اعتبر المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي «أن بلادنا، التي خطت، بفضل الدستور الجديد، خطوة هامة نحو الديمقراطية، تعيش اليوم حالة نكوص وتراجع سياسي وتشريعي وحقوقي، نتيجة هيمنة حزب العدالة والتنمية على الحكومة، وتصريف مواقف رجعية ويمينية، مناهضة للتقدم وللديمقراطية، والعودة بالمغرب، إلى سنوات ما قبل التناوب التوافقي، من أجل تكريس السيطرة المطلقة على الدولة والحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، خدمة لأجندة رجعية، أدت في العديد من التجارب إلى كوارث على الشعوب». وتقتضي الوطنية الصادقة أن ينكب كل من يهمه أمر هذا البلد على هذا المعطى، وتدقيق التوصيف الذي تقدم به الاتحاد، في باب تحليل المسار الذي تتخذه البلاد اليوم. والتعامل مع ناقوس الخطر بوعي تاريخي، يستحضر المآلات المظلمة التي تنتظر البلاد في حال نجحت الأجندة الرجعية. لم ترتبط الرجعية، في تاريخناالوطني، بأي شي آخر أكثر من ارتباطها بالتخلف وبالاستعمار، كمرحلة تتوج الانهيار التام للسيادة الوطنية وتكرس الدونية الحضارية للأمة وللوطن. وتكون مقدمات انتصار الرجعية، في الثقافة والفكر ، قبل السياسة، بتعطيل مقومات التفكير العلمي والعقلانية، وفرملة الشعور بالانتماء الى المجهود البشري، والرأسمال الإنساني، حقوقيا وثقافيا وعقديا وأخلاقيا. وعادة ما تكون الرجعية، باعتبارها القوة المناهضة للتقدم، العدو الرئيسي للازدهار الفردي، والتقدم الجماعي، وللذكاء الوطني ، وتشتغل على أجندة مجتمعية تستعمل الترهيب والتخويف من التطور ومن آثاره المادية والروحية على حد سواء، لكي تنعش، عن طريق مخاوف الناس ، ميلهم إلى الركود والجمود. وتلك مقدمات تبدو أساسية بالنسبة للرجعيين من أجل تسييد ثقافتهم وجمودهم ورجعيتهم في المجتمع. وتوظيف هذا المجتمع، ذاته، في فرملة تقدم الدولة، أولا، وتعطيل الثقافة الحرة ثانيا، ثم الدفع بالدولة الى دائرة الرجعية والقبول بالردة والنكوص. ولا تخفي الحركات الرجعية، باعتقاد كفاحي لا يتوقف عن أية حدود، رغباتها في أن تقود المجتمعات الى .. الماضي، وجوانبه المظلمة، ولا تخفي احتفاءها بالثقافة الظلامية والجوانب المعتمة في تجربة تريد أن توجه المجتمعات، إلى الماضي، ومقوماته ومنها بالذات التسليم بالاستبداد وتسويغه ثقافيا واجتماعيا، وتبريره دينيا. ولعله أخطر استبداد يمكن أن تعيشه المجتمعات، لأنه مرفوق باستمرار بالكوارث والمعضلات الكبرى والفتن، ما ظهر منها وما بطن! ويتمحور مجهود الرجعية المحلية، حول نشر ثقافة تشكك في المنجزات الحقوقية للمرأة المغربية، باعتبار قضيتها هي المحك الحقيقي للمواقف الرجعية أو الحداثية، وهي عتبة التحديث الضروري. وفي هذا المضمار لم تقدم الرجعية الحكومية أي أفق آخر غير أفق الردة للمرأة في العمل، وفي الحقوق كلها. كما أن من ثوابت الردة، العمل على تعطيل الحياة المدنية، والمؤسساتية والاحتكام الى المزاج والمراوحة، وليس صدفة أن تفعيل الدستور الديموقراطي والارتقاء بالحياة الوطنية الى مصاف الدسترة، هو امتحان واقعي ملموس للرجعية الحكومية، باستئناسها الدائم بالحياة اللادستورية وتفعيل بنود التواطؤات السياسية على حساب المضمون الديموقراطي للدستور. يفترض نجاح الرجعية إفراغ الحياة الوطنية من أية مضامين جدية، وتجميد نقاشات الفضاء العمومي، والعمل علي «طقسنة» هذا الفضاء، لكي يسهل الاستحواذ على العقل الجماعي والزج بالبلاد في »طرقية» جديدة تلبس لبوس المنظومة الحديثة، عبر الحكومة والبرلمان والجماعات .. وكافة فضاءات الحياة الوطنية.. ومن هنا خطورة ما نبهت إليه القيادة الاتحادية، ودقت من أجله ناقوس الخطر لأن الرجعية لا تعني سوى موت الحياة الحديثة ، ومنع الدولة، ككيان جماعي، من القيام بدورها كأداة لعقلنة التاريخ وترشيد المستقبل.