نحتفل خلال العام الجاري في أميركا بمرور نصف قرن على توقيع قانون »الحقوق المدنية«. وبدلاً من أن نركز على الشوط الذي قطعناه منذ عام 1964، جعلتنا الأحداث المرعبة التي وقعت في منطقة فيرجسون بولاية ميسوري نتذكر الطريق الطويل الذي لازال أمامنا. ولا يتعلق الأمر فقط بالتفكير في سقوط الشاب الأسود »مايكل براون« قتيلاً في أحد شوارع فيرجسون بعد أن استقرت ست رصاصات في جسده اليافع، ولا بمشاهدة أفراد الشرطة في سيارات مصفحة، يرتدون زي المعركة، ويعتمرون الخوذات العسكرية ويضعون أقنعة الغاز بينما يحدقون في المتظاهرين من خلال مناظير أسلحتهم المتطورة. فالأمر أكبر من ذلك بكثير. والأمر يتعلق بمشاعر الإحباط وخيبة الأمل في قلوب الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية في فيرجسون. فعلى رغم أنهم يشكلون أكثر من ثلثي سكان المدينة، إلا أنه يجب عليهم التعامل مع عداء قوات الشرطة، إذ إن 95 في المئة منهم بيض. ويواجه السكان الأفارقة يومياً ما يذكرهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في صورة حالات المضايقة والتمييز العنصري. أضف إلى ذلك، غضب كثير من الأميركيين الأفارقة المحبطين، في فيرجسون وفي أنحاء البلاد الأخرى، بسبب معدلات البطالة غير المتناسبة، وفرص التعليم الحكومي غير الملائمة، التي تتركهم فريسة في براثن الفقر والعنف واليأس والغضب. وما حدث في شوارع فيرجسون من مواجهة بين المتظاهرين الذين يرددون شعارات »حياة السود مهمة« و»ارفعوا أيديكم لا تطلقوا النار«، في مواجهة الشرطة المدججة بالسلاح، هو أمر مأساوي ولكنه راسخ في التركيبة الأميركية. والأمر ليس متعلقاً بفيرجسون وحدها، وإنما نحن جميعاً نقف على جانب أو آخر من ذلك الفاصل الذي يقسم دولتنا منذ نشأتها. ونجد في كل مكان من أميركا اليوم دلالات تخبرنا بأنه على مدار قرن ونصف قرن منذ نهاية العبودية، وعلى مدار خمسين عاماً منذ سن قانون »الحقوق المدنية« لا زلنا لم نفهم الأمر بشكل صحيح. ونريد أن نتجاهل ذلك، ولكننا لا نستطيع ولا ينبغي أن ننسى حقيقة مجردة هي أن دولتنا نشأت في خطيئة كان اسمها العبودية. ولم تأت الحرية بجرة قلم من »لينكولن«. فتحرير العبيد من دون توفير السبل لتصحيح خطأ ورفع ظلم ذلك النظام الشرير الذي ترك أجيالاً من الأميركيين الأفارقة فريسة التهميش بعد عصر »إعمار الجنوب« الأميركي. وبانتقالهم إلى الشمال بحثاً عن عمل وجدوا الفصل العنصري الذي حاصرهم في أحياء للأقليات, حيث وقعوا مرة أخرى فريسة للفقر والاستغلال. وقد انتهت العبودية، ولكن العنصرية لا تزال تعيش بيننا في أميركا. ولأننا لم نواجه شرها المستطير ووصمتها المشينة، تواصل النهش في حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية. وتظهر بياناتنا الاقتصادية واستطلاعات الرأي العام عمق الفجوة بين الأعراق. ومن بين أكثر الإحصاءات المزعجة التي يجب أن تقض مضاجعنا جميعاً أن ثلث الشباب الذكور من الأميركيين الأفارقة هم إما في السجن، يقضون أحكاماً أو ينتظرون محاكمة، أو في حالة إطلاق سراح مشروط. ولابد أن هناك شيئاً خاطئاً مثيراً للقلق. ويعني عدم استطاعتنا قبول أصولنا بسبب هذا الواقع وافتقار قادتنا إلى الرغبة أو مجرد رفضهم الصريح للتعامل مع هذا الوضع المأساوي الذي يضيع فرص النجاح على كثير من شبابنا، إن التمييز العنصري سيستمر لجيل آخر. وما لم نتعامل مع هذه الخطيئة ونقضي عليها، ستتسع الفجوة، وهو ما يفضي إلى مزيد من الحالات على غرار أحداث فيرجسون. وقد اعتقد البعض بسذاجة أن انتخاب أوباما يجعلنا نتجاوز العنصرية. بيد أن انتخابه لم يفض إلا إلى تفاقم العنصرية المستترة التي طالما هيمنت على حياتنا السياسية. وقبل جيلين، ظهرت مبادئ مثل »حقوق الولايات« و»الفصل الاجتماعي« وقوانين »جيم كرو« العنصرية. وقبل جيل واحد، تم التعبير عن ذلك في قوانين رمزية. والآن ينصب التركيز على الرئيس نفسه. وإذا أنصتنا إلى »حزب الشاي« أو الحركات المشككة في مكان ميلاد أوباما وأهليته لرئاسة الولاياتالمتحدة، سنسمع شعارات عنصرية مثل »ليس مثلنا«، و»لا يمثلنا« و»لم يولد هنا« و»إنه مسلم«، و»إنه يخيفني، وأشعر بالقلق على البلد التي سينشأ فيه أطفالي«، و»نريد استعادة دولتنا«. ويبدو وكأن الطبقة المتوسطة من الأميركيين في منتصف العمر لاسيما البيض، الذين يواجهون أشد أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير، استيقظوا فجأة في صباح أحد الأيام ليجدوا رجلاً أسود متعلماً يعيش في البيت الأبيض، ولا يمكنهم احتواء ارتباكهم وغضبهم بسبب شعورهم بأنه قد تمت تنحيتهم. ويمكننا الآن أن نتصرف بشكل أفضل، ولابد أن نفعل ذلك. ففي عقد التسعينيات، عندما دعا الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون إلى المشاركة في حوار وطني حول العنصرية، كنت آمل في إجراء نقاشات وطنية حقيقية في المدارس وأماكن العبادة ومراكز الجاليات وحتى داخل المنازل الأميركية. وتمنيت لو أن كلاً منا أنصت واطلع على مخاوف وآمال وأحلام الآخرين. وتصورت أننا بعد هذا الحوار سنتمكن من العيش في »أميركا واحدة«، كتلك التي تصورها كلينتون. ولكن المشروع لم يخرج أبداً إلى النور. ولكن لا ينبغي أن يثبطنا ذلك أيضاً عن المحاولة مرة أخرى. ولابد أن يكون رأب الصدع العنصري أولوية في دولتنا. وبالعمل الدؤوب فقط كمجتمع واحد، لتجاوز الانقسام وانعدام المساواة، سنتمكن من إحياء حلم الدكتور مارتن لوثر كينج ونضمن عدم وقوع حوادث أخرى على غرار أحداث فيرجسون، ولن يسقط »مايكل براون« جديد أيضاً في أي مكان آخر.