يعد باولو ديبالا أمل الكرة الأرجنتينية، بالنظر إلى العروض الرائعة التي يقدمها رفقة فريق جوفنتوس الإيطالي، والتي جعلته مطمع كل الفرق الأوروبية. ولد ديبالا (24 سنة) بمنطقة لاغونا لارجا، وهي قرية صغيرة لا يتعدى عدد سكانها 7 آلاف نسمة، وتقع بنواحي مدينة قرطبة الأرجنتين، وكانت بداياته الأولى مع الساحرة المستديرة في سن مبكرة، حيث التحق بفريق «الأنستيتوتو» عندما كان في العاشرة من عمره، ومنه كان العبور إلى الدوري الايطالي، رفقة فريق باليرمو، الذي جذب فيه أنظار السيدة العجوز. باولو ديبالا ، خص جريدة فرانس فوتبول، بحوار مطول، استعرض فيه العديد من محطاته الكروية، كما بسط أحلامه ورهاناته المستقبلية. و في ما يلي ينص الحوار :
– هل تعرف اللاعب عمر بيكريكا؟ – بالتأكيد، انه لاعب معروف تحت اسم «بولو» (الدجاج)، لِمَ السؤال؟ من الواضح أنكما اللاعبان المحترفان الوحيدان اللذان تتقاسمان نفس الجذور وتنتميان إلى لاغونا لارجا، قرية كبيرة يبلغ عدد سكانها 7000 نسمة وتقع بنواحي قرطبة. نعم صحيح، و ضف إلى القائمة اللاعب خوان بابلو الذي لعب في تركيا و اليونان. لقد ترعرعت في بيئة محبة وصحية، تسمح لكب أن تخلق علاقات وصلات مع الجميع، لاغونا لارجا مدينة متجانسة، ففي الغالب الجميع يعرفون بعضهم البعض وتربطهم علاقات حسنة. – هل تعتقد أنك تمتلك انطباعا خاصا أو أنك مختلف عن بقية زملائك، الذين ترعرعوا في العواصم والمدن الكبرى؟ – نعم وفي نفس الوقت لا، كنت أقطن في قرطبة، التي تعتبر المدينة الثانية للبلد، لكن بوينس آيرس شيء آخر. في سبيل النجاح ومن أجل التقدم والتطور تحتاج إلى المدن الكبرى، وإذا قررت البقاء والاستقرار في قريتك الصغيرة، فإنك قد تجد نفسك عاجزا في بعض الأحيان عن تحقيق طموحاتك، فبعض الفرص قد تصادفك على المدى البعيد وأحيانا أخرى لا تصادفك نهائيا. – لاعب آخر ينتمي إلى نفس مدينتك، ويتعلق الأمر هنا بوالدك أدولفو. – (ابتسم) لقد كان لاعبا في مستوى الهواة، يمتلك القليل من الخبرة والتجربة. لم أتابعه ولو لمرة وهو يلعب في مباراة رسمية، لكن ما يقال عنه من طرف زملائه إنه كان ملقبا «بالكانتشو» (الخنزير)، وكان لاعب وسط ميدان ذو نهج دفاعي، تميز بأسلوبه العدواني والعنيف وتدخلاته الذكية والخشنة في نفس الوقت، قبل بداية كل مباراة كان الحكام يقولون له «إلعب وأنت تظن في مخيلتك أنك تمتلك البطاقة الصفراء، لأنك ستطرد من الملعب بمجرد ارتكابك لخطإ واحد». أتذكر في إحدى المباريات التي كنا ننظمها بين الفئات الصغيرة والبالغين، ارتكب سيد عجوز أخطاء في حقي، كنت أبلغ من العمر عشر سنوات، بالطبع لم يرق هذا لوالدي وانزعج منه، فعرفت آنذاك لماذا كان لقبه «الكانتشو». – هل والدك هو الذي دفعك للعب كرة القدم؟ -لا ليس بالضرورة، أبي كان يعشق كرة القدم ويشاهد المباريات بصورة كبيرة، لقد نقل حبه وشغفه بكرة القدم إلى إخواني. أخي ماريانو كان لاعبا ممتازا، وقام بالعديد من الاختبارات والتجارب في الفرق الكبرى، لكنه عجز عن إتمام مشواره الكروي، لأنه كان يفتقد عائلته ولم يمتلك الجرأة الكافية للتخلي أو الابتعاد عنها للعيش في مدينة بوينس آيرس. – هل كنت آخر فرصة لعائلة ديبالا؟ – لم أشعر يوما بالضغط. أبي كان شخص كثير المطالب، يتوقع مني الكثير، لأنه كان يريد مني أن أكون أحسن من مستواي في اللعب وأطور موهبتي وأن أكون متفوقا، غير أنه لم يتخذ كرة القدم كوسيلة للضغط، فمثلا لم يخاطبني يوما قائلا إنه «سيحرمني أو لن يشتري لي ذلك أو ذاك إذ لم ألعب الكرة». – توفي والدك وأنت تبلغ من العمر خمس عشرة سنة، كيف تمكنت من المحافظة على تركيزك للعب كرة القدم؟ – كان كل شيئ سهل قبل وفاته، فقدان الأب شيء صعب وأمر مؤلم، لكن الحياة تستمر. لست أول أو آخر شخص يفقد والده…أبي كان يقلني في سيارته لخوض المباريات والتدريب، وبعد وفاته أصبحت أتنقل وحيدا إلى قرطبة عبر الحافلات، وهذا أمر صعب. – يلقبونك بالجوهرة، هل هذا الاسم يلائمك؟ – في الحقيقة نعم، فالجوهرة حجر ثمين ونفيس، لكن أصدقائي وعائلتي ينادونني بباولو. هذا اللقب أسنده أطلقه علي أحد الصحفيين بقرطبة عندما سجلت أول هدف لي في ثاني مباراة لعبتها. – من هم اللاعبون الذين كانوا قدوة لك في تلك المرحلة من حياتك؟ – كنت معجبا بالنجم رونالدينهو، وكنت أتابعه عندما كان لاعبا في برشلونة، عندها صادفت آنذاك بداية اللاعب ميسي. هذا النجم المتألق يبقى بالنسبة للشباب الأرجنتيني شبيه ماردونا. عادة المواهب الأرجنتينية تمر من فريق محلي كبير إلى نادي أوروبي عريق، أو تذهب إلى أرقى النوادي في سن مبكرة مثل ما وقع مع ميسي. أنت بدأت مع فريق يلعب في الدوري الثاني، قبل أن تنتقل إلى باليرمو. – هل هذا شكل لك عائقا أو عقدة نقص في مشوارك أم لا؟ – إني واع بخصوصية خلفية مساري المهني. إذا تدحرجت في أحد الفرق الأرجنتينية الكبيرة، فإنك تمتحن الضغط وتستعد نفسيا وذهنيا لأن تكون نجما أو بطل أوروبا. «انستيتوتو» يبقى ناديا من القسم الثاني، لكنه يعتبر فريقا مهما، كان بإمكاني البقاء في بلدي والذهاب إلى فريق كبير، لكن فكرت في تجربة اللاعبين كافاني وباستوري، اللذان مرا عبر نفس المحطة. عندما قدم لي عرض باليرمو، قررت الذهاب وخوض التجربة. وقلت لعائلتي إنني أريد استغلال هذه الفرصة والمضي إلى الأمام، وكذلك تجربة والتعرف على كرة القدم الايطالية. – ألم تندم يوما على عدم تعرفك على كلاسيكيات كرة القدم الأرجنتينية؟ – ليس كثيرا، كنت أحلم بأن ألعب يوما في أحد الفرق الأرجنتينية الكبيرة، لكن بمجرد وصولي إلى باليرمو غاب عن ذاكرتي هذا الحلم، بالإضافة إلى أنني إذا مكثت في بلدتي قد تصبح الأمور أكثر تعقيدا. – هل كانتالسنوات الثلاث التي قضيتها في «سيسيليا» مفيدة بالنسبة لك لإتمام تدريبك؟ – تماما، خاصة عندما كنت ألعب في الفئة «ب»، إنها بطولة صعبة تعتمد على القوة البدنية كثيرا، كان موسما استثنائيا ومدهشا، لقد ساعدني في السنة الأخيرة لكي أوقع للفريق الايطالي «يوفنتوس». – هل كنت تخطط للتوقيع لأكبر الفرق الايطالية؟ – لا لم أكن أخطط لذلك، كنت قادما من الدوري الأرجنتيني، وأنا أبلغ من العمر آنذاك ثمانية عشر سنة، كان طموحي هو التعلم في أكبر الأندية الأوروبية، وكنت أعلم أن هذا ليس بالشيء السهل والبسيط. – رونالد لاعبا مجتهد و ميسي يمتلك موهبة خاصة. كيف تقيم موهبتك؟ – أمتلك 70% من الموهبة و 30% من الاجتهاد. بعض الأشخاص يولدون موهوبين بالفطرة، لكن يجب الاجتهاد والاشتغال لتطويرها. أعرف عددا كبيرا من اللاعبين الموهوبين أصبحوا في غياهب النسيان لأنهم لم يستغلوا مهاراتهم بشكل جيد، كريستيانو يشتغل كثيرا لكن هذا لا يدل على أنه لا يمتلك الموهبة. – بمجرد وصولك إلى نادي يوفنتوس، هل ارتفعت نسبة العمل و الاجتهاد؟ – نعم ارتفعت بشكل كبير و هائل، نلعب على ثلاث منافسات، لهذا يحتم علينا التمرن والتدرب يوميا، لأن جميع المباريات تكون جد صعبة. يجب أن نعتني بجميع التفاصيل والجزئيات الدقيقة في اللعب، أن نكون مستعدين دائما للفوز، فهذه هي شخصية البطل المحترف. – من الظاهر أنك تمتلك تقنية خاصة تساعدك على تحسين اللعب بالرجل اليمنى… – إني لاعب أعسر، لكني أشتغل على رجلي اليمنى كثيرا، وذلك قد يساعدني على تغير الاختيارات المستقبلية وأيضا مسار قيادة الكرة… – الإحصائيات المدهشة لميسي ورونالدو هي أهداف بالنسبة للعديد من مهاجمي الجيل الجديد مثلك أنت؟ – الأسطورتان قدما و لازالا يقدمان أشياء مذهلة ورائعة، من الصعب أن تسجل 60 هدفا في الموسم الواحد، لكنه ليس مستحيلا، وهذا يعتمد على الطريقة التي تتطور بها كرة القدم. لكن على المرء أن يمتلك أهدافه الخاصة ويعمل على تحقيقها. – لقد بدأت الموسم الكروي بتسجيل 12 هدفا في ثماني مباريات، بعد ذلك لم تسجل سوى هدفا واحدا. في نظرك ماذا تحتاج لكي تستقر نتائجك و تمريراتك…؟ – أفكر دائما في تقديم مباراة كبيرة وممتعة، وإذا مررت تمريره حاسمة أكون جد سعيد، والمثال هنا هو عندما لعبت ضد الميلان(2 – 0). لا أفتخر، لكني قدمت مباراة جيدة وجميلة. لقد مررت كرة الهدفين الذين سجلهما هيغوين، لقد ساعدت الفريق في الحفاظ على الكرة وكسب الوقت واصطياد ضربات الأخطاء. المهم في كل مباراة هو الفوز ولعب كرة جميلة، ولو أني أرغب و أريد التسجيل في جميع المباريات. – ماسيميليانو أليغري مدرب فريقك قال إن «عليك أن تعرف كيف تسير استهلاك طاقتك البدنية» – هدر الفرص، الجري بدون هدف ومحاولة اختراق وتجاوز ثلاث أو أربع لاعبين…أنا أعترف بذلك. لكن في بعض الأحيان الأمر يعتمد أيضا على نوعية المقابلة، في بعض المباريات نفقد طاقتنا و نحن ندافع أو نلعب ببطء، ونضطر بعد ذلك إلى قطع مسافة 80 مترا للوصول إلى الهدف. – كيف كانت كواليس المباراة النهائية في العصبة، التي جمعتكم مع ريال مدريد؟ – قدمنا شوطا جيدا وانتهى بالتعادل الايجابي بهدف لمثله… من الصعب تفسير مثل هذه المباريات، أحيانا تعاني الكثير وأنت تلعب ضد الفرق الكبرى، الشوط الثاني كان غريبا وعجيبا، شعرت بأني عاجز عن اللعب وخيبة الأمل كانت قوية… – هل يفتقد الفريق اللاعبان داني ألفيس و بوغبا؟ – نعم كثيرا، نفتقد طريقتهما وأسلوبهما في اللعب، لقد كانا ركيزتان أساسيتان في الفريق، حقا إنهما لاعبان محترفان ومتميزان. – ماذا تعلمت من الأسطورة بوفون؟ – إنه شرف لي أن أشارك اللاعب بوفون في اللعب، إنه حقا أسطورة محبوب من طرف الجميع، والكل يحترمه، يبلغ من العمر أربعين سنة، لكنه لازال يتدرب كشخص في العشرينيات من عمره. إنه مثال اللاعب الشغوف المتيم بحب كرة القدم. – هل يجب إبعاد كلمة «شبيه ميسي» أو المقارنة عن كل شاب أرجنتيني موهوب؟ – إن هذا الأمر يتوقف على كيفية تفسير الأشياء، فالبعض لا يتقبلها، لكني لا أجد عيبا في ذلك، لأن لعبة المقارنة متواجدة منذ قرون. إني مركز على طريقة لعبي وأهدافي والألقاب التي أريد تحقيقها، ومثل بوفون إنه شرف لي أن أشارك ميسي في اللعب. – مشاهدة فلم مع والدتك، الذهاب إلى ملهى ليلي، لعب الليغو والشطرنج، من بين هته الاختيارات أي نشاط تفضل أن تقوم به؟ – السهر في الملاهي الليلية، لكني لا أستطيع (يضحك)، وإذا طرحت نفس السؤال على الشباب في مثل سني، فإني متأكد من أن أغلبيتهم سيقولون نفس الشيء. إني أحب الخروج مع أصدقائي لتناول وجبة العشاء، ولدي شغف بلعب الليغو الشطرنج، لكن وقتي لا يسمح لي بذلك. – جوسيب ماروتا، مديرك العام، قال «ديبالا سيبقي إلى الأبد «، إنه تصريح لا يواكب كرة القدم الحديثة… – لا أقدم وعودا، فمساري في النادي لا يرتبط بي فقط، لكن في الوقت الحالي لا أقول إني سأغادر في نهاية الموسم أو سألعب فقط لسنة…إني أفكر في الحاضر وفي الفوز بالألقاب. لقد عرض علي النادي اللعب بالرقم 10 وهذا شرف لي. لعبة كرة القدم الحديثة مليئة بالمفاجئات وليس بمقدورنا التكهن بالمستقبل. – المنافسة بين ميسي و رونالدو، هل ستتكرر بين ديبالا ونيمار؟ – نعم، إنه تحدي جميل ورائع! كريستيانو وميسي قدما أشياء مدهشة لاتصدق، ونيمار قريب من مستواهما. إنه يمتلك الحظوظ للفوز بالكرة الذهبية، بالنسبة لي و ريثما أصل إلى ذلك المستوى سأشتغل كثيرا لكي أحصد الألقاب والكؤوس. – هل الكرة الذهبية هدفا بالنسبة إليك؟ – عندما كنت طفلا صغيرا، كنت اجتمع مع أصدقائي في المخيم الصيفي وكان كل واحد منا يعرب عن طموحاته وأمنياته الخاصة في الحياة، كنت أقول إني أريد أن أصبح أحسن لاعب في العالم وأفوز بالكرة الذهبية.