سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حكم عليه بالإعدام ثلاث مرات واختطفته مخابرات فرانكو وسلمته إلى أوفقير: المقاوم اسعيد بونعيلات يتحدث عن المقاومة وجيش التحرير والنضال السياسي التقدمي والوطني 1/3
من قلب أمانوز التي أنجبت العديد من المقاومين الكبار ، إلى الدارالبيضاء حيث كان من الرعيل الأول الذي التحق بالحركة الوطنية وأحد مؤسسي وقادة حركة المقاومة المسلحة إلى شمال المغرب حيث كان من الذين سهروا على إنشاء جيش التحرير وإطلاق شرارته النضالية .. إلى معتقلات الإستقلال ثم المنفى بالجزائر وبعدها إسبانيا قبل أن يتم اختطافه من طرف مخابرات فرانكو وتسليمه إلى المغرب .. عبر كل هذه المحطات ، كان محمد آجار الملقب ب «اسعيد بونعيلات» في الصفوف الأولى دفاعا عن حرية وكرامة المغرب ورمزا شامخا لحركة التحرير الشعبية، وللإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية الذي كان من بين مؤسسيه ، رمز يقف أمامه كل المناضلين ، في مختلف أقطار المغرب العربي، إجلالا واحتراما لإخلاصه الشديد لمبادئه ونكران للذات قل نظيره . أجمع كل الذين رافقوه خلال هذه المحطات ، وكل الذين كتبوا عن هذه المراحل من تاريخ المغرب ، أن «اسعيد بونعيلات» كان واحدا من الأبطال الكبار الذين يحق لكل المغاربة أن يفتخروا بهم . وقد أكد ذلك غير ما مرة ، منذ إلتحاقه المبكر بصفوف الحركة الوطنية، ثم بالقيادة المركزية لحركة المقاومة المسلحة رفقة الشهيد محمد الزرقطوني ومحمد منصور وسليمان العرايشي وعبد الله الصنهاجي وغيرهم. هذا المناضل الكبير، أو الرجل الخفي الذي دوخ مخابرات الإستعمار ، وكان يبيت في العراء رفقة الشهيد الزرقطوني، عندما أصبح ملاحقا ، كان نصيبه من مغرب الإستقلال ثلاثة أحكام بالإعدام . وعندما أطلق سراحه سنة 1972 ، خصص له المغاربة استقبالا منقطع النظير ، من سجن القنيطرة إلى الرباط مرورا بسلا . وقد ظل طيلة هذه السنوات وفيا لأفكاره ومبادئه، يراقب عن كثب تطورات الأوضاع ، إلى أن أقنعناه بفتح صدره ، وكشف أسرار عديدة تخص مراحل هامة من تاريخ المغرب ، كان أحد صناعها الكبار .
قصة لقب « بونعيلات» – السي اسعيد، قبل أن نتناول ظروف النشأة وانتقالك إلى الدارالبيضاء ومن تمة إلتحاقك بحركة المقاومة وجيش التحرير، أريد أن أسألك عن أصل هذا الإسم الذي التصق بك وأصبح الإسم الذي يناديك به الجميع إلى يومنا هذا، أو بعبارة أخرى كيف أصبحت اسعيد بونعيلات؟ – إسمي الحقيقي هو «محمد آجار»، عندما تكونت خلايا المقاومة ضد الإستعمار الفرنسي، فرضت علينا ظروف السرية ، أن نطلق على بعضنا البعض أسماء مستعارة أو حركية ، حفاظا على هويات المقاومين وقيادة المنظمة. أذكر أننا استعملنا أسماء عديدة، وكذلك الأرقام ، حيث كان لكل واحد منا رقم يستدل عليه به، لا يعرفه إلا من هو مخول بذلك . أما كيف أصبحت بونعيلات فتلك قصة أخرى ، ففي الواقع لم أختر أنا هذا الإسم بل جاء صدفة وعلى مرحلتين. الأولى مع نشوء حركة المقاومة في الدارالبيضاء . في تلك الأثناء كنت أتردد على صاحب دكان بقالة اسمه بلعيد ، سيتعرض لاحقا للإختطاف والقتل، وكان عبد الله الصنهاجي يعرف أني أتردد على ذلك الدكان و كان كلما يريد إبلاغي بأمر ما يسأل عني هناك . في تلك الأثناء كنت أنتعل صندلا «نعالة» به خيوط كثيرة متشابكة، وكان عبد لله الصنهاجي كلما يصل إلى الدكان ، يباشر بلعيد قائلا: ألم تر اليوم «بونعيلات» وهكذا ومع مرور الوقت أصبح الجميع يناديني بهذا اللقب. بعذ ذلك وعندما أصبحت ملاحقا من طرف قوات الإستعمار انتقلت إلى المنطقة الخليفية وبالضبط إلى مدينة تطوان، وهناك إخترت لنفسي إسما حركيا هو «اسعيد»، بعدها أصبحت معروفا ب» اسعيد بونعيلات» إلى يومنا هذا . – لنعد الآن إلى البداية . أين ولدت، متى قدمت إلى الدارالبيضاء؟ – ازددت بأمانوز ناحية تافراوت دوار إزردي. في تلك الأثناء ، ونظرا للظروف التي كانت سائدة لم تكن من عادة الناس تسجيل تواريخ إزدياد أبنائهم ، خصوصا في المناطق الريفية . لذلك لا أستطيع أن أحدد السنة التي رأيت فيها النور ، لكن عموما كان ذلك في العشرينات من القرن الماضي. عندما بلغت العاشرة انتقلت صحبة والدي إلى الدارالبيضاء، وبالضبط إلى «درب كلوطي»، حيت فتح أبي دكانا لبيع «الشفنج». لم نمكث هناك طويلا حيث انتقلنا بعدها إلى «درب غلف» . هناك اكترى والدي دكانا آخر وخصصه أيضا لبيع «الشفنج» وما زلت أتذكر أن الدكان كان قرب واد بوسكورة الذي لم يعد له أثر الآن. كنا نقضي سحابة النهار في إعداد «الشفنج» وبيعه للزبائن الذين كانوا يقبلون عليه كثيرا، كما هو الشأن الآن. وفي الليل وبعد يوم طويل من العمل الشاق كنا نخلد إلى النوم في نفس الدكان، الذي كان مقر عمل ومأوى لنا ، كما أتذكر أننا كنا بالإضافة إلى «الشفنج» نبيع ماء الشرب . كانت عربات البغال والحمير تأتي بالماء العذب داخل براميل كبيرة من أولاد حدو إلى أحياء المدينة ، وكان بعض الباعة ، ومن ضمنهم والدي ، يشترون كمية منه لبيعها إلى الزبائن في «المقارج». -كم قضيت في درب غلف؟ – لم يدم مقامنا طويلا في هذا الحي، فبعد مدة عاد والدي إلى « البلاد» أما أنا فقد انتقلت للعمل رفقة عمي الذي كان يملك دكانا لبيع السجائر في «درب بنجدية». – وهل كنت تقيم معه أيضا؟ – كنا بعد انقضاء وقت العمل ننام في الدكان كذلك. لا بد أن أوضح أنه في تلك المرحلة كان جميع الأمازيغ الذين كانوا يملكون دكاكين للبقالة وغيرها في الدارالبيضاء، كانوا ينامون داخلها ، هكذا كانت الأوضاع آنذاك. وسأظل معه إلى أن بلغت سن السابعة عشر، حيث قام عمي بكراء محل آخر لبيع السجائر في زنقة ستراسبورغ، وقد استأجر الرخصة من أحد المحاربين القدامى حيث كانت السلطات الفرنسية تخصهم برخص بيع السجائر ، ويقومون بعدها بكرائها لمن يرغبون في مزاولة هذه الحرفة . هكذا أصبحت مسؤولا عن هذا المشروع الصغير وكما سبق أن أوضحت ففي تلك الفترة كنت أعمل وأسكن في نفس الدكان. بعد ذلك اشتقت إلى «البلاد» ورؤية الأهل والأحباب ، خصوصا أنه مرت مدة طويلة دون أن أراهم، فذهبت هناك وقضيت بضعة الأيام رفقتهم قبل العودة إلى البيضاء.
– ماذا فعلت بعد ذلك؟ – بعد العودة إلى الدارالبيضاء ، وكان قد أصبح معي مبلغ من المال ادخرته خلال السنوات الماضية ، قررت أن أوسع نطاق عملي بإيجاد مورد آخر للعيش ومشروع خاص بي، وهكذا بعد التفكير والتمحيص قررت أن أشتري «كارو» لنقل البضائع والخضروات وغيرها . وبعد البحث والتشاور وجدت بغيتي لدى شخص فرنسي كان يشتغل آنذاك في شركة الكهرباء ، وما زلت أتذكر أنني اشتريت منه «الكارو» بمبلغ 65 ألف فرنك ! أي 13 ألف ريال . الشخص الذي اشتريت منه الكارو ، كان له صهر يشتغل في البحرية الفرنسية لاماران، وقد اتفقت مع هذا الأخير على أن أقوم بنقل الخضروات والمؤونة من مارشي كريو إلى لاماران . ولم تمر سوى مدة قصيرة حثى أصبح عدد الكاروات الذي يقومون بهذه العملية ، حوالي 30 . كنت أنا من توسط في ذلك وكنت أحصل على عمولتي من هذه العملية، كنا نكتري الكارو بمبلغ 6 آلاف ريال في الشهر. الالتحاق بصفوف حزب الاستقلال – كيف كانت الأجواء السياسية بالمغرب آنذاك؟ – كانت الأوضاع متشنجة، وكان طغيان السلطات الفرنسية يتزايد خصوصا مع أجواء الحرب العالمية التي وصل صداها إلى المغرب كما ذكرت، وكذلك الأزمة الإقتصادية ، وقد بدأ منذ ذلك الوقت بعض التململ في أوساط الجماهير، التي كانت تنتظر تحركا ما لتعبر عن رفضها لإستمرار وجود المستعمر. – وأنت، ماذا كنت تنتظر؟ – كنت أشعر أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، وخلال لقاءاتي مع العديد من الأصدقاء والوطنيين كنت أشعر أن هناك إحساسا كامنا بضرورة التحرك ، في ظل هذه الأجواء جاءت وثيقة الإستقلال والأحداث التي تمخضت عنها والتي ستؤكد أن المغاربة مستعدون للنضال من أجل الإستقلال. ومتى انتميت إلى حزب الإستقلال؟ قبل ذلك، أريد أن أشير إلى أنه بعد أن اقتنيت « الكارو» وأصبح لدي مدخول خاص من العمل، وجمعت ما يكفي لكي أكون عائلة ، ذهبت إلى «البلاد» حيث تزوجت، وبعد مدة وجيزة استقدمت زوجتي وانتقلنا للعيش في دار تقع ب «درب الكبير» إشتريتها هناك. وهكذا عندما التحقت رسميا بالحزب كنت متزوجا وأسكن في درب الكبير. – وما هي الظروف التي رافقت انتماءك إلى حزب الإستقلال، ومن كان وراء استقطابك للحزب؟ – الذي استقطبني إلى الحزب هو السي بناصر حركات، وكان مع الفقيه برادة. – هل يمت بصلة إلى المقاوم الحسين برادة؟ – لا ، مجرد تشابه في الإسم – وأين كنتم تعقدون اجتماعاتكم الأولى؟ – كانت أولى الإجتماعات التي عقدناها، كما أذكر، في بنجدية، في ورشة للنجارة كان يملكها وطني يدعى بنموسى. في تلك الورشة أقسمنا على العمل بإخلاص وتفان من أجل استقلال المغرب وعزته وكرامته. لا بد أن أوضح هنا أن الإنطلاقة الأولى لبناء خلايا الحزب ، وككل عمل جديد كانت من لا شئ . كل ما هنالك بضعة وطنيين، أعلنوا استعدادهم للتضحية من أجل البلاد، وشمروا على سواعدهم من أجل تعزيز صفوف الحزب ونشر أفكاره. لقد كانت فترة حاسمة في تاريخ بلادنا، لكن البداية كانت من لاشئ، لكننا كنا مقتنعين أن الشعور الوطني لدى المغاربة فياض، ولا ينتظر سوى من يطلق الشرارة الأولى. – كانت الشرارة الأولى هي وثيقة الإستقلال؟ – بالفعل، وبمناسبة صدورها سننظم مظاهرة تأييد لما جاء فيها. أذكر أننا في تلك الأثناء بدأنا نعقد إجتماعات في المدينة القديمة ، وبدأت صفوف الوطنيين تتعزز بانخراطات جديدة. عقدنا إجتماعا موسعا في المدينة القديمة بمنزل أحد الوطنيين وكان آنذاك يعمل حارسا بالقنصلية الإسبانية. – من هو هذا الوطني؟ – للأسف لم أعد أذكر إسمه . لكني أذكر أن عدد الذين حضروا الإجتماع كان 35 مناضلا. خلال هذا الإجتماع اتفقنا على تنظيم مظاهرة تنطلق من جامع «الشلوح» في السماط بالمدينة القديمة ، ولا يزال هذا المسجد موجودا لحد الآن ويحمل نفس التسمية. وكذلك كان ، حضرنا إلى المسجد وبعد أداء الصلاة ، خرجنا في المظاهرة. لم تكن مظاهرة حاشدة، لكنها أتت أكلها حيث أثارت انتباه المواطنين والقوات الإستعمارية ، التي أخذت على حين غرة. p وكيف كان شعوركم مع نجاحكم في تنظيم المظاهرة؟ n أدركنا أن بوادر الأمل موجودة ، وكذلك شعرنا بضرورة بذل المزيد من الجهود لإيصال صوت الحزب إلى جميع المناطق . ولم يمر سوى وقت قصير حتى بدأت خلايا الحزب تتكاثر ، عقدنا عدة إجتماعات في درب الكبير وكاريان بن امسيك وغيره من الأحياء الشعبية في الدارالبيضاء . في تلك الأثناء أصبحت مكلفا بالتنظيم الحزبي في «كاريان بن امسيك» وكنت انتقل هناك كل أحد لعقد إجتماعات مع المناضلين والملتحقين الجدد بصفوف الحزب، وكنت كلما دعت الضرورة أطلب من أحد الأطر المسؤولة وطنيا مرافقتي إلى الإجتماع لتأطير المناضلين وشرح مواقف وتوجهات الحزب، وأذكر أن من بين المسؤولين الذي حضروا معي تلك الإجتماعات السي عبد الرحمن اليوسفي، السي بوشتى الجامعي، السي بناصر حركات، الفقيه برادة وغيرهم. – وكيف كانت المردودية على الصعيد التنظيمي بعد هذه الإجتماعات المتعددة؟ – كانت أكثر من مشجعة. مثلا في بن امسيك تمكنا من تكوين 25 جماعة، ونفس الشئ يسري على باقي المناطق حسب ما كنت أتوصل به من معلومات من طرف المناضلين. – الذين عايشوا تلك المرحلة تحدثوا عن الدور الفاعل الذي كانت تقوم به لجنة التزيين ، هل كنت من بين أعضائها؟ – نعم كنت عضوا بها . ما قامت به لجنة التزيين من أعمال لا يمكن الحديث عنها بعجالة . لقد كان لها دور مركزي في خضم التفاعلات التي كانت آنذاك . كانت مهمة لجنة التزيين تتجلى في الإعداد للمناسبات الوطنية أو زيارة المغفور له محمد الخامس ، حيث كنا نعمل على جلب صور الملك وتزيين الشوارع والأمكنة بها، لم يكن هذا الأمر سهلا، فالسلطات الإستعمارية لم تكن تنظر بعين الرضا لوجود صور محمد الخامس تملأ فضاءات المدينة، بل إنها كانت تقف ضد هذا العمل، ولذلك كنا نراوغ ونموه حتى لا تكتشف ذلك إلا في آخر لحظة، وعندما كنا نعلم بأن الملك سيزور الدارالبيضاء، كنا نشتغل طوال الليل بعيدا عن أعين القوات الإستعمارية وعملائها، وما أن يحل النهار حتى تصبح شوارع المدينة مزينة بالصور والأعلام ، وكنا نفعل ذلك ونصر باستماتة على إنجاح هذه المهمة، لأنها كانت تحمل في طياتها رسالة إلى المستعمر، وهي أن الشعب يقف مع الملك ضد الإحتلال، كما أنها كانت تلعب دورا تعبويا في صفوف الشعب، الذي بدأ يدرك مدى قوة الحركة الوطنية وتنظيمها ، فيلتحق بصفوفها أعضاء جدد وهكذا دواليك. وخلال الزيارة التي قام بها محمد الخامس إلى طنجة سيظهر بالملموس القوة الضاربة للجنة التزيين التي إنتقلت إلى طنجة للإعداد لإستقبال الملك، وهي زيارة تحدث عنها الكثيرون لما كانت لها من أهمية على مختلف الأصعدة آنذاك. سلاحنا الأساسي كان هو الإيمان – قبل أن ننتقل إلى بداية عمليات المقاومة، أريد أن أعود بك إلى الوراء، أي منذ أن فاتحك عبد السلام بناني، أنت ومحمد منصور في شأن الالتحاق بالمقاومة المسلحة، لماذا اختاركما أنتما بالضبط ، أو بمعنى آخر كيف كانت تتم عملية الاستقطاب دون إثارة الشكوك؟ – كانت هناك مقاييس محددة، يجب أن تتوفر في أي مرشح للانضمام إلى خلايا المقاومة. فالأمر هنا كان مختلفا عن طريقة الاستقطاب إلى الحزب، وهي عملية كانت في العموم أكثر سلاسة . بالنسبة للمقاومة المسلحة، كان يجب أن تتوفر في المرشح عدة مقاييس، فمن جهة كان يجب أن يكون متشبعا بروح الحركة الوطنية، ولذلك فأغلب الذين شكلوا خلايا المقاومة كانوا أعضاء في الحزب، كما كان من الأفضل أن يكونوا غير معروفين لدى السلطات الاستعمارية، ولا يحتلون مناصب قيادية داخل الحزب لأن هؤلاء كانوا ملاحقين بشكل يومي وبالتالي فالتحاقهم بالمقاومة كان سيشكل خطرا عليها. بالإضافة إلى كل هذا كان عامل الثقة والإخلاص والصداقات المتينة له دور مهم. لذلك عندما اتجه إلينا المرحوم عبد السلام بناني، اتجه إلينا أنا ومحمد منصور، لأننا بالإضافة إلى كل ما ذكرته كنا، ولا نزال، صديقين حميمين ، نتقاسم نفس المبادئ والأفكار، وأي خطوة نقدم عليها تأتي بعد التشاور، ثم نتخذ القرار سوية ، بمعنى أننا كنا نضع مصيرنا في كفة واحدة. – تحدث عن بعض العمليات العفوية التي قام بها بعض الفدائيين، وكيف قررتم تنظيم خلايا المقاومة بحيث أصبحت محصنة وعصية على الاكتشاف . بعد ذلك بدأتم تنفيذ العمليات ضد المستعمر، كيف انطلقت تلك العمليات، وبأي سلاح وبأية موارد مادية؟ – المقاومة المسلحة انطلقت في البداية من لا شئ. لم تكن لدى خلايا المقاومة موارد مالية بهذا المعنى، أعضاؤها كانوا متطوعين، يقدمون ما لديهم من أموالهم الخاصة، يتنقلون في الغالب عبر دراجاتهم الهوائية أو النارية، ولم تتوفر للمقاومة سيارة إلا بعد مدة ، أما عن الأسلحة، فكل ما كان لدينا في البداية، مسدس من نوع طومسون، ذو طلقة واحدة. بعدها تمكن منصور من الحصول على مسدس «رحى» ذي خمس رصاصات، وعندما اشتد عود المقاومة، بدأ البحث بجدية عن السلاح، وفي هذا الإطار، تم اللجوء إلى جميع الوسائل للحصول على السلاح، وكان أهم مورد هو السلاح الذي تمكن الإخوان من تهريبه من الشمال، أما عن الأموال اللازمة، فكما قلت كان كل واحد منا يقدم ما استطاع ، وعندما تقوت المقاومة، وأعادت ضرباتها المدوية الثقة لدى الشعب ، بدأ العديد من الموسرين يقدمون تبرعات حتى نستطيع مواصلة المسير. – إذن انطلقتم بمسدس واحد وبدون إمكانيات مادية تقريبا، كيف استطعتم في ظل هذه الأوضاع أن تبنوا تنظيمات المقاومة وتؤثروا بقوة على الأوضاع العامة بالبلاد؟ – بالفعل هذا السؤال طرح مرارا، خصوصا في الفترة التي أعقبت الحصول على الاستقلال. أي كيف تمكن هؤلاء الشباب من تفجير حركة المقاومة المسلحة من لاشئ، لتصبح حركة الفداء ، رقما أساسيا في المعادلة السياسية. الجواب بسيط، كان معنا أهم من السلاح والخبرة والمال، كان معنا الإيمان. وهذه مسألة أساسية ، بل بدونها لم نكن لنتمكن من تحقيق الأهداف التي رسمناها في البداية. الإيمان بأننا ندافع عن قضية عادلة ، فبلادنا كانت تحت الإحتلال، والمستعمر وأذنابه وعملاؤه يعيثون في البلاد فسادا ويرهبون المواطنين، ويستولون على خيرات المغرب ويستغلون كل ما وقعت عليه أياديهم في حين يعاني الشعب من الفقر والقهر ، كنا مؤمنين بأن اللجوء إلى القوة لطرد المستعمر أصبح ضرورة ملحة لأن المستعمر رفض كل الحلول السلمية، وسجن قادة الحركة الوطنية ، وفي الأخير ارتكب جريمة شنعاء بالتطاول على السلطة الشرعية في البلاد بنفي محمد الخامس ، إزاء كل هذه الجرائم لم يعد لنا خيار آخر ، وكما قلت كنا ندافع عن قضية عادلة . وكنا مؤمنين بذلك ، هذا كان هو سلاحنا الأول والأساسي ، الذي مكننا من المضي قدما في سبيل الدفاع عن استقلال وكرامة بلادنا. – في معرض جوابك تحدث عن الخبرة، وكنت أنوي أن أسألك عن هذه النقطة ، كيف تمكنتم من استعمال السلاح ؟ – كنا نجري التداريب في مناطق خارج الدارالبيضاء، بعيدا عن أعين المستعمر والمتلصصين، من بينها واد النفيفيخ وفضالة. لا تنسى أننا كنا في مقتبل العمر وكان تنظيم رحلات إلى مناطق خارج المدينة أمرا عادىا، فإذا رآنا أحد أو علم بذلك، سيقول بأن هؤلاء شباب ذاهبون للاستجمام واللهو، في حين كنا نستغل هذه الخرجات للإعداد لإطلاق المقاومة المسلحة. بالنسبة للسلاح نسيت أن أضيف أنه بالإضافة إلى المسدسات التي تمكنا في ما بعد من الحصول عليها وكذلك الرصاص، استطعنا بفضل خبرة ومعرفة بعض المقاومين، صنع قنابل محلية، واستطعنا أن نصنع في البداية حوالي 25 قنبلة. وسيكون للقنابل دور هام في تنفيذ أهم العمليات، التي ستهز أركان الاستعمار وستصيبه بالذهول، وعلى الخصوص قنبلة القطار وقنبلة السوق المركزي «المارشي سنطرال». عموما كان التدريب على السلاح أمرا سهلا واستطعنا في وقت وجيز امتلاك المهارات اللازمة، كما تدربنا على كيفية تنفيذ العمليات وحفظ الأسرار وعدم إثارة الانتباه. ورغم ذلك عندما بدأنا في العمل واجهتنا عدة صعاب، لأن هناك فرقا بين النظرية والتطبيق، كما أن الرأي العام لم يكن في البداية مستعدا لهذا التحول. – ماذا تقصد بذلك؟ – أقصد أننا في بداية العمليات سنصطدم برأي عام لم يتعود على عمليات مسلحة تنفذ في الشوارع وفي واضحة النهار، وقد شكل ذلك في البداية صدمة للجميع ، أي أن هذا التحول من المواجهة السلمية، من إضرابات ومظاهرات مطالبة بالاستقلال، إلى عمليات اغتيال وتفجير كان مفاجئا للجماهير، وبالتالي لم نجد في البداية ذلك السند الكفيل بحماية المقاومة، لكن لن يمر وقت طويل حتى أصبح الشعب هو الدرع الواقي للمقاومين . انطلاق العمليات المسلحة – إذن العمليات الأولى كانت محفوفة بالمخاطر، بالكاد تتوفرون على بضعة مسدسات وقنابل والرأي العام غير مستعد لقبول فكرة المقاومة، ومع ذلك قررتم الانطلاقة، ما هي العمليات الأولى التي كنت مشاركا في تقريرها أو تنفيذها؟ – لعملية الأولى التي قررنا القيام بها، جاءت بعد حوالي ثلاثة أسابيع من نفي محمد الخامس، مباشرة بعد العملية البطولية التي قام بها الشهيد البطل علال بنعبد الله ضد صنيعة الاستعمار، الدمية ابن عرفة، وكنا قد قررنا تصفية أحد عملاء الاستعمار وهو مفتش شرطة يدعى المسكيني، كان حقودا على الوطنيين وكثيرا ما ألحق الأذى بالحركة، فكان من الضروري أن تتم تصفيته، وذلك من جهة للتخلص من إحدى أدوات القمع التي يستعملها المستعمر ضدنا، وثانيا لتوجيه رسالة وضربة قوية للمستعمر. – هل كانت هذه العملية قبل أو بعد تصفية مفتش الشرطة «بنيس»؟ – انت قبلها ببضعة أيام، الفرق بينهما هو أن محاولة تصفية المسكيني فشلت، حيث لن تتم تصفيته إلا بعد أشهر من المحاولة، في حين أن العملية التي استهدفت «بنيس» كانت ناجحة. – اهي تفاصيل العملية الأولى ومن نفذها؟ -ريد أن أوضح في البداية أنه لا بالنسبة للعملية الأولى ضد «المسكيني» أو الثانية ضد «بنيس» كانا بقرار جماعي من مجموعتنا التي أصبحت تتولى قيادة المقاومة المسلحة، فسواء بالنسبة لتعيين «الهدف» أو التوقيت أو المنفذين، كنا نقرر ذلك جماعة، وبالتالي فكلتا العمليتين والعمليات التي تلتها جاءت ضمن نفس السياق الذي شرحته. بالنسبة للعملية الأولى والتي استهدفت مفتش الشرطة «المسكيني» تكلف بتنفيذها كل من محمد منصور، لحسن سرحان والمذكوري، وقد وزع الثلاثة الأدوار بينهم كالتالي، تكلف منصور والمذكوري بالتغطية، في حين تولى سرحان مهمة اطلاق النار على الخائن «المسكيني». كان سرحان يركب دراجة، وقد أطلق رصاصتين على مفتش الشرطة، لكنه ظل على قيد الحياة. مباشرة بعد اطلاق النار، فر سرحان بسرعة على متن دراجته الهوائية، كما اختفى كل من منصور والمذكوري، لكن بعض الذين كانوا شهود عيان على العملية أعطوا للمحققين أوصاف سرحان بعد أن تعرفوا عليه فجرى البحث عنه واعتقل في ظرف أيام معدودة. – ماذا كان تقييمكم لهذه العملية، التي لم تحقق هدفها، أي تصفية مفتش الشرطة المسكيني؟ – عقدنا اجتماعا مباشرة بعد ذلك، مازلت أذكر أن موقفي كان إبانها هو أننا يجب أن نكثف من العمليات وفي توقيت متقارب. بمعنى أن العملية الأولى ضد «المسكيني» شكلت بالنسبة إليكم درسا لابد من الاستفادة منه بالنسبة للعمليات الأخرى. بالفعل، وقد قلت ذلك للشهيد السي محمد الزرقطوني، في الاجتماع الذي أشرت إليه، وقد ناقشنا الموضوع بتمعن، واتضح لنا في الأخير أن القيام بعمليات متفرقة، لن تؤتي أكلها، إذ أنها لن تكون عمليات موجهة للاستعمار وأدواته القمعية، كما أنها لن تحقق الهدف الآخر المنشود وهي إثارة انتباه الرأي العام و.خلق تعاطف شعبي مع الفدائيين. فكما أشرت، ففي العملية الأولى كان هناك بعض المواطنين الذين تعرفوا على لحسن سرحان منفذ العملية وأعطوا أوصافه للشرطة، لقد استوعبنا بأن ما حدث كان من أخطاء البداية، والشعب لم يكن ضد الفدائيين، كل ما هناك أنه فوجئ بهذه العمليات وجرأتها، كما أن حركة الفداء كانت تخطو خطواتها الأولى، وستتأكد تحليلاتنا فيما بعد عندما أصبح من السهل على الفدائيين بعد تنفيذ عملياتهم الذوبان في أوساط الشعب الذي أصبح الذرع الواقي والحامي للحركة. – ماذا قررتم إذن في هذا الاجتماع؟ – في هذا الاجتماع تم الاتفاق على تنفيذ عملية تصفية الخائن «بنيس» بالمدينة القديمة، وبالفعل نفذت بعد أيام قليلة وكانت عملية ناجحة. – من الذي نفذها؟ – لا أتذكر بالضبط الذي قام بإطلاق النار على مفتش الشرطة الخائن، لكن الذي خطط لها وتكلف بالسهر عليها هو الشهيد السي محمد الزرقطوني، كان هو المسؤول عن العملية من البداية إلى النهاية، وقد نفذت العملية بنجاح حيث تم اغتيال الخائن، وكانت ضربة موجعة للمستعمر والخونة والمتعاملين معه، ولأنها جاءت بعد أقل من شهر من نفي محمد الخامس، فقد كان لها وقع كبير على مختلف الأصعدة، ومنحت هذه العملية الثقة لحركة المقاومة المسلحة، وكانت أول عملية ناجحة تنفذ بواسطة مسدس. – هل تتذكر هذا المسدس؟ – كان المسدس الذي ذكرته في السابق، مسدس طومسون من طلقة واحدة، وهذا يؤكد ما سبق وأشرت إليه، إذ أن بداية عمليات حركة المقاومة كانت بأسلحة قليلة، كل من يكلف بتنفيذ عملية تمنحه المسدس والرصاص اللازم، وبعد أن ينفذها يعيد السلاح، ليستعمل في عملية أخرى، السلاح الفعال لم يتوفر لنا إلا بعد مدة من انطلاق العمليات الفدائية. السي اسعيد أريد أن أعود لعملية المسكيني لتوضح لي الظروف المحيطة بها، فقبل أن نبدأ هذا الحوار المطول، وفي معرض اطلاعي على عدد من المؤلفات التي خصصت لهذه المرحلة، هناك من ذكر بأن محاولة تصفية مفتش الشرطة الخائن «المسكيني» تمت قبل التحاقكم بالخلية الأولى التي كانت تضم الشهيد الزرقطوني والمؤسسين الأوائل، وأن خليتكم التي كانت تتكون منك أنت ومن محمد منصور ولحسن سرحان وعبد السلام بناني، نفذت هذه العملية بانفصال كامل عن الجماعة التأسيسية. كلا، هذا غير صحيح، عندما تم تنفيذ العملية التي استهدفت «المسكيني» كنا قد التحقنا بخلية الشهيد الزرقطوني، وقد تمت كما ذكرت قبل أيام قليلة من تصفية الخائن «بنيس». نفس الكتابات ذكرت أنك أنت ومحمد منصور وعبد السلام بناني، كنتم تشكلون خلية فدائية موازية لخلية الزرقطوني أو تنظيم منفصل عن التنظيم الأم، وأنه عندما عرفت المجموعة المؤسسة بأمركم طلبت من عبد السلام بناني التحاقكم بالمجموعة. الذي حصل أن الشهيد محمد الزرقطوني والتهامي نعمان والعرايشي وغيرهم من المؤسسين الأوائل، طلبوا من عبد السلام بناني اقتراح أعضاء جدد ليلتحقوا بالحركة، وهكذا اتصل بي وبصديقي محمد منصور وأخبرنا بوجود خلية للمقاومة المسلحة، وقد حصل ذلك لأننا كنا خلال نشاطنا داخل حزب الاستقلال وبفضل علاقتنا الوطيدة قد اقتنعنا بضرورة حمل السلاح دفاعا عن استقلال المغرب وكرامته، كان كل واحد منا قد اقتنع واتخذ قراره، وكنا نبحث عن الوسيلة والكيفية التي سنقوم من خلالها بتصريف أو تفعيل القرار الذي أصبح جاهزا، وجاء ذلك عن طريق المرحوم عبد السلام بناني، وقد كان المرحوم من الوطنيين المعروفين لدى أجهزة الأمن الاستعمارية عكسنا نحن، لذلك قمنا بإخفائه بعيدا عن أعين المستعمر وأذنابه حتى لايتعرض للاعتقال، وبدأنا نحن نتحمل مسؤوليتنا في إطار الكفاح المسلح لضرب الاستعمار في العمق، ردا على الجرائم التي قام بها وإقدامه على نفي محمد الخامس، وبالفعل مالبثنا أن «دخلنا للمعقول» وبدأنا نضرب بقوة في إطار عمليات مدوية سيكون لها صدى كبير على جميع الأصعدة، وستلفت الانتباه داخل وخارج المغرب، وأصبحت المقاومة عاملا ومؤثرا في الساحة. – تحدث لنا عن المحاولة التي قمت بها لتفجير قناة البترول التي كانت تربط بين النواصر وبن اجرير. – قمت بهذه المحاولة رفقة محمد منصور ومقاوم آخر. -هل تذكر من كان ذلك المقاوم؟ – للأسف لم أعد أذكر اسمه، على كل حال، قررنا أن نقوم بتخريب قناة البترول وكانت تربط بين النواصر وبن اجرير، ركبنا السيارة، وكنت أنا من يتولى سياقتها وتوجهنا عبر الطريق الرابطة بين الدارالبيضاء وسطات، وفي المنطقة المحددة، وجدنا الحراسة مشددة وبوغتنا بقوات الدرك قبل الشروع في التنفيذ، فقررنا الانسحاب وعقدنا العزم على العودة في وقت آخر لتنفيذ العملية، لكننا وبعد التطورات اللاحقة صرفنا النظر عنها. – متى كان ذلك بالضبط؟ – لم أعد أذكر، لكني أعتقد أنها كانت في الأشهر الأولى لبدء عمليات المقاومة المسلحة، لقد قمنا بعدد من العمليات والمحاولات «شحال قدني مانعاود» هناك العديد من العمليات لم يذكرها أحد، لأن الاهتمام انصب فقط على العمليات الكبرى والمدوية، وفي الحقيقة فالعمليات التي نفذتها المقاومة أو قامت بمحاولات لتنفيذها بدون أن تنجح، عمليات عديدة ويصعب حصرها، نظرا للمدة الزمنية التي تفصلنا عنها، كما أن العدد الكبير لخلايا المقاومة التي رأت النور، والضربات التي وجهت للقيادة، كل ذلك يجعل من الصعب تذكر كل المهام التي قمنا بها، كما أريد أن أشدد على أن ادعاء شخص واحد، مهما كانت مسؤوليته في قيادة المنظمة السرية أو حركة المقاومة المسلحة، بأنه ملم بكل تفاصيل تلك المرحلة، ادعاء بعيد عن الصحة، لقد قام كل واحد منا بأداء الدور المنوط به، حسب مقدرته، ويكفيه شرف ما قام به في سبيل الوطن، أما القول بأن شخصا ما أو فلان هو الذي قام بكل شيء، فذلك غير صحيح، والأفضل أن يتحدث كل واحد عما قام به أو عرفه عن قرب، وبذلك يمكن تجميع شتات ذاكرة المقاومة. وشخصيا لا أريد أن أذكر إلا الأشياء التي قمت بها وأعرفها، أما غير ذلك فلا أجد سببا يدعوني لقول العكس.