صدرت حديثا عن دار إديليفر بفرنسا ترجمة «صابون تازة» إلى الفرنسية، ترجمها الأستاذ محمد النعاس تحت عنون «Caterina ou Savon de Taza» وهي باكورة أعماله. صابون تازة رواية إبراهيم الحجري، صدرت عام 2011 عن دار رواية بمصر في طبعتها الأولى، وعن دار روافد عام 2015 في طبعة ثانية. عنوان الرواية «صابون تازة» -»Caterina ou Savon de Taza» عنوان مستلهم من الخطاب التراثي الشفهي المغربي الذي يتداول بقوة هذه العبارة تدليلا ساخرا على ما يعتمر الواقع من أدران ودنس وتشوهات ومسوخ غير قابلة أبدا للمحو أو الغسل حتى ولو بصابون تازة الشهير قديما بجودته. وإذا كان هناك اختلاف في عبارة «صابون تازة» التي يتداولها المغاربة كتلميح للمسائل المعقدة أو التي يستحيل حلها أحيانا فيقولون «هادشي خصنا معاه صابون تازة». ومنهم من يذهب إلى أن عبارة «صابون تازة» تلميحا لوصف الشروط التعجيزية التي يضعها أصحاب القرار لحل المشاكل التي يعاني منها المتضررون. ومن القصص الشعبية المتواترة حول «صابون تازة» حكاية مقاومة أهل مدينة تازة للاستعمار ، حيث تم احتجزت قوات الاحتلال أحد رجال المقاومة الذي كان يعمل في ورشة صناعة صابون تازة الشهير في ربوع المغرب. وسبب ذلك في خروج أهل تازة نحو الثكنة حيث تم سجن المقاوم التازي بداخلها مما أربك الضابط خوفا من انطلاق شرارة المقاومة ضد الاحتلال. ومن اجل كبح تلك الاحتجاجات اعتمد على دهائه بالقول إن سبب اعتقال صاحبهم التازي كان من اجل امتناعه عن صناعة صابون تازة المعروف بجودته لسيدة فرنسية سبق له أن قدم لها وعدا. ومن اجل إطلاق صراحه يتعين إحضار صابون تازة الحقيقي. وكان له ما طلب. تم إحضار عدة أكياس تحتوي على أجود صابون في تازة. لكن الضابط فاجأ الحضور أنه يتوفر على وثيقة نادرة مكتوبة بخط إمام معروف تقول إن صابون تازة الحقيقي له مواصفات خمس: يمنح لمستعله الراحة، يلمع الشعر، يدواي الأمراض الجلدية، يقاوم التعفنات الجلدية ويطيل الشعر بشكل عجيب. هكذا اشترط أن يقوم بتجريب الصابون خلال ثلاثة أيام قبل إطلاق سراح صاحبهم. رجعوا بعد ثلاثة أيام، فقدم لهم الضابط سيدة فرنسية لتقول لهم إن الصابون ليس صابون تازة. غضب البعض منهم وحرض على المقاومة، والبعض الآخر قال بضرورة احترام العهد. ومع مرور الأيام شعر سكان المدينة بالخيبة بكونهم تسرعوا في إعطاء الوعد بشكل متسرع دون تفكير. تم تقديم أحسن صابون بالمنطقة لكن دون جدوى إلى أن ذهلوا بخبر وفاة صاحبهم في المعتقل وان السبب كان عدم تقديم صابون تازة الحقيقي. لكن وفاة المعتقل في الحقيقة ليس بسبب «صابون تازة» بل في الشروط التعجيزية. أما رواية «صابون تازة» فيقول صاحب الرواية الأصل الأكاديمي إبراهيم الحجري إنها تحليل مفارقات صارخة يعج بها الواقع ليرسم بشاعته على الشخصيات والأفضية عبر الزمن النصي في ارتداداته بين الماضي والحاضر والمستقبل، مصورة