ماضية فقط ، في مدن مغربية مختلفة-، كما أن بعض المقاولات الناشئة المغربية بدأت في حصد نتائج طيبة من ناحية التتويج العالمي في المسابقات و الإيرادات. الحياة اليومية للمقاولات الناشئة بالمغرب: رغم كل ما ذكرت من تزايد في اهتمام الشباب بموضوع المقاولات الناشئة بالمغرب، إلا أن عدد المقاولات الناشئة الجدية بالمغرب تجده محدودا جدا، بدليل أن هاته المقاولات و أصحابها تتكرر دائما في مختلف الأحداث و التظاهرات بالمغرب المنظمة من عدة فاعلين في الميدان. قد يظن البعض أن أكبر عائق للمقاولة النائية بالمغرب هو غياب مؤسسات التمويل المجازفة، لكن ذلك ليس صحيحا، فغياب هاته المؤسسات هو نتيجة حتمية و منطقية لحال المشاريع الناشئة. و تعمل مؤسسات التمويل الجازف على مبدأ بسيط و هو تحديد تقريبي لقيمة المقاولة بعد مدة معينة و اقتراح تمويل كبير مع نسبة متفق عليها لتكبير خط الإنتاج و الأخذ بيد المقاولة النائية إلى السةق الحقيقي، مثال شركة نائية صرفت على مشروعها 10،000 دولار و قدرت قيمة المقاولة في مليوني دولار بعد ثرت سنوات فإن هاته المقاولة ممكن أن تأخد تمويلا بقيمة نصف مليون دولار مقال ربع أسهمها. و نرجع لأزلية البيضة و الدجاجة، هل لتشجيع اهتمام المؤسسات التمويلية بهذا المفهوم يجب تكثير و رفع أداء المقاولات الناشئة، أم لتشيع هاته المقاولات الناشئة يجب خلق العديد من مؤسسات التمويل ؟ و إذا سألنا المستثمرين في المغرب عن سبب عزوفهم عن تمويل هاته المشاريع فإن أعذارهم كلها منطقية : لماذا الإستثمار في شيء غير "مضمون" بدل الإسثمار في العقار أو الفلاحة ؟ لماذا أعطي أموالي لأشخاص غير جادين لا يعملون على المشروع بشكل كامل ؟ لم نسمع قط عن قصص نجاح هاته المشاريع بالمغرب ! الإبتكار و الإبداع موطنه أمريكا و اليابان فقط …. و ما إلى ذلك من ناحية أخرى تجد أن حملة المشاريع في الغالب هم من الخريجين الجدد الذين لم يقتل فيهم روتين العمل حيويتهم فيعملون في مقاولاتهم الناشئة بعد انتهاء الدوام و خلال العطلة الأسبوعية، أو بعض الأطر الذين وفروا مبلغا لا بأس به بعد سنوات من العمل يستعملونه لمواجهة المصاريف اليومية، يستحيل عليها التفرغ كليا لمشاريعهم نظرا للإلتزاماتهم المادية. فما هو الحل ؟ هل نستسلم لهذا الواقع ؟ هل نقعد في مكاننا في انتظار حصول معجزة و تهيئ منظومة اقتصادية متكاملة؟ قاعدتي الذهبية في هاته الحياة : "ما لا يلحق كله لا يترك جله"، ما ينقص الشباب المغربي بالدرجة الأولى هو وعي مالي أكثر منه مؤسسات للتمويل، فلو تكونت لدى الشباب هاته القناعة بالمقاولات، و تخصص كل شاب في المجال الذي يعشقه و ليس المجال المطلوب في سوق الشغل، و بحث عن وطيفة كي يتعلم منها خبرة يستفيد منها عوض البحث عن وطيفة مضمومنة براتب محترم و مزايا مريحة، فإن الأمور سوف تتحسن بشكل عجيب، ففي كل صباح عنما يرن المنبه سوف يستيقظ شبابنا و كل طموح و نشاط للمضي قدما نحو تحقيق حلمه، و عندما يعمل الإنسان في شيء يعشقه فسوف نقفز من الإنتاجية إلى الإبداع و الإبتكار، و سوف تتحسن تلقائيا مجموعة من العادات المالية السيئة من تبذير للمال في توافه الأمور كإقامة حفل زفاف خرافي في قاعة تأجر بليلة مقمل أجرة شهر، و لبس عدة فساتين للعروسة ليلة واحدة تكلفة كل فستان خيالية، و كذلك الإسراف في الخرجات العائلية في المقاهي "الفاخمة"، و السفرات خارج أرض الوطن، و اقتناء سيارات آخر موديل، و الإجتهاد في الحصول على قرض بفوائد خيالية لاقتناء شقة الأحلام …..و ما إلى ذلك، إلى عادات طيبة كالإدخار و الإستثمار في ما يفيد من كتب و دورات و حضور أنشطة ملهمة و ممارسة الرياضة و النظر إلى كل درهم يصفر هل هو في خانة الأصول أم خانة الإلتزامات؟ مستقبل المقاولات الناشئة في المغرب بناءا على كل المعطيات المذكورة أعلاه، ممزوجا مع تفاؤلي بإيجابية الشعب المغربي فإنني لا يمكن إلا أن أرى مستقبلا زاهرا لهاته المقاولات، هذا الإزدهار الذي سوف يتجلى في ازدياد لعدد المقاولات الناشئة و اهتمام متزايد من طرف المستثمرين و المؤسسات و ارتفاع في الوعي المالي و الإستثماري لدى الشباب، و كل هاته العوامل من شأنها أيضا أن تساهم في تسريع الدفع بعجلة اللإقتصاد الوطني قدما نحو الإمام. ________________________________________________________________ مصادر مهمة عن المقاولات الناشئة : كتب : The business model generation The lean startup ZERO to ONE دورة مجانية على الإنترنت : https://www.udacity.com/course/viewer#!/c-ep245/ سلسلة تلفزية : Silicon valley برنامج تلفزيوني موجود على اليوتوب : Shark tank