احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال يوما دراسيا أطره كل من البلاغي محمد الولي والبلاغي محمد العمري، وقد تم تنظيمه من طرف ماستر البلاغة وتحليل الخطاب وقد تخللته قراءة علمية في أعمال البلاغي المغربي الدكتور محمد العمري وذلك انطلاقا من كتابه الموسوم ب:»المحاضرة والمناظرة: في تأسيس البلاغة العامة»، حيث افتتح هذا اللقاء من طرف السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية الذي نوه بالمجهودات التي يقوم بها منسق الماستر الدكتور إدريس جبري وفريق البحث في البلاغة وتحليل الخطاب بنفس وحدة البحث والتكوين وذلك بعملهم الدائم على تكريس مثل هذه اللقاءات الثقافية وترسيخها تقاليدا سنوية للطلبة من أجل التأطير والتكوين وشحذ الهمم، وقد عرف هذا اليوم الدراسي جلستين علميتين: الأولى ترأسها الدكتور محمد بلأشهب وعرفت إلقاء محاضرة مركزية للبلاغي المغربي محمد الولي تحت عنوان:»تحول الخطابة الحجاجية إلى البلاغة الشعرية: من الحجة إلى المحسن». تحدث محمد الولي عن المسار التاريخي للتحولات التي عرفتها الخطابة من الهيمنة الحجاجية إلى البلاغة الشعرية، أي من الحجة إلى المحسن، بداية مع الخطابة الأرسطية وصولا إلى إسهامات البلاغيين المعاصرين مثل برلمان، وتطرق الأستاذ المحاضر إلى الدور الذي تلعبه المحسنات اللفظية والتركيبية في الواقع اللغوي، والكيفية التي تسللت بها الخطابة الحجاجية إلى الخطاب الشعري. وأنهى الأستاذ مداخلته بفتح الباب للمناقشة وإغنائها من خلال تدخلات الطلبة وتساؤلاتهم التي أجاب عنها محمد الولي بصدر رحب إنطلاقا من إيمانه العميق بأن الخطاب العلمي لا يمكن بنائه بالإعتماد على المونولوج الذاتي بل بين الأستاذ محمد الولي أن الفكر حواري بطبيعته ويبنى في العلاقة «بالمعيّة» التي يمكن أن يقيمها المتخاطبون بينهم بشكل مسؤول . أما الجلسة العلمية الثانية، والتي ترأسها الأستاذ إدريس جبري، منسق ماستر البلاغة وتحليل الخطاب حيث رحب بالبلاغي محمد العمري الذي شرف ماستر: «البلاغة وتحليل الخطاب» بحضوره، وفي هذا الصدد تم تقديم مجموعة من القراءات في كتابه الموسوم ب» المحاضرة والمناظرة في تأسيس البلاغة العامة»، وكانت أول قراءة للأستاذ عبد الرحيم وهابي عنونها ب:» تجديد البلاغة عند محمد العمري» والتي تطرق فيها لأهم المضامين التي جاء بها الكتاب، بدئا بالجانب المعرفي، لينتقل لعرض أهم الأفكار والمصطلحات التي قدمها الأستاذ العمري في كتابه للرد على رشيد يحياوي في كتابه» التبالغ والتبالغية» وبين الالتباس، انطلاقا من منطق مغالط حاجج به الأستاذ رشيد يحياوي. في نفس السياق سيعطي الأستاذ إدريس جبري الكلمة للمتدخل الثاني الأستاذ أمحمد واحميد والذي كانت مداخلته حول» البلاغة بين التأسيس والتحصين» حيث أكد في قراءته لكتاب المحاضرة والمناظرة على نفس الفكرة التي قدمها الأستاذ وهابي وهي انتشار البلاغة في عهد الجرجاني وانحسارها مع القزويني، وأضاف أن رشيد يحياوي في كتابه» التبالغ والتبالغية» لم يكن واعيا وهو ينتصر لزمن السكاكي، وأن محمد العمري كان محاورا وناقدا ومفككا بالمعنى الدريدي (نسبة الى تفكيكية جاك دريدا)، ومناقشا للأسس النظرية لمثل هذه القراءات المضطربة في بنيتها الإصطلاحية والمفهومية والتي تمجد وتحن لزمن السكاكي والقزويني. وعليه قام منسق الماستر إدريس جبري بإعطاء الكلمة لطلبة ماستر: «البلاغة وتحليل الخطاب» في شخص الطالب الباحث محمد أيت يوسف بمداخلة بعنوان:» في مغامرة البلاغة العامة عند محمد العمري «، أعقبتها مداخلة الطالب عادل مجداوي حول:» البلاغة العامة عند العمري» حيث قام بإعطاء الخطوط العريضة التى تأسست عليها البلاغة الجديدة لدى الأستاذ محمد العمري. وكانت آخر مداخلة للطالب عبد الناجي غافر بمداخلة عنوانها: « البلاغة العامة عند محمد العمري ونقد التبالغية «، عرض فيها لأهم المصطلحات التي انتقدها محمد العمري في كتاب التبالغية» من خلال التعريف بالبلاغة العامة وأسسها، وكشف الآليات التي اعتمد عليها المختزلون للبلاغة مع تصحيح فهمهم الخاطئ للبلاغة العربية وتصورهم الضيق والمختزل. وفي الأخير عمل البلاغي الأستاذ محمد العمري والذي نوه بعمل المتدخلين، وقد عرف بالبلاغة العامة من خلال بسط أصولها الإبستمولوجية وآليات اشتغالها في التخييل والتداول، وبين الأسباب التي جعلته يرد على المتشبثين ببلاغة القزويني غير الإحتمالية. وفي الجلسة العلمية المسائية انعقد لقاء تواصلي مفتوح مع طلبة ماستر:»البلاغة وتحليل الخطاب» حول آليات البحث العلمي وطرق تنزيلها، وكان حضور الطلبة مكثفا من مختلف أسلاك الماستر بالكلية، وقد سير هذا اللقاء الاستاذ إدريس جبري منسق ماستر البلاغة وتحليل الخطاب، وأطره البلاغي المغربي محمد الولي مع حضور للأستاذين عبد الرحيم وهابي وامحمد واحميد، وقد تفاعل الطلبة مع هذا اللقاء المباشر الذي أتاح لهم فرصة للإستفادة من خبرة الأساتذة اللذين لم يبخلوا بالإجابة على تساؤلات الطلبة وحول كيفية اكتساب طرق البحث العلمي، وهذا ما أكد عليه الأستاذ الولي من خلال إعطاء نصائح وإرشادات هامة، كاختيار الكتب القيمة التي تفيد الطالب في مشواره العلمي وتجنب الكتابات التي لا تنفع الطالب في تخصصه ربحا للوقت. والحرص على تدوين المقروء من الكتب باستخدام الجذاذات، لأن القراءة الشفوية غير الموثقة لا تساهم في تثبيت المعلومات والحفاظ عليها. في نفس المضمار ساهم الأستاذ أمحمد واحميد، مبينا الدور المنهجي الذي تؤديه البطائق التقنية في تنظيم عمل الطلبة الباحثين، والحث على العمل الجماعي بين الباحثين لتطوير المهارات والاستفادة من تجارب الاخرين. أما الأستاذ إدريس جبري فقد دعى إلى فكرة جوهرية وهي أنه على الطالب ليكون ملما بمجال تخصصه أن يعود للأصول لمعرفة الآراء والقضايا المركيزة وتاريخ الإشكالات المعرفية وتكونها من أجل استيعاب الإشكالات المعاصرة، مع ضرورة الالتزام بأمهات الكتب أثناء الاستشهاد أو الاقتباس في البحوث وبالأخص الكتب التي تهم مجال التخصص. بينما ركز الأستاذ وهابي على فكرة مفادها ضرورة الإحالة وضبطها تجنبا للسرقات العلمية، إذ لا بد من التحلي بالأمانة العلمية وهذا فيه اعتراف بمجهودات الباحثين. وقد اختتم هذا اليوم الدراسي بالاتفاق على ضرورة أن تستمر هذه الجلسات العلمية في المستقبل تأطيرا للطلبة بشكل خاص وتبادلا للأفكار بين الباحثين بشكل عام.