«المشهد المأساوي الذي يتم تسويقه لا يمثل المغرب أو المنطقة المتوسطية، ولن يكون أبدا هو الصويرة. وعلى الشباب التشبث بالأصل والتاريخ والثقافة والتنوع والغنى الذي تعرفه المملكة». هذا بعض مما جاء في كلمة اندري ازولاي في إطار حفل نظم على هامش الدورة الثالثة للمنتدى الأورو متوسطي للقيادات الشابة الذي احتضنته مدينة الصويرة من 20 إلى 22 أكتوبر 2017 بمبادرة من جمعية الصويرة موكادور بشراكة مع السفارة الفرنسية بالمغرب، ومؤسسة «انا ليند» ثم مؤسسة «السقاط». ازولاي الذي أكد على مساهمة المنتدى الأورو – متوسطي للقيادات الشابة ومدينة الصويرة في خلق فضاء للحوار المسؤول، رفض كل كتابة مجتزأة للتاريخ استنادا إلى صور نمطية لا تمثل الهوية المنفتحة والمتعددة للمغرب، الصويرة خصوصا، والمنطقة الاورو متوسطية عموما. مؤكدا الطابع المتنوع، الغني والمرن للهوية المغربية القادرة على التفاعل مع مختلف التيارات الفكرية والحضارية في التصاق دائم بأصولها الراسخة. اليزابيت غيغو رئيسة مؤسسة «أنا ليند»، اعتبرت أن الانغلاق يولد سوء فهم الآخر وضعف المعرفة، حيث نادت باحترام قيم الاختلاف والتنوع وتكريم الإنسانية، وتقبل الآخر بغض النظر عن اختلافاتنا. أما سفير الجمهورية الفرنسية بالرباط الذي أكد على أهمية الشباب في مواجهة الكثير من الإشكالات التي تتهدد العالم من جهة، ومن أجل التطور الاقتصادي من جهة أخرى فقد وقف عند المكانة التي تكتسيها مدينة الصويرة بوصفها رمزا لتعدد الثقافات والتنوع والتسامح. خلال هذا المنتدى الفكري، تقاسم 300 مشاركة ومشارك من مختلف دول ضفتي المتوسط أغلبهم قيادات سياسية واقتصادية شابة ووجوه صاعدة من المجتمع المدني وتبادلوا المواقف والتجارب الشبابية، حيث يراهنون على اندماج أورو متوسطي من خلال تشبيك القيادات المستقبلية. وتميزت الدورة الحالية بتنظيم ورشات عمل موضوعاتية إضافة إلى تخصيص جائزة خاصة بمبادرة مجددة في المجال التربوي. البرنامج تضمن مجموعة ورشات اختيارية تستجيب لمراكز اهتمام المشاركات والمشاركين وتتناول محاور تقنيات الحوار، تقنيات الممثل، استعمال شبكات التواصل الاجتماعي والاكتشاف الثقافي لموكادور القديمة إضافة إلى ورشة عمل خاصة بإعداد مشاريع تربوية مجددة. « هل دخلنا إلى حقبة ما بعد الحقيقة؟» سؤال مركزي اتخذته كمحور المائدة المستديرة الأولى التي احتضنها المنتدى يوم 21 أكتوبر 2017 . حيث انكب المشاركون على مناقشة إشكالية التلاعب بالحقيقة على الانترنت وبالتالي مدى صدقية ما يتم تداوله على الشبكة العنكبوتية بشكل ينافي ويحرف الحقيقة ويوظف المنشورات لأهداف غير معلنة. عبد الله الترابي، صحافي بالقناة الثانية، حذر من ضياع ماهية ومهنة الصحافة في ظل تفشي ظاهرة «البوز-BUZZ «، حيث ساوى المتدخل بين الأخبار الكاذبة وبين البروباغاندا والإشاعة اللتين انتعشتا في ظل الاختيارات الاقتصادية الجديدة لوسائل الإعلام والتي عرفت تحولات جذرية باتت تطرح إشكالا كبيرا،حيث أصبح المعيار في التعامل مع الخبر أو الإعلان هو عدد النقرات، وبالتالي يطرح رهان تسويق الأخبار الجالبة لأكبر عدد من النقرات بأقل تكلفة مالية، إشكالية الاختزال والتبسيط وقف عندها الترابي الذي أشار إلى فقر المقالات التحليلية وصحافة التحقيقات على المواقع الإلكترونية حيث يتم الاقتصار على قصاصات خبرية جد مقتضبة يتم الترويج لها تحت مسمى «عاجل» ، « خطير»… وأثارت سناء العاجي، كاتبة مغربية، معطى سرعة انتشار الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نبهت إلى مساهمته في تعميق أزمة القراءة بالمغرب. وحسب العاجي، هناك أخبار تنتشر بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تفتعل ضجة كبرى بدون أن يعلم مآل التحقيقات في شأنها. بدوره دافع يوسف آيت أقديم، صحافي بمجلة «تيل كيل»، عن وثوقية الأخبار المنشورة على وسائل الإعلام التقليدية مما يجعلها قادرة على المحافظة على جمهورها، كما حمل القراء جانبا من مسؤولية انتشار الأخبار الكاذبة، بسبب وجود شريحة واسعة من القراء تقبل على المواقع المتخصصة في نشر أخبار الشتم والتجريح وترويج الأخبار الكاذبة. من جانبها أثارت كارولين فورست، وهي كاتبة وصحافية فرنسية، معطى لجوء الدول والفاعلين إلى اختلاق أخبار زائفة لتحقيق أغراض معينة. وهو ما أكده سيدريك ماثيو، صحافي بجريدة «ليبراسيون» الفرنسية، الذي وقف عند مساهمة هذه النوعية من الأخبار في انتخاب دونالد ترامب رئيسا لأمريكا. أما ثاني الموائد المستديرة التي احتضنها المنتدى فتناولت بالنقاش والتحليل السؤال المركزي «كيف نعد لاقتصاد المستقبل؟ حيث أثار عثمان الفردوس، كاتب الدولة لدى وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي المكلف بالاستثمار، معطيات دراسة ل»ماكينزي»، تتوقع اختفاء ما بين 45 و55 بالمئة من مهن اليوم، في مقابل جهل تام بالمهن التي يمكن أن نخلقها مستقبلا. وبحسب المتدخل دائما، فإن سوق الشغل المغربي سيفقد يده العاملة استقبالا بسبب استقرار عدد المغاربة الذين يلجونه منذ سنوات، من جهة أخرى، اعتبر المتدخل أن شباب المستقبل سيكون أكثر تكوينا، وبالتالي أكثر رضا عن عمله وأقل تفكيرا في الهجرة، كما نبه فردوس إلى التطور التكنولوجي الذي يحمل بدائل ستؤثر لا محالة على وجود الكثير من المهن، وبالتالي يطرح رهان إيجاد مهن مستقبلية بديلة. وفي نفس السياق أشار بيير بينتانا، مدير مجلس «رينز»، إلى المتغيرات التي يعرفها سوق الشغل. حيث أكد واقع المنافسة التي يعرفها عالم اليوم الذي أصبح أكثر انفتاحا. من جانبه أنار يوسف سعداني، مدير قسم الدراسات الاقتصادية بصندوق الإيداع والتدبير، مسار تاريخ التطور الاقتصادي الذي عرفه العالم وخصوصا مرحلة التصنيع، حيث استثنيت بعض الدول من هذه المرحلة ومن ضمنها المغرب، فواقع المهن مرتبط ،حسب السعداني، بتطور الأنشطة الاقتصادية التي دخلت مرحلة الخدمات المؤسساتية، ثم المرحلة الرقمية. وكان لظاهرة التحرش الجنسي نصيب من النقاش خلال فعاليات المنتدى الأورو متوسطي للقيادات الشابة في دورته الثالثة بالصويرة، حيث تم الوقوف عند ضعف الحماية القانونية للنساء في مواجهة المتحرشين. وفي هذا الإطار ركزت سناء العاجي على ظواهر التحرش الجنسي، الأمهات العازبات، وتزويج القاصرات. وهي ظواهر بقدر ما تؤكد ذكورية المجتمع، تؤكد الحاجة إلى تغيير العقليات وكذا القوانين من أجل حماية أكبر للنساء من العنف الذكوري. حيث أثارت المتدخلة تعرض 72 بالمئة من النساء المصريات للتحرش الجنسي يوميا. ورفض إدريس جيدان، وهو فيلسوف مغربي، كل شكل من أشكال التسامح مع العنف واللامساواة، مؤكدا، في الآن ذاته، بداية اختفاء هذه الظواهر المرتبطة بالمجتمع التقليدي منذ عشرين سنة.