صدر مؤخراً عن مطبعة أبي رقراق بالرباط كتاب موسوم ب»أعالي ايناون في المشروع الاستعماري الفرنسي بالمغرب 1914- 1926» لمؤلفه عبد السلام انويكًة. إصدار في حقل تاريخ المغرب بأزيد من أربعمائة صفحة من القطع المتوسط، تحكمه كرونولوجياً تاريخية منهجية بحدثين فاصلين ومؤثرين في تاريخ مغرب مطلع القرن العشرين، حيث تطورات فترة دقيقة توزعتها وقائع إحكام سيطرة على تازة الممر والمدينة معاً ووقائع صدى وتفاعل ونهاية حرب الريف الشهيرة في علاقتها بأعالي ايناون. والكتاب هو بواجهة خارجية تتوسطها خريطة عن الأرشيف الفرنسي، تهم جزءاً من مجال هذه الأعالي ذات الطبيعة الجبلية الفاصلة بين شرق البلاد وغربها. كتاب يتأسس على بيبليوغرافيا هامة باللغتين العربية والفرنسية وعلى سند وثائقي عن الأرشيف الفرنسي لمغرب الحماية، ويتوزع على محاور متكاملة تبسط لِما هو فزيائي وبشري يخص تميز المنطقة ضمن المجال المغربي، ويعرض لمحطات وأحداث وتطورات طبعت المغرب خلال هذه الفترة وأعالي ايناون منه تحديدا، مع تركيز على موقع هذا المجال الاستراتيجي في خريطة انشغالات الأطماع الاستعمارية الفرنسية انطلاقاً من الجزائر، وعلى بعض سبل إعداد المنطقة لتحقيق التوغل في المغرب استكمالا لمشروع استعماري فرنسي في شمال افريقي تابع. في تصدير أول للمُؤَلَّف أورد الدكتور سمير بوزويتة الباحث في التاريخ بكلية الآداب والعلوم الانسانية بفاس، أنَّ هذا الكِتَاب يجعلنا نطرح سؤال الهدف من قراءة ماضينا، وسؤال القراءة المقرونةٌ باستخلاص العِبَر فهماً للحاضِر واستشرافاً للمستقبل بما يتطلب ذلك من مسؤولية وتقديرٍ رصينٍ ودقيقٍ. هذا في سياق وتوجهٍ التاريخُ فيه ليس مجردَ سردٍ ولا أرشفةٍ وتدوين وتقييدٍ، بل أداةً للعبرة من أجل غدٍ أفضلَ تفعيلاً للماضي في الحاضر. مضيفاً أن الباحث في تاريخ المغرب التزامني المعاصَر يجد نفسه مُثقلاً بأسئلةٍ من قبيل كيف نجعل التاريخ حافزا مُلهِماُ باعثا… وكيف يمكن قراءة فترة الاستعمار والمقاومة كفترة تاريخية ممتلئة بتاريخ جريح، لنجعل منها مصدرَ إلهامٍ وليس مطيةَ الاستبداد بالتاريخ وفرضَ قراءةٍ أُحادية له. وإلى أي حد يمكن قراءة تاريخ المقاومة وفق مقاربةٍ ورؤية هادئة،- إدراك الاستعمار في حقل فكر متخلصٍ من الاستعمار- والحالة أننا نحيى مخلفات فترة الاستعمار، وإلى أي حد يمكن نِسيان أسئلة محرجة مثل: كم عدد ضحايا الغزو الاستعماري من قتلى وجرحى ومعطوبين ومرضى نفسيين ومعوِزين ومهجرين.. وماذا عن ما صُودِرَ من وثائق وتراث.. وما حجم ما تسبَّب فيه الاستعمار من هوة وتأخر ونكوص تاريخي وتشويهٍ وتضييع للحدود.. ماذا طور المستعمر وهل كما دخل خرج أم زيَّف وغيَّر وحرَّف، وإلى أي حَدٍّ يمكن للمؤرخين قراءة تاريخ المقاومة قراءة هادئة بعيداً عن التفاعل. أسئلة وغيرها- يقول د.سمير بوزويتة- أجاب عنها مؤلف «أعالي ايناون في المشروع الاستعماري الفرنسي بالمغرب على عهد الحماية»، برصانةِ وحُنكةِ باحثٍ متمرسٍ نجح بوضعِهِ للقارئِ في قلب هذه الإشكالات. مضيفاً أن ما يستبطنه المؤلَّف دفع لإبراز كون الجغرافيا هي الذاتُ ذَاتُها بهذه الأعالي حيث قبائل البرانس واتسول وغياتة، والتي باسمها تنطق الجغرافيا كقبائلَ مغربيةٍ مجبولةٍ على حب الوطن. وأنَّ الكتابُ هو قيمةً مضافة في حقل تاريخ المقاومة المغربية عموماً ومقاومةِ قبائل أعالي ايناون تحديداً، ينضاف لذاك قوةُ أسلوبٍه ودقةُ تعبيرٍه وعمقُ منهجٍه ورؤيته وتصورٍه مما أضفى عليه طابع التميز والجِدَّة. وفي تصدير ثان للمؤلف وضعه الدكتور جمال حيمر الباحث في التاريخ بكلية الآداب والعلوم الانسانية بمكناس، أورد أن كتاب « أعالي ايناون في المشروع الاستعماري الفرنسي بالمغرب» ضمن التاريخ المحلي الجامعي، وهو توجه استوغرافي تعود بداياته لمنتصف سبعينيات القرن الماضي تأسيساً على قناعة أهمية التاريخ المحلي الجزئي، كبوابة ناجعة للإحاطة والتبصر بمختلف قضايا تاريخ المغرب. وأنه مع الاقرار بالتفاوت الملحوظ بين مستويات الأبحاث المنتمية لهذا التيار التاريخي، من حيث التصور والمقاربة والتوثيق والتحليل والربط بين الخاص والعام. فمن المؤكد أنها كانت بمساهمة هامة من موقعها في تحقيق تراكم نسبي كمّاً وكيفاً في حركة التأليف التاريخي الجامعي. وهو ما تجلى في استغلالها المكثف لإمكانات مصدرية متعددة الأصول، وتناولها لوقائع تاريخية مغربية من منطلقات نابعة من واقعها من جهة، وفي قدرتها على الدحض العلمي لأطروحات الأستغرافية الكولونيالية التي أولت ظواهر وتنظيمات المجتمع المغربي تأويلا يتماشى والأهداف الاستعمارية من جهة أخرى.