في إطار سلسلة منشورات دار نشر روتليج المكرسة للمفكرين والمفكرات النقديين والنقديات، صدر للدارسة سارة صالح، الأستاذة بجامعة تورنتو الكندية، كتاب بعنوان «جوديث بتلر»، وفيه تدرس أعمال هذه المفكرة الأميركية، التي تصنف إلى جانب جوليا كريستيفا وغياتري سبيفاك ولوس إيريغاري، كصوت نقدي نسوي بارز في وقتنا الراهن. يتضمن كتاب سارة صالح مقدمة تمهيدية مخصصة لشرح الأسباب التي دفعتها إلى تأليف هذا الكتاب حول أعمال جوديث بتلر، وخمسة فصول تدرس فيها بتدرج وعمق واضح، الأفكار المفتاحية لهذه المفكرة وهي الذات والجنوسة والجنس واللغة، والنفس، فضلا عن خاتمة ترصد فيها آفاق النظرية النسوية بعد جوديث بتلر. ومن المعلوم أن النقاد والدارسين المعاصرين المتخصصين في دراسات النوع الجنسي «الجنوسة» قد أجمعوا على أن الناقدة والمفكرة الأمريكية جوديث بتلر قد تمكنت من تثوير فهمنا للهويات وللكيفية التي تبنى بواسطتها، وذلك منذ ظهور كتابها المثير للجدل ?مشكلة النوع الجنسي: النسوية وخرق الهوية (1990). من المعروف أن جوديث بتلر قد بدأت أيضا حياتها الأكاديمية بكتابها الموسوم ب?ذوات الرغبة: تأملات هيجيلية في فرنسا القرن العشرين (1987)، وفي عام 1993 صدر لها كتاب آخر يعتبر تكملة وتطويرا للنظريات والأفكار المحورية التي تضمنها كتابها مشكلة النوع الجنسي وعنوانه »الأجسام التي تهم: حول الحدود الحوارية ل?الجنس?« ومن ثمّ توالى صدور سلسلة من العناوين منها ?الخطاب المثير: سياسات الأداء (1997 )، و«الحياة النفسية للقوة: نظريات في الإخضاع». وغيرها من الدراسات والمحاضرات، وهي في مجموعها تشكل مدونة فكرية نقدية لها مكانتها في مشهد الفكر النسوي الغربي المعاصر. كل كتب بتلر تطرح أسئلة حول تشكل الهوية والذاتية، حيث تقتفي آثار العمليات التي نصبح بواسطتها ذواتا والجدير بالذكر هنا هو أن التجربة الفكرية لجوديث بتلر قد تأثرت بقوة بعدد من المرجعيات وفي مقدمتها فلسفة هيجل، وخاصة كتابه فينومينولوجيا الروح، ونظريات فينومينولوجيات كل من إدموند هوسرل، وهايدغر وسارتر وموريس ميرلو بونتي، إضافة إلى ميشال فوكو، ومرجعياتها هذه هي التي تتحدد على نحو خاص في الجزء الأول من كتاب تاريخ الجنسانية، ومدرسة فرنكفورت، وتياري البنيوية (دي سوسير، كلود ليفي ستروس، جاك لاكان، رولان بارط) وما بعد البنيوية (جاك دريدا، بول دو مان) وغيرهم كثير.