عندما أعطت حكومة حزب تركيا الفتاة (قومي حداثي) التي كانت تقود البلاد آنذاك، الامر لأسطولها بقصف الموانئ الروسية في البحر الاسود يوم 29 أكتوبر 1914 تنفيذا لاتفاق تحالفها مع ألمانيا، لم تكن الحكومة التركية تعلم أنها بذلك وقعت على قرار وفاة الامبراطورية العثمانية القائمة منذ 6 قرون. صحيح أنه خلال السنوات الثلاث الاولى من الحرب، تمكن الجيش التركي من احتواء هجمات الحلفاء في بلاد الرافدين وفي الدردنيل وفي القوقاز المنطقة التي مكن انهيار القياصرة من استعادتها سنة 1917. ولكن بمجرد ما تم انحسار الحلفاء عن الجبهة الفرنسية، قرروا تخصيص موارد أكبر للقضاء على حلفاء ألمانيا، وبالتالي تم تحديد مصير الامبراطورية العثمانية. وكانت اتفاقيات سايس بيكو السرية بين بريطانياوفرنسا قد نصت منذ 1916 على تقسيمها. وأدت الهجمات سنة 1917 في بلاد الرافدين و 1918 في فلسطين الى سحق الجيوش التركية التي استسلمت في اكتوبر 1918 وأدى اتفاق سيفر سنة 1920 الى تفكيك الامبراطورية: أسست القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية مملكة بقيادة آل سعود وأسس الارمينيون - الذين تعرضوا لإبادة على يد الأتراك الباحثين عن كبش فداء لهزيمتهم - شكلوا دولا مستقلة. ونص الاتفاق على أن يشكل الأكراد نفس الشيء والتحق اليونانيون في تراس وآسيا الصغرى بمجال نفود الدولة اليونانية. وأخيرا حصل البريطانيون على انتداب من عصبة الامم على بلاد الرافدين وفلسطين والأردن. وحصلت فرنسا على انتداب على لبنان وسوريا. ونصت المعاهدة على احترام الدول، سواء القديمة أو المحدثة لحرية المعتقد وحقوق الأقليات. لكن القوميين الأتراك بقيادة مصطفى كمال قادوا انقلابا على السلطان، واستعاد النظام الجمهوري الجديد جزءا كبيرا من الاراضي التي فقدت على حساب الأرمينيين واليونانيين والأكراد، واعترف الفرنسيون والبريطانيون والإيطاليون بالوضع جديد في اتفاق لوزان (1923ونسوا الوعود التي قدموها للأقليات واتفاق لوزان نظم وشرعن التطهير العرقي المتبادل (تبادل السكان على أساس الانتماء الديني) واحتفظ للقوى الكبرى بالأراضي الموعودة للعرب والأكراد والصهاينة. صحيح أن هذه الأراضي هي التي يوجد بها البترول. ذهب أسود، تدخلات عربية، حلقات من الانتقام والتطاحن الديني والإثني : كلها بذور قرن من الأزمات والصراعات في الشرق الأوسط...