خصصت مجلة «ليزين نوفيل» (المصنع الجديد) الفرنسية ملحقها الصادر ابتداء من 26 يونيه الماضي, لصناعة الملاحة الجوية المغربية و التحديات التي تواجهها. وقد نشرت المجلة الفرنسية ملحقها ذاك في سلسلة من خمس مقالات حول الموضوع ارتأينا ترجمتها تعميما للفائدة. مصنع من 400 أجير «هذا بالنسبة لنا قفزة تكنولوجية حقيقية» يقول السيد حُسني فايق مبتسما أمام آلة نصف أوتوماتيكية يتحلق حولها بعض العاملين. ينظر مدير برامج «ماروك أفياسيون»، و هي شركة مملوكة مائة بالمائة ل»سوجيرما» التابعة لمجموعة «إيرباس»، بارتياح لهذا الاستثمار الجديد: فالشركة تستعد لإنتاج قطع غيار للطائرة «أ 321». ويعد هذا نموا مهما لهذا المصنع ذي الأربعمائة أجير، المتخصص في القطع المعدنية و غير الفلزية لحساب الشركات الكبرى مثل «إيرباص» أو «أ تي إر». وقد حقق، سنة 2013، رقم معاملات يقارب 300 مليون أورو. فالمصنع، الواقع بالنواصر قرب مطار الدارالبيضاء، يستجيب للوتيرة التي تفرضها «إيرباص» و هو يطمح إلى إنتاج قطع الغيار هاته بما يكفي لإثني عشر «أ 321» شهريا حتى عام 2016. لهذا فقد تحولت الشركة التابعة ل»سوجيرما» إلى السرعة الأعلى بتشغيلها و تكوينها لبعض العاملين كي تبقى داخل هذا السباق المحموم للملاحة الجوية. وهاته الشركة ليست الواحدة التي تراهن على المغرب: فشركة «بومباردييه» الكندية ستفتح مصنعا لها في نهاية 2014، بالمنطقة الحرة «ميدبارك» بالنواصر تستثمر فيه 200 مليون دولار. و من المقرر أن تشغل فيه سنة 2020 ما يناهز 850 أجيرا. فيما تتحدث بعض الإشاعات عن نية الشركة البرازيلية «إمبراير» في الاستقرار بدورها في المملكة. وهناك أمثلة أخرى، مثل الشركة الفرنسية «سوريو» التي تعتزم توسيع مساحة مصنعها في طنجة ب40 بالمائة وتشغيل 100 شخص مع نهاية سنة 2015. كما أن مجموعة الألمنيوم الأمريكية «ألكوا» ستقوم بالاستثمار في «ميدبارك» بأربعة ملايين أورو، كما ستقوم «أوراش الغارون العليا» (أتولييه أوت غارون) باستثمار في نفس الموقع من أجل بناء مصنع يشغل 200 أجير. قطاع ذو أولوية يكفي أن تذهب للمغرب، خاصة في أبريل خلال معرض مراكش الجوي، كي تشعر بالإرادة الشرسة للمملكة من أجل التموقع كفاعل للمناولة في مجال صناعة الملاحة الجوية العالمية. فحاجيات صانعي الطائرات مثل «إيرباص» و«بوينغ» لا تني إلا ازديادا مع مرور الوقت. فيما يبزغ المغرب كأرض استقبال تