" أهل مكة أدرى بشعابها".. هي واحدة من بين أشهر المقولات المتداولة داخل المجتمعات العربية ، قديما وحديثا ، ويشير معناها إلى أن "الوافد إلى مكة كان يجد صعوبة في الولوج إليها والتعرف على شِعابها بسبب وعورة تضاريسها، لكون الجبال تحيط بمكة من كل جانب مما يجعل الغريب عنها عرضة للتيه وربما الهلاك، بخلاف أهلها الذين يعرفون بلدتهم جيدا". مقولة لا شك أن المتأمل في فقرات " الاستطلاع "، الذي أنجزه الزميل أحمد مسيلي ، حول وضعية " مجزرة .. سيدي بنور " ونشرته الجريدة في عدد يوم الجمعة الماضي " 22 شتنبر 2017 الموافق فاتح محرم 1439 " بالصفحة السابعة ، وبالضبط الفقرة المتضمنة لتصريح أمين الجزارين ورئيس جمعية بائعي اللحوم بالتقسيط بالمدينة، لاشك أنها – أي المقولة – ستداهم ذهنه فارضة عليه التأني وعدم الإسراع في القراءة . يقول أمين القصابة : " المجزرة تدر مداخيل كبيرة على صندوق المجلس البلدي ، غير أنها لا تنعكس عليها من حيث النظافة و التنظيم و الصيانة و التقويم ، فالمجزرة تفتقد للوادي الحار، و هو ما يشكل عائقا كبيرا في التخلص من الدماء و النفايات و المياه المتسخة و العفنة ، فمحيطها تعمه الأزبال من كل مكان مع انتشار الكلاب الضالة و الحشرات الضارة و الروائح الكريهة التي لا تطاق ، صبيب المياه جد ضعيف و لا يفي بالمطلوب ، أماكن بيع اللحوم بالتقسيط متعفنة و لا تستجيب لشروط السلامة الصحية نظرا لوضعيتها الكارثية ، مكتب الطبيب البيطري يتحول ، بين الفينة و الأخرى، إلى مكان للمعربدين و المتشردين و قطاع الطرق ، نظرا لغياب الحراسة و المراقبة المستمرة لها … ". وبخصوص موقف "الجهة المسؤولة" على الصعيد المحلي تجاه هذا الوضع "غير الصحي"، أضاف المتحدث أنه سبق "عقد عدة لقاءات مع الرئيس الحالي للمجلس البلدي قصد النظر في وضعية المجزرة الكارثية، بكل المقاييس، لكن دون جدوى"، "و كأن سلامة المواطنين في مالهم و صحتهم لا تعني المسؤولين في شيء؟" ، يتابع المستجوب متسائلا . قبل أن يختم تصريحه بما يشبه دق ناقوس التنبيه " لذلك فالجمعية، بكل أعضائها، قررت خوض مجموعة من الخطوات النضالية في المستقبل القريب، إذا لم تستجب رئاسة المجلس لمطالب الجزارين، و أول هذه الخطوات الامتناع عن الذبح لمدة شهر … ". شهادة تجعل المنشغل ب" أحوال الناس " ، بمختلف المدن والقرى، يطرح بعض الأسئلة " الثقيلة " ، من بينها : إذا كان "الناطق باسم الجزارين" بهذه المدينة ، يتحدث عن قلق المهنيين من انعدام شروط السلامة الصحية الضرورية لإنجاز عمليات ذبح سليمة ، فماذا يمكن للمواطن – المستهلك، بالنفوذ الترابي لهذا الإقليم الفلاحي، أن يقول، هو الذي تتغذى بطنه من لحوم "الكرنة" المغضوب على رداءتها ؟ كيف للشعور بالإطمئنان أن يجد طريقه إلى قلبه وهو يقرأ مثل هذا التصريح، أو تصل إلى مسامعه أصداؤه المقلقة ؟ هذا وينبغي التذكير أن وضعية مجزرة سيدي بنور ، المستشهد بها هنا، ليست الوحيدة في مجال النقائص البنيوية، ولا تشكل "قتامتها" استثناء ، ولكن "أخوات" عديدات لها تشكل أوضاعها مبعث خوف وخشية على مصير الصحة العامة ، سواء في المجال الحضري أو القروي ، وهي الحقيقة المرة / الفاضحة ،التي سبق أن وقف عليها قضاة المجالس الجهوية للحسابات في أكثر من منطقة، وذلك "بناء على مهمات المراقبة" التي أنجزها هؤلاء القضاة " ، و "التي شملت 70 مجزرة جماعية عبر مجموع التراب الوطني خلال الفترة الممتدة ما بين سنتي 2007 و 2015 ، وعلى ضوء خلاصات هذه المهمات " أعد المجلس الأعلى للحسابات، بشراكة مع المجالس الجهوية للحسابات، مذكرة استعجالية للرئيس الأول حول تدبير المجازر".و "قد وقفت المذكرة الاستعجالية، التي تم إنجازها طبقا لمقتضيات المادة 11 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، وتوجيهها إلى السيدين وزير الداخلية ووزير الفلاحة والصيد البحري، على النقائص التي تعتري جودة التدبير والظروف الصحية المحيطة بأعمال الذبح وتوزيع اللحوم ، كما أكد المجلس من خلالها على الحاجة الملحة إلى اتخاذ التدابير المناسبة لمعالجة أوجه القصور وتصحيح الاختلالات التي تم رصدها". مذكرة استعجالية تضمنت توصيات بضرورة التحرك العاجل لتفادي اتساع دائرة الخطر المحدق بصحة المستهلكين للحوم 70 مجزرة ، تحريات وتحقيقات بوشرت في أكثر من إقليم ، ومع ذلك تصر "الجهات المستفيدة" من إبقاء الوضع على ما هو عليه من "أوساخ"، على "ضرب" شروط السلامة الصحية عرض الحائط أمام مرأى ومسمع الجميع؟