يحلم الشيوعيون والبلشفيون الجدد الذين يحنون إلى الاتحاد السوفياتي السابق، حتى اليوم ب»المستقبل الباهر» لروسيا الذي وعدت به ثورة اكتوبر قبل مئة عام، وبعضهم قريبون من الكرملين بينما تطارد السلطات آخرين منهم. فالحزب الشيوعي الروسي يشغل مقاعد في البرلمان ولا ينتقد الكرملين إطلاقا، بينما تنشط مجموعات اخرى اكثر تطرفا على هامش الحياة السياسية التقليدية وتتعرض لملاحقات قضائية. وقال فلاديمير ايساكوف رئيس منظمة الشباب في الحزب الشيوعي (الكومسومول) ان «الثورة فتحت الطريق لحياة جديدة مع مكتسبات اجتماعية مثل حق التعليم والخدمات الطبية المجانية». وهو مقتنع بأنه «لولا الثورة لما كان هناك رجل اول في الفضاء ولا انتصار في الحرب العالمية الثانية وما كانت روسيا اصبحت واحدة من قوتين عالميتين عظميين». ويروي فلاديمير (30 عاما) أنه انضم إلى الحزب الشيوعي عندما كان طالبا في كلية التاريخ وجذبته الافكار الاشتراكية. ويضيف أن الذين ينضمون اليوم إلى «الكومسومول» تبلغ أعمارهم أكثر من عشرين عاما بقليل «وشعروا بظلم المجتمع». حظر الرئيس الروسي بوريس يلتسين الحزب الشيوعي السوفياتي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في غشت 1991، التي نظمها مسؤولون في هذا الحزب لمحاولة منع تفكك الاتحاد السوفياتي. في 1993، ظهر حزب شيوعي جديد على الساحة السياسية بقيادة غينادي زيوغانوف العضو السابق في الحزب. وأكد هذا الحزب الجديد انه وريث الحزب الشيوعي السوفياتي. وقد اكتسب شعبية في تسعينات القرن الماضي عندما أدت الاصلاحات إلى إفقار عشرات الآلاف من الروس واصبح ثاني حزب في مجلس النواب (الدوما) بشغله 42 مقعدا من اصل 448 بعد حزب روسيا الموحدة القريب من الكرملين وبفارق كبير عنه. وتشكل عقيدة الحزب اليوم مزيجا من الارثوذكسية والستالينية. فقد زال الالحاد الذي كان مطبقا في العهد السوفياتي ولا يدع غينادي زيوغانوف فرصة تمر الا ويشيد فيها بالكنيسة الارثوذكسية. واحيا زيوغانوف ايضا تمجيد ستالين ويقوم كل سنة بزيارة ضريحه في الساحة الحمراء كل سنة مع ناشطي الحزب. لكن الحركات اليسارية المتطرفة تتهم الحزب الشيوعي بانه فقد استقلاليته والعمل تحت وصاية الكرملين. ونادرا ما ينتقد الحزب الشيوعي السلطات خصوصا بعد ضم موسكو لشبه جزيرة القرم الاوكرانية في 2014 الخطوة التي دعمها بقوة. وهو يركز هجماته — المحسوبة بدقة دائما — على السياسة الاقتصادية للحكومة التي تناور بين الليبرالية ورأسمالية الدولة. ويقول ايساكوف إن الحزب الشيوعي «متضامن مع السلطة» في سياستها الخارجية لكنه «يعارض سياستها الاجتماعية والاقتصادية». ويضيف «نبقى أوفياء لأفكار ماركس ولينين». خلافا للحزب الشيوعي المشارك بنشاط في الحياة السياسية التي يهيمن عليها الكرملين، قامت السلطة عمليا بتصفية الحركات اليسارية المتطرفة التي كانت ناشطة في بداية الالفية الثالثة مثل «الحزب القومي البلشفي» بقيادة الكاتب ادوارد ليمونوف و»جبهة اليسار» بزعامة سيرغي اودالتسوف. فقد منع «الحزب القومي البلشفي» في 2007 بصفته «منظمة متطرفة» بعد سلسلة من التحركات الكبيرة من بينها الهجوم على مكتب للادارة الرئاسية في موسكو. وقد سجن أكثر من 150 من ناشطي الحزب. اما سيرغي اودالتسوف، فقد امضى اربع سنوات ونصف السنة في السجن مع الاشغال الشاقة بتهمة تنظيم «اضطرابات كبيرة» في 2012. وحينذاك انضمت حركته إلى الليبراليين الذين تظاهروا احتجاجا على عودة فلاديمير بوتين إلى الرئاسة. وفي قبو احد مباني موسكو، يعترف الكسندر افيرين الذي كان عضوا في «الحزب القومي البلشفي» واحد قادة الحركة القومية المتطرفة «روسيا الأخرى» (دروغايا روسيا) بان «المعارضة في أزمة» اليوم. ويرى الناشط البالغ من العمر 36 عاما ان ذلك كان نتيجة الانقسامات التي تلت ضم القرم. فقد دعم اليسار الكرملين بينما دان الليبراليون هذا الاجراء. وقال اودالتسوف بعد خروجه من السجن في غشت «اليوم هدف المعارضة الروسية هو تحقيق انعطافة إلى اليسار مطلوبة في جميع أنحاء العالم». ودعا المعارضة اليسارية إلى الاتحاد بمناسبة ذكرى مرور مئة عام على الثورة. لكن لكل من اطراف هذه المعارضة مشاريعه لإحياء الذكرى. فالحزب الشيوعي سينظم مسيرة رسمية سمحت بها السلطات في السابع من نوفمبر في موسكو. أما اليسار المتطرف فيستعد للتظاهر أيضا. لكن الكسندر افيرين يقول مبتسما «سيتم اعتقالنا بالتأكيد».