قبل أن أبدأ في مداخلتي، أود أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى صديقاتي المناضلات في فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، على عقد هذه الندوة وحول هذا الموضوع، في وقت نعتبره تاريخيا واستراتيجيا، والذي يطرح علينا مجموعة من التساؤلات تلزمنا البحث والحفر في مجموعة من الامور، لنزيل كل الضبابية على الفكر المحافظ، بالفكر الحداثي. ذلك الفكر المحافظ الذي سرق ثورة الشباب، سرق العدالة والمساواة، وسرق الحرية، وبذلك جعل من نفسه فكرا محافظا ثوريا بثقافة خرافية، ساهم فيها الفكر الوهابي ، بكل صراحة، بالسعودية وقطر، وزرعوا مازرعوه فينا ، بل زرعوا افكارا في عقول شبابنا، وهم الذين لم يخرجوا الى ساحة الحراك، بل اختبؤوا حتى مات الشهداء منا ، وحتى ماتت النساء، وحتى مات الشباب ، رحمهم الله . الشهداء ماتوا، واليوم بطبيعة الحال عندما نستمع الى بسمة حيث سرق الفكر الوهابي الارهابي من بسمة بسمتها ، وبسمة أطفالها في عشية كان الشهيد يدافع عن كل أحلامنا في الفكر الحداثي الديمقراطي. كان مدافعا عن مكتسبات نساء وشباب، كان يدافع عن حقنا في هاته الكونية ، التي خرجت نساؤنا المغاربيات ذات يوم، مدافعة عنها، في المساواة وفي الفكر الحداثي، في المشترك القوي... فاتهموا من طرف المسؤولين بأنهم سماسرة وأنهم يأخذون النقود ، ويحولون اليهم «الدوفيز»، في حين ان هذا «الدوفيز» يحول لمن ينشرون الفكر الوهابي بثقافتهم. بكل صراحة يجب ان نفتح حساباتنا من جديد، ويجب ان نحاسب بعضنا البعض قبل أن نقول كلاما كبيرا في غفلة من الحقيقة. أرجوكم أن نضع الحقائق والمعطيات المادية، فنحن في ندوة فكرية وعلمية، نريد أن نعرف من خلالها ماذا حدث في منطقتنا المغاربية؟ ومصر في شمال افريقيا ؟ ولهذا أقول إنه من حق شعبنا أن ينادي بالكرامة والمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية. وليس من حق الذين ركبوا رؤوسنا باسم الله وباسم الرسول... فكلنا مسلمات ومسلمون، كما قالت أختنا بسمة زوجة الشهيد شكري بلعيد. لن نقبل بعد اليوم، أن يقتلوا رجالنا وإخواننا وأصدقاءنا باسم الدين ، الذي هو ديننا جميعا، و لن نقبل بعد اليوم ان يُغتال مناضلونا في غفلة منا. ولن نقبل بعد اليوم ان يغتال رموزنا ومفكرونا ، من الرجال والنساء، وسائر المناضلات اللائي ضيعن عمرهن لسنوات داخل السجون باحثات ، في كل الأحوال ، عن هذه الكونيات. لنكون صفا واحدا الى جانب الدول الديمقراطية، ليس عيبا أن نشتغل مع الفكر الانساني الدولي. لكن رجاء، لا يُزايد علينا البعض بأننا نحن السماسرة ، وهم بطبيعة الحال، الملائكة، او نحن الشياطين والتماسيح،وهم الملائكة. في المغرب نسجل اليوم توجه خطابنا الرسمي نحو القرون الغابرة في قضايا الديمقراطية والحرية والمساواة، كما نسجل نكستنا بكل وضوح وشفافية، وهي نكسة آتية من ركوب توجهات رجعية محافظة على حراكنا المجتمعي وعلى ثورتنا الهادئة التي ليست وليدة اليوم بل هي مسار موشوم بالمعتقلات والسجون والاختفاء القصري وبمعاناة طويلة وقاسية لرفاقنا وإخواننا هؤلاء الذين يسجل التاريخ دفاعهم عن الحرية والديمقراطية والحداثة والمساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة. هو مسار توج بدستور يغتال اليوم في مشهد جماعي وبيد رئاسة حكومة تملك كل الصلاحيات لفعل ذلك. ولدفن هذه الوثيقة المتقدمة في مسار نضالنا تم الإجهاز عما تبقى من مؤسسة البرلمان بإفراغها من دورها التشريعي والرقابي في تفعيل الدستور إلى دور آخر يتمثل في استعمال فضائها لتبادل السب والشتم وتكريس الجمود في الزمن الذي كان من المفروض أن يكون زمن الشعب الذي يمثله برلمانيو البلد بمختلف التوجهات السياسية، ناهيك عن الاستعمال الحزبي الضيق الذي جعل رئيس الحكومة نفسه يحول جلسته الشهرية الدستورية الى منبر خطابي حزبي وديني، يخاطب فيه من يصوتوا على حزبه فقط، ملغيا حقوق المغاربة في محاسبة رئيسهم في الحكومة مكتفيا ببعض «خوتو المغاربة»، كإشارة واضحة لزمن الحزب الواحد، وهيمنة الفكر الواحد، وتكريس التخندق في الزوايا المظلمة، تلك التي تعتمد الجهل والأمية والفقر كمعطيات أساسية وإستراتيجية للحفاظ على الدوائر الانتخابية، وتستغفل الشعب القابع في هذه البراثن ضد أي مكاسب تخدم الصف الحداثي الديمقراطي، وفي قلبه حقوق المرأة ومساواتها مع أخيها الرجل وذلك هو مربط الفرس. إن الرجعيون ومعهم المحافظون الجدد يعون جيدا في إطار تنسيق إقليمي وجهوي مع الدوائر الإخوانية ما معنى أن يحكم البلد بدستور2011، كما يعون عمق المادة 19 من نفس دستور التي تنص على أنه: "يجب على الرجل والمرأة على قدم المساواة التمتع بحقوق الإنسان والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية"، وعلى الدولة المغربية العمل على تحقيق التكافؤ بين الرجال والنساء. وإقامة هيئة تهدف إلى الدفاع عن المناصفة وتواجه التمييز بين الجنسين، بتحديد الإطار القانوني وتحديد صلاحيات هذه الهيئة وخضوعها للمعايير المحددة الحازمة، وذلك ما جعل خفافيش الظلام يهربون النقاش الى فتواهم برعاية مباركة من الحكومة نفسها، حيت انخرط وزراء الحزب الملتحي وعلى رأسهم رئيس الحكومة في الدفاع عن شيوخهم في الذراع الدعوي و تجييش ذراعهم الجهادي في الصفحات الإلكترونية بأسماء مختفية لشن حملة متوجة بتهديدات ضد نسائنا وضد الصف الديمقراطي الحداثي، وترجموا هذه التهديدات في الجامعات والأزقة المظلمة بممارسة العنف الجسدي واللفظي والارهاب الفكري والمادي. ولعل ما تعرضت له المناضلة الاتحادية فدوى الرجواني بمدينة أكادير لخير دليل على ذلك. لقد كانت البدايات الأولى في مسيرة نضال المرأة المغربية منذ أربعينيات القرن الماضي إثر ولوجها الفضاء العام، وبعدها عملت الحركة النسائية بكثير من الاستماتة والعزيمة القوية لإقرار حقوق المرأة بالانخراط الكلي في الدفاع عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية من داخل الاحزاب وخارجها وجعلها في خدمة قضايا النساء، وتأسيس قطاعات نسائية تواجه الذاكرة الثقافية الذكورية و تمأسس للمساواة والانصاف في الواجهات الوطنية والدولية مبلورة وعيا حقوقيا لدى النساء من مختلف المواقع ،مبلغة رسالتها للرأي العام الوطني والدولي، ومواصلة البحث عن مختلف الطرق لتحقيق إنصاف عادل في مغرب يبني المستقبل بإختيار ديمقراطي. تتوجه فيه المنظمات النسائية الحية المحزمة بالأبعاد السياسية والحقوقية الكونية الى الضغط بشتى الوسائل النضالية منها تنظم الاحتجاج بمسيرات ووقفات معنونة بملفات مطلبية في الحقوق والواجبات من أجل أن يكون المغرب صفا الى جانب الدول الديمقراطية باعتبارها شريكا اقليميا وجهويا ودوليا في كافة المستويات المتوجة بإتفاقيات في الثقافة والاقتصاد والمجتمع، وعملت حركاتنا النسائية الحية على اقتراح مشاريع هامة ، تم التنسيق فيها بين مختلف الفعاليات النسائية داخل الوطن وخارجه.وبلغ النضال النسائي المغربي الحي قمته في تفعيل مدونة الأسرة، والسير برفع المطالب في نسبة المشاركة السياسية والإقرار بمبدأ الإنصاف والتواجد في مراكز القرار، ونجحت نساؤنا في الخروج بمكاسب هامة في هذا الاتجاه في المؤسسة التشريعية و التنفيذية والمتوجة بدستور اليوم المعرض للاغتيال بكل الاسهم الآتية من رياح هوجاء في زمن الرجعيين والمحافظين. إننا اليوم أمام إنتكاسة وتراجع خطير في التمثيلية السياسية للنساء في الحكومة الحالية الشيء الذي يشكل ناقوس خطر وتهديد فعلي هو مقدمة كبيرة ومؤشر قوي على ضياع مكتسبات الحركة النسائية المغربية. إننا اليوم أمام واقع خطير يحتاج الى تكثيف الجهود بين كل نسائنا المدافعات عن المكتسبات من أجل صون هذه المكتسبات بإعادة النظر في طرق اشتغالنا من داخل الأحزاب الحية الديمقراطية أو من خارجها في ظل تسونامي العودة الى القرون الغابرة. إن المتغيرات السياسية والاجتماعية، تتطلب منا نقد الذات والمكاشفة ورسم أفق للإشتغال في خضم التطورات الراهنة والوقوف عند الصعوبات التي تواجهنا من أجل برنامج نضالي في جبهة موسعة لتوحيد الصف الديمقراطي الحداثي بنسائه ورجاله. لا يختلف اثنان أن تجار الدين ومستعملوه في السياسة ركبوا على ثورتنا الهادئة وبدعم من الدوائر الإخوانية والقوى الدولية التي لها مصالح استراتيجية في المنطقة، استطاعوا أن يحولوا مسارنا لصالحم بأذرع إعلامية قوية وسياسية وصلت الى مراكز القرار وكشفت الأيام التي تبوأ هؤلاء فيها مناصب حساسة في بلادنا شيطنتهم لمشهدنا وقدرتهم على تهريب الأفكار والقيم والعمل على استهداف تكتيكي محكم يهدد حقوق المرأة وحريتها. من حقنا اليوم أن نتساءل اليوم عن مآل ربيعنا الديمقراطي ومآل وثيقتنا الدستورية وعن المكتسبات التي توجت بالتجسيد الفعلي في هذه الوثيقة. وليس من حق من يحكموننا اليوم بالصلاحيات الواسعة أن يتحججوا بالحجج الواهية وأن يشنفوا مسامعنا بعرقلة مشاريعهم الوهمية من طرف من سموهم بالتماسيح والعفاريت.