مقاوم كبير، روع الاستعمار، كان صيبة مغرب الاستقلال ثلاثة أحكام بالإعدام. محمد أجار، الملقب باسعيد أبو العيلات، الذي رحل عنا قبل بضع أيام، كان قد خص الزميل عزيز الساطور، بحوار مطول، رغم أن رجل كتوم على عادة رجال المقاومة الحقيقيين . بالاتفاق مع الصحافي ، ومع مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث. قصة لقب " بونعيلات" أجرى الحوار: عزيز الساطوري – تيل كيل السي اسعيد ، قبل أن نتناول ظروف النشأة وانتقالك إلى الدارالبيضاء ومن تمة إلتحاقك بحركة المقاومة وجيش التحرير ، أريد أن أسألك عن أصل هذا الإسم الذي التصق بك وأصبح الإسم الذي يناديك به الجميع إلى يومنا هذا ، أو بعبارة أخرى كيف أصبحت اسعيد بونعيلات ؟ إسمي الحقيقي هو " محمد آجار" ، عندما تكونت خلايا المقاومة ضد الإستعمار الفرنسي، فرضت علينا ظروف السرية، أن نطلق على بعضنا البعض أسماء مستعارة أو حركية، حفاظا على هويات المقاومين وقيادة المنظمة. أذكر أننا استعملنا أسماء عديدة، وكذلك الأرقام، حيث كان لكل واحد منا رقم يستدل عليه به، لا يعرفه إلا من هو مخول بذلك . أما كيف أصبحت بونعيلات فتلك قصة أخرى ، ففي الواقع لم أختر أنا هذا الإسم بل جاء صدفة وعلى مرحلتين. الأولى مع نشوء حركة المقاومة في الدارالبيضاء في تلك الأثناء كنت أتردد على صاحب دكان بقالة اسمه بلعيد، سيتعرض لاحقا للإختطاف والقتل، وكان عبد الله الصنهاجي يعرف أني أتردد على ذلك الدكان و كان كلما يريد إبلاغي بأمر ما يسأل عني هناك . في تلك الأثناء كنت أنتعل صندلا " نعالة" به خيوط كثيرة متشابكة ، وكان عبد الله الصنهاجي كلما يصل إلى الدكان، يباشر بلعيد قائلا: ألم تر اليوم "بونعيلات" وهكذا ومع مرور الوقت أصبح الجميع يناديني بهذا اللقب. بعذ ذلك: وعندما أصبحت ملاحقا من طرف قوات الإستعمار انتقلت إلى المنطقة الخليفية وبالضبط إلى مدينة تطوان ، وهناك اخترت لنفسي إسما حركيا هو" اسعيد" ، بعدها أصبحت معروفا ب" اسعيد بونعيلات" إلى يومنا هذا. لنعد الآن إلى البداية . أين ولدت ؟ ومتى قدمت إلى الدارالبيضاء ؟ ازددت بأمانوز ناحية تافراوت دوار إزردي. في تلك الأثناء، ونظرا للظروف التي كانت سائدة لم تكن من عادة الناس تسجيل تواريخ ازدياد أبنائهم ، خصوصا في المناطق الريفية. لذلك لا أستطيع أن أحدد السنة التي رأيت فيها النور، لكن عموما كان ذلك في العشرينات من القرن الماضي. عندما بلغت العاشرة، انتقلت صحبة والدي إلى الدارالبيضاء، وبالضبط إلى "درب كلوطي"، حيت فتح أبي دكانا لبيع "الشفنج". لم نمكث هناك طويلا، حيث انتقلنا بعدها إلى" درب غلف". هناك اكترى والدي دكانا آخر وخصصه أيضا لبيع" الشفنج"، وما زلت أتذكر أن الدكان كان قرب واد بوسكورة الذي لم يعد له أثر الآن. كنا نقضي سحابة النهار في إعداد " الشفنج" وبيعه للزبائن الذين كانوا يقبلون عليه كثيرا، كما هو الشأن الآن. وفي الليل، وبعد يوم طويل من العمل الشاق، كنا نخلد إلى النوم في نفس الدكان، الذي كان مقر عمل ومأوى لنا ، كما أتذكر أننا كنا بالإضافة إلى "الشفنج "نبيع ماء الشرب. كانت عربات البغال والحمير تأتي بالماء العذب داخل براميل كبيرة من أولاد حدو إلى أحياء المدينة، وكان بعض الباعة، ومن ضمنهم والدي، يشترون كمية منه لبيعها إلى الزبائن في "المقارج". كم قضيت في درب غلف؟ لم يدم مقامنا طويلا في هذا الحي. فبعد مدة عاد والدي إلى " البلاد"، أما أنا فقد انتقلت للعمل رفقة عمي الذي كان يملك دكانا لبيع السجائر في" درب بنجدية" . وهل كنت تقيم معه أيضا ؟ كنا بعد انقضاء وقت العمل ننام في الدكان كذلك. لا بد أن أوضح أنه في تلك المرحلة كان جميع الأمازيغ الذين كانوا يملكون دكاكين للبقالة وغيرها في الدارالبيضاء، ينامون داخلها. هكذا كانت الأوضاع آنذاك، وسأظل معه إلى أن بلغت سن السابعة عشر، حيث قام عمي بكراء محل آخر لبيع السجائر في زنقة ستراسبورغ ، وقد استأجر الرخصة من أحد المحاربين القدامى، حيث كانت السلطات الفرنسية تخصهم برخص بيع السجائر، ويقومون بعدها بكرائها لمن يرغبون في مزاولة هذه الحرفة. هكذا، أصبحت مسؤولا عن هذا المشروع الصغير. وكما سبق أن أوضحت، ففي تلك الفترة كنت أعمل وأسكن في نفس الدكان. بعد ذلك، اشتقت إلى " البلاد" ورؤية الأهل والأحباب، خصوصا أنه مرت مدة طويلة دون أن أراهم، فذهبت هناك وقضيت بضعة الأيام رفقتهم قبل العودة إلى البيضاء. ماذا فعلت بعد ذلك ؟ بعد العودة إلى الدارالبيضاء ، وكان قد أصبح معي مبلغ من المال ادخرته خلال السنوات الماضية، قررت أن أوسع نطاق عملي بإيجاد مورد آخر للعيش ومشروع خاص بي. وهكذا، بعد التفكير والتمحيص قررت أن أشتري "كارو" لنقل البضائع والخضروات وغيرها. وبعد البحث والتشاور، وجدت بغيتي لدى شخص فرنسي كان يشتغل آنذاك في شركة الكهرباء، وما زلت أتذكر أنني اشتريت منه "الكارو" بمبلغ 65 ألف فرنك ! أي 13 ألف ريال.الشخص الذي اشتريت منه الكارو، كان له صهر يشتغل في البحرية الفرنسية "لاماران"، وقد اتفقت مع هذا الأخير على أن أقوم بنقل الخضروات والمؤونة من "مارشي كريو" إلى لاماران. ولم تمر سوى مدة قصيرة حثى أصبح عدد الكاروات الذي يقومون بهذه العملية حوالي 30 . كنت أنا من توسط في ذلك وكنت أحصل على عمولتي من هذه العملية ، كنا نكتري الكارو بمبلغ 6 آلاف ريال في الشهر . كان ذلك سنة 1942 . وهي السنة التي تزامنت مع الإنزال الأمريكي بالدارالبيضاء. كانت القاعدة البحرية تشهد مواجهات عنيفة بين الطائرات الأمريكية والدفاعات الأرضية الفرنسية . كانت الطائرات الأمريكية تغير على " لاماران" بواسطة خمسة أسراب متلاحقة ، كل سرب يتكون من خمس طائرات ، أي ما مجموعه 25 طائرة . وذات مرة أغارت الطائرات الأمريكية ودخلت معها الدفاعات الفرنسية في مواجهات عنيفة ، وبعد مرور 25 طائرة ، توقفت الدفاعات الفرنسية إعتقادا منها أن الغارة قد انتهت . لكن فجأة ظهرت طائرة أمريكية في الأفق ، وبسرعة قياسية بدأت تقصف الفرقاطة الفرنسية ، فأغرقتها . وكيف كانت الأجواء السياسية بالمغرب آنذاك ؟ كانت الأوضاع متشنجة، وكان طغيان السلطات الفرنسية يتزايد خصوصا مع أجواء الحرب العالمية التي وصل صداها إلى المغرب كما ذكرت، وكذلك الأزمة الإقتصادية، وقد بدأ منذ ذلك الوقت بعض التململ في أوساط الجماهير، التي كانت تنتظر تحركا ما لتعبر عن رفضها لاستمرار وجود المستعمر . وأنت، ماذا كنت تنتظر ؟ كنت أشعر أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، وخلال لقاءاتي مع العديد من الأصدقاء والوطنيين كنت أشعر أن هناك إحساسا كامنا بضرورة التحرك ، في ظل هذه الأجواء جاءت وثيقة الاستقلال والأحداث التي تمخضت عنها والتي ستؤكد أن المغاربة مستعدون للنضال من أجل الاستقلال .