العالم بشكل درامي مؤلم. حيث يرحل البطل بعد هوس مقيم رسخه لديه والده الراحل الذي كان يتحدث له بصورة هجاسية عن منطقته الأصلية «كطرينة» التي أحرقها المستعمر بعد أن رفض أهلها الخنوع لعنجهيته وخططه الاستبدادية، فكان والده رفقة صديقه عباس الناجيين الوحيدين من المحرقة هاته. وفي طريقه إلى البحث عن هدفه الهوسي، تتشعب الأحداث والوقائع لتفتح للرواية آفاقا جديدة لبناء المحكي، إذ تظهر شخصيات جديدة بأسئلة جديدة وهموم أخرى، وتنعطف المحكيات صوب بؤر أخرى مقصودة غايتها تسليط الضوء على العالم البدوي بإكراهاته وصور الحياة فيه التي تختلف كليا أو جزئيا عن الحياة العامة في المدينة التي قدم منها البطل- الراوي ليكتشف المنطقة التي بات والده، طيلة عمره، مهووسا بها حتى إنها كانت سببا في مرضه ورحيله إلى العالم الآخر. ولم تكن هاته الرحلة التي قام بها البطل سوى خطا متقطعا للسرد تكاد تكون ثانوية، لينفتح هذا الخط على غدران أخرى تكاد تكون رئيسية بالرغم من هامشيتها في المحكي، حيث يستغل الرواة الفرصة للتدخل ونقد الأفكار والممارسات وتوصيف الواقع وما يحبل به من عوالم متداخلة يغلب عليها الطابع المأساوي. فيتم انتقاد زيف القيم، وتهافت الناس على الماديات، وتخليهم عن المبادئ الإنسانية التي لم تعد سوى قناعا لقضاء بعض المآرب وكسب ثقة الآخرين، وفساد العمل السياسي، وانتفاء الروح الوطنية، وانتشار الفساد، وتفكك الأسرة، وتمسك الناس بثقافة الشعوذة، وهيمنة وسواس الجنس على الفرد… كل ذلك ورد، بشكل ضمني، عبر المحكي ملحوما بنكهة تبديل الرواة وتحول مسارات الشخوص، والابتعاد النسبي للكاتب الفعلي عن عرش الحكي، مانحا الحرية للشخوص والرواة معا في التعبير والتعليق والصراع، الشيء الذي جعل الواقع يتحرك في النص عبر صورة حية أقرب إلى الواقع الحقيقي، لكن وفق منظور لا يتأتى للمتلقي إلا عبر نسجه بإدام المتخيل الشعبي والثقافي. لكن المحكي الغالب على النص والمميز له هو ذلك الملحق الذي أورده أحد الرواة معتبرا إياه مذكرات سجلها إبان تتبعه لشخصيته المروى عنها، وهي عبارة عن بورتريهات سجلها حول مجانين يقيمون بأضرحة متفرقة طالبين الاستشفاء والغوث من سيد الضريح والزاوية، كي يعينهم على طرد الجني الذي يسكن أجسادهم: نساء ورجال يعيشون دراما حقيقية تبعث على الغثيان. حقا سيضطر القارئ معها لشد بطن من الضحك، وقد يحتاج لمنديل كي يجفف دموعه حسرة على الحياة البئيسة لهؤلاء وأقدارهم التعسة. وفتح هذا الملحق المجنون كوات أخرى لتشعب المحكي الروائي. فكل بورتريه يعرض قصة مستقلة لها فضاءاتها وشخوصها ومنعطفات تحولاتها الدرامية. ومع ذلك، فالنص يلحم كل هذه المعطيات بشكل واع ويجعلها قنوات يصب بعضها في البعض الآخر مؤدية مغزى واحد ورسالة واحدة، ومقدما نمطا في الكتابة الروائية التي تنتقد الواقع بصورة مبطنة عبر التشخيص والسرد والتوصيف المفارق.