منذ اندلاع النزاع السوري، كان آلاف الشباب الأوروبيين، القاصرين أحيانا، وغالبيتهم من الفرنسيين، ينطلقون للالتحاق بساحة المعارك، تاركين وراءهم عائلات يخيم عليها الارتياب والحيرة. «أتوسل إليكم، دعونا وشأننا ! «. هكذا، ينتهي النقاش قبل أن يبتدئ. فالقاسم المشترك بين الآباء الذين رحل أبناؤهم إلى الجبهة السورية، قلق يتعذر سبره، يلازمه انعدام الأمل. أحاسيس لا يعبرون عنها بفعل الحياء، وبفعل الأنفة أيضا. إنهم آباء وأمهات يخافون على حياة أبنائهم قبل أي شيء آخر. لذلك، فتقديم شهادة يرهبهم، ولذلك كان لا بد من الإلحاح. الإلحاح بقوة لإقناعهم بأن وسائل الإعلام تسعى إلى منحهم صفحة بيضاء يعبرون فيها عن غضبهم، ينشرون عليها دموعهم، ويحاولون من خلالها إرجاع أبنائهم إلى جادة الصواب. سلامي، 24 سنة، رحل شهر أكتوبر2012 . يناير 2014، كتب لأمه: «أظن أنني سألتحق بخالقي» إن كسر جدار الصمت وعزلة الأسر أمر واجب، وإعطاءهم الكلمة أمر ضروري. لأن أبناءهم لا يزالون مراهقين، أو تجاوزوا عتبة المراهقة بقليل. لأن 14، 15، 18 أو عشرين حتى، سن المغازلة، سن تدخين أول سيجارة، سن الخروج مع الأصدقاء، سن انتزاع عمل يقابله تعويض. ومؤكد أنه ليس سن الدم، سن الحرب والموت. بعض هؤلاء الآباء يعتقدون أن تعميم القضية إعلاميا، سيُعرض حياة أبناءهم للخطر، سيضع حدا للرسائل القصيرة التي يتبادلونها معهم، للمكالمات الهاتفية، للتواصل عبر « سكايب «. إنهم يخافون، إذن، أن يعرضوا حياة أبنائهم للخطر. لكن أليست حياة الأبناء، اليوم، في خطر؟ «أجل !«، ترد مريم، المتحمسة لتعريف أكبر عدد من الناس بقضيتها. مريم فرنسية من أصول تونسية. لكنها فرنسية أولا وهي تعتز ببلادها. مريم في الخامسة والعشرين من عمرها، تعيش كشابة حاصلة على ديبلوم، جميلة و محبوبة. قبل حلول التاريخ المشؤوم الذي غير مجرى حياتها: « يوم 14 أكتوبر 2013، رحل والد ابنتي، وآسيا بين ذراعيه، ليلتحق بالجبهة السورية! «. تزوجت، سنة 2011، من شاب في الثالثة والعشرين وهو من نفس أصولها. أنجبت مريم صغيرة جميلة خلال شهر أبريل 2012. «ثم ظهر المتطرفون من حيث لا أدري «. في غضون أسابيع قليلة، تغير كلية سلوك زوجها واقترب من الحركة الأصولية « فرسان العزة «، التي تم حلها خلال مارس 2012 . منع الأب الصغيرة من الموسيقى ومن اللعب، وكان يرفض أن تلتحق بالمدرسة في ما بعد. أصغر رهائن الجهاد عادت مريم للعيش ببيت والديها، ولم تكن تقبل أن تتم زيارات الأب لابنته إلا تحت مراقبتها. كانت خائفة. خلال أحد الأيام، جاء زوجها السابق لأخذ ابنته معه كي يشتري لها شيئا ما. كانت آسيا في شهرها الثامن عشر، لم ترها أمها منذ ذلك الوقت. عم الحوار الأخرس بعدها. « كان آخر اتصال هاتفي له قبل شهر. كنت أسمع صوت آسيا وهي تطلبني باكية: ماما ! ماما ! ماما !». وكان الأب ينصح الأم بالالتحاق به حيث يقاتل إلى جانب « النصرة «، التنظيم الإرهابي المقرب إلى القاعدة. «كان يقول لي باستمرار: عليك بالمجيء إلى سوريا، إنه المكان الوحيد حيث ستكون عائلتنا في أمان. لقد أصبح الخطر موجودا في فرنسا (...). أكملت آسيا شهرها الواحد و العشرين. إنها أصغر رهينة تحتجزها القاعدة ! « تُدين هذه الأم القلقة بمرارة. إن فرنسا تدفع ثمن هجرة الجهاديين المهووسين بالحرب. في بلجيكا أيضا. وتعتبر فيلفورد واحدا من المشاتل الرئيسية للاستقطاب لأجل الجهاد في سوريا. تتحدث الصحافة المحلية عن نزيف فعلي بخصوص عمليات الرحيل المتزايدة لشبان ينحدرون من بعض أحياء بروكسيل. تذكر سميرة تلك الأزقة التي يعمرها شباب انفعالي ومرح. إنها أزقة أصبحت تعيسة. حسب السلطات المحلية، التحق قرابة أربعين طفلا بالجبهة السورية. أما سكان تلك الضيعة الفلامانية، فيتحدثون عن أزيد من مائة. والعدد في ارتفاع مسترسل. تتكاثر الأسفار، بحيث تتشكل جماعات من عشرة أفراد يركبون الطائرة إلى تركيا، نقطة العبور الضرورية لدخول سوريا المجاورة. تبدو سميرة أنيقة في فستانها الأسود، وهي في الأربعين من عمرها وتوزع وقتها بين مهمتها كمربية وبين شقتها ببروكسيل، حيث تتكفل وحدها بتربية أبنائها الأربعة. وهذه البلجيكية ذات الأصول المغربية معنية بشكل مباشر: « توقفت حياتي، حين سافرت ابنتي «. إنها حكاية مؤلمة لأن نورا، أصغر إخوتها، أصبحت متطرفة وهي في ربيعها الخامس عشر. « أحست ابنتي دائما أنها غير مجدية وحائرة. كانت حزينة باستمرار، وكانت نورا تتطلع إلى تغيير العالم وتساعد جميع المقربين «. نورا، 18 سنة بينما كانت الأسرة كلها تتبع إسلاما مثقفا أكثر مما هو ملتزم، أصبحت الصبية ورعة إلى حد كبير وتصلي خمس مرات كل يوم. « بعد مرور سنتين، وبينما ذهبت ذات يوم للحصول على نتيجتها من الثانوية الكاثوليكية حيث درست حتى الباكالوريا، رأيتها بالنقاب. كانت تضع قفازات، ولم نكن نرى منها سوى العينين... «. تحكي سميرة باكية. رغم عدم موافقة الأم ومنعها أحيانا خيارات ابنتها، تزوجت نورا، وهي في الثامنة عشرة، شابا بلجيكيا من فيلفود اعتنق الإسلام ?في نفس سنها تقريبا? وانطلق، مباشرة بعد إتمام الزواج، باتجاه الجبهة السورية. صباح 20 ماي 2013، لم تكن نورا في سريرها. فوق طاولة قرب السرير، رسالة. « أمي... كثيرا ما بللت ريشتي بدموعي لكي أكتب إليك هذه الرسالة القصيرة. إن الله ينظر إلي من الاعلى. وأنت تنظرين إلي من أسفل. تقبلي اختياري. أحبك في الله، أحبك حد الجنون، إلا أني أحب لله أولا (...) إذا رحلتُ، فأنا أتمنى أن تقولين بأنك فخورة بابنتك...». التحقت نورا بزوجها. وعلمت سميرة أنه قُتل في إحدى المعارك بعدما أصابته رصاصة في الرأس سبعة أيام بعد وصوله. بعد شهرين، لم تعد تلك الأم المحتارة تتوصل سوى بمعلومات قليلة جدا من ابنتها التي تقول لها: « أنا بخير «. 10 ? من جهاديي اليوم نساء. إن كريستيان جان، عضو الحوار بين الديانات وبين الثقافات في معهد الدراسات العليا للدفاع الوطني، كاثوليكي سابق اعتنق الإسلام. وبما أنه تخصص في الإسلام المتطرف، فهو يرى أن المراهقة لحظة ملائمة لحدوث أزمة هوية، مرحلة من السن يكون الأطفال والفتيات خلالها « في البحث عن معنى أو فقدانه بالأحرى «. أصغر خطيبات الجهاد إن حماس الفتوة عند الصغار دمال مخصب لأية حركية طائفية تبحث لها عن مكلفين بالتنفيذ، عن نشيطين بأثمنة في المتناول، مفعمين بالبعد الملحمي لأي نزاع مسلح. ويعتمد المستقطبون سنادا رهيبا: الإرهاب المعلوماتي؛ النسخة 0.2 للحرب، « سيبير الجهاد « في لغتهم. وبالمقابل، ماذا تفعل الصغيرات ? بل الصبيات ? فوق التراب السوري؟ « الحرب الجنسية المقدسة «. إنهن تذهبن إلى سوريا لإشباع الحاجات الفيزيقية للمقاتلين المجاهدين. على أمل أن تحبل الواحدة منهن من واحد من أبطال الحرب. إنه شكل آخر للجهاد يؤثر عليه كبار السلفيين الجهاديين الذين يرون في تلك الأفعال طريقة شرعية للمشاركة في النزاع المسلح «، يقول كريستيان جاك بغضب. يتم الزوج بلمسة على « سكايب «. وعمر أصغر» خطيبات الجهاد « 15 سنة. قبل أيام خرج أخوها فؤاد بحثا عنها على الحدود التركية - السورية، على أمل أن يتمكن من جعلها ترجع معه إلى أفينيون. تم تحديد مكان تواجدها في أتمي، في قلب المنطقة الخاضعة لمراقبة الجماعات الكثر تطرفا، لكن فؤاد فشل. ليقرر محامي العائلة، السيد كَنون، رفع قضية « اختطاف طفلة ضحية الاتجار في البشر». إن فيرونيك، ياسمين، دومينيك، فؤاد، فرانسواز، لويزا وآخرين ? تم تغيير بعض الأسماء الشخصية بما أن ملفات أبنائهم معروضة أمام العدالة? يتمنون رجوع أبنائهم، أخواتهم، بناتهم، بنات إخوانهم الذين التحقوا كلهم بالجهاد بين عشية وضحاها. وتتضمن شهاداتهم تشابهات مقلقة. فسواء كانت أسماؤهم سام، إيزابيل، إدريس، نورا، جوجون أو نيكولا، فقد تحولوا جميعهم إلى متطرفين في طرفة عين. سواء كانوا من أصول مسلمة، من دون عقيدة دينية، كاثوليكيين أو ملحدين، تلاميذ متألقين أو يواجهون صعوبات، ينحدرون من أوساط ميسورة أو من عائلات متواضعة، فقد تم « توجيههم « أولا من طرف صديق أو صديقة في نفس سنهم إلى شبه قضية إنسانية، لتقديم المساعدة للشعب السوري، صحبة فظاعات نظام بشار الأسد. إن انعدام البدائل الاقتصادية والاجتماعية، البطالة كملاذ وحيد، الأسئلة المتكررة حول الهوية، التفاوتات والتمييز تخلق مناخا يخدم التطرف. بعد عرض الحبكة، يتم اجتذاب هؤلاء الصغار على الأنترنيت. إنه أداة دعاية لها فعالية قوية، بإمكانها تحويل البراعم إلى انتحاريين. ففي الفضاء الافتراضي يتم الاستقطاب فعلا. بجلوسهم أمام فيديوهات عنفها لا يطاق، حسابات فيسبوكية تمجد المجاهدين، صور مقاتلين يرتدون الزي العسكري ومدججين بالأسلحة الثقيلة، وراضين، وهم يقدمون الدعاية للإسلام الراديكالي باعتباره المتراس الوحيد في وجه النظام العالمي. «ها هم شباب تؤثر فيهم فيديوهات تبث عبر النيت ويزعجهم القاضي المناهض للإرهاب مارك تريفيديك. في السابق، كانت صيرورة تحويل الناس إلى راديكاليين بطيئة. كانت تمر عبر اجتماعات حيث تبث « الكلمة الطيبة «. كذلك كان الأمر، مثلا، في لندن باستغلال مساجد باكر ستريت و فينزبوري بارك. أما اليوم، فهناك ولوج مبسط لخطب مبسطة هي أيضا على مواقع إسلامية. لقد تمت دمقرطة الخطاب الجهادي ليمس أكبر عدد من الناس. وبما أنه فكري أقل، ونخبوي أقل، فإنه يسعى إلى إقناع القواعد. أما المحاججة الدينية فهي ضعيفة. ثم إن هناك صدمة الصور. تعرض الأخيرة ضحايا مسلمين من جهة، وروعة الجهاد من الجهة الثانية. لكل ذلك تأثيره البديهي على سرعة البناء لدى شبابنا. وتتجه تلك الصور إلى عواطفهم وليس إلى عقولهم. لذلك فهي تحقق النجاح بين من هم أكثر شبابا «. يأتي، بعد كل ذلك، يوم الرحيل، حيث يبدو كل شيء محكم التنظيم. بما في ذلك التزويد بالطعام. ويقول وزير الداخلية: « إن قواعد الراحلين أكثر كثافة في مدينة تولوز أو ستراسبورغ، لأن هذه الفروع الدقيقة التنظيم ميدانيا هي الوازنة أكثر من حيث العطاء في بعض المدن الفرنسية «. إن المتعلمين الجهاديين يتم تلقينهم دوافع سفرهم التي ينبغي أن يخبروا بها عائلاتهم: عطلة في دبي أو مهام إنسانية في الشرق الأوسط ! عن « لو فيغارو «- فبراير 2014