إذا كنت تعاني من أي نوبات اكتئابية أو تنتابك لحظات يأس عابرة أو مستمرة وتفكر في عبثية الأشياء والنهاية إلى العدم، فهذا الفيلم لن يكون اختيارًا جيدًا لتعديل حالتك المزاجية، وقد يمثل خطرًا على صحتك النفسية في تلك المرحلة. لستُ بطبيب نفسي حتى أقرر مثل هذه الأشياء، ولكني أكتب من نظرة مشاهد ومحب للسينما ومتذوق فني للأعمال التي تعبث بمشاعر البشر. قصة تقليدية وتناول منفرد على مستوى القصة والخط الدرامي، لا جديد إطلاقًا، قصة تقليدية عن مدرس بديل لمدة شهر واحد في مدرسة كل من فيها طلبة فاشلون ومشاغبون على أقل تقدير، إن لم يكونوا مجرمين في بعض الحالات، هذا هو الإطار الخارجي للقصة وللأبطال، ولكن بداخل ذلك الإطار تناول مختلف عن حيوات المراهقين وما يتعرضون له من أزمات نفسية قد تدفعهم إلى الانتحار، حتى أن أدريان برودي بطل الفيلم، أشار في أحد تصريحاته بعد عرض الفيلم إلى ضرورة مشاهدة المراهقين لهذا العمل. كما أن الصورة في فيلم Detachment جاءت بسيطة للغاية لا تحوي أي «فذلكات» بصرية أو مشاهد طويلة حتى تكاد تشعر أن الفيلم من إنتاج التسعينات، بساطة الصورة كانت في صالح المحتوى ككل، فالحوار المتماسك لم يكن بحاجة إلى أي تشتيت بصري، وربما هذا ما دفع المخرج إلى تصوير أجزاء يتحدث فيها البطل إلى الكاميرا بشكل مباشر وكأنه فيلم تسجيلي، هذا الخلط في طريقة التصوير يُشعر المشاهد في فيلم Detachment أنه جزء من الحدث وأن الكلام موجه له بشكل شخصي. اعتمد فيلم Detachment أيضًا على توظيف مناسب للرسوم الكارتونية ثنائية الأبعاد في إيصال المشاعر الخفية الموجودة بكل مشهد، كأن يرسم المدرسين بشكل حيوانات تربطها الأطفال من رقابها ويركلونها بقسوة، أو أن يلتف سلك الهاتف كالمشنقة حول رقبة الموظفة المسؤولة عن الرد على مكالمات الأهالي، كل تلك المشاعر من الصعب إيصالها إذا لم يلجأ المخرج إلى الزج بالرسوم عندما يتطلب المشهد ذلك. الاغتراب ينخر الأرواح يبدأ فيلم Detachment باقتباس عن الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو «أبدًا، لم أشعر بعمق أنني مكتمل، أنا حاضر في هذا العالم، ومنفصل عن نفسي!» ربما تلخص هذه الجملة الفكرة الأساسية التي يدور حولها فيلم Detachment وهي الاغتراب، أن تشعر أنك «منفصل» عن العالم الذي تعيش فيه وأنك لا تنتمي إليه. يعرض فيلم Detachment حيوات عدة ونماذج مختلفة لأشخاص من عمر المراهقة وحتى أراذل العمر، جميعهم مكسورون من الداخل، مليئون بالشروخ والعقد النفسية حتى وإن أظهروا عكس ذلك، أو بدت حياتهم العائلية والاجتماعية في قمة نجاحها، ولكنها مليئة بالشروخ من الداخل. يقول فيلم Detachment بكل وضوح، لا أحد سليم، ولا أحد راضِ عن ذاته، ولا أحد إلا ويمر بلحظات ضعف وجلد للذات ومحاسبة قاسية وأسئلة بلا إجابة متعلقة بسبب وجوده من الأساس وعن أهدافه في الحياة. يفضح فيلم Detachment مشاعر الوحدة وقسوتها وما تؤول إليه إن استفردت بصاحبها، يشير إلى رمزية الكلمات وقوتها والوعود الزائفة التي تقتل وينادي باحترام الحريات الشخصية والقرارات الذاتية مهما بدت خاطئة أو لا أخلاقية في ظاهرها، ويدعو كذلك إلى ضرورة التعامل برقي مع من ينظر لهم المجتمع نظرات الاحتقار. من الواضح تأثر المؤلف والمخرج في فيلم Detachment بالفلسفة الوجودية الخاصة بكامو لكي يبدأ بها الفيلم، ويظهر هذا التأثر في المشاهد الحوارية بين شخصيات العمل، ففي كل مشهد توجد لحظات حزن جديدة لا تفنى، وكأن هذا العالم وُجد كي نتألم. وظهر تأثر المخرج أيضًا بالفنون الأدبية كالشعر، فاحتوى الفيلم على اقتباسات من أشعار، وربما بسبب هذا الميل نحو الفلسفة والشعر والأدب، خلا فيلم Detachment من الفذلكة البصرية، فكانت الكاميرا مجرد وسيط لتحويل الأفكار المكتوبة إلى صورة حية بأبسط طريقة ممكنة. بطل يهوى الكآبة أدريان برودي أضاف كثيرًا للفيلم بقيامه بدور البطولة، فهو ممثل يجيد أداء مثل هذه الأدوار بشدة، حتى أن ملامحه المجردة تلمس فيها الحزن والألم، فلم يكن الدور المعقد صعبًا عليه، ففي بعض اللحظات ستظن أن الدور كُتب مفصلاً من أجل أن يقوم به أدريان برودي الحاصل على الأوسكار كأفضل ممثل عن دوره في فيلم The Pianist 2002، وهو فيلم فيه حزن كبير أيضًا، واستمر أدريان برودي في تقديم نفس التيمة من الأفلام النفسية المحمّلة بالمشاعر الإنسانية المعقدّة والتجارب الاجتماعية مثل The Experiment 2010 وSeptembers Of Shiraz 2015 ، فكان أدريان برودي الاختيار الأنسب لأداء هذا الدور تحديدًا في فيلم Detachment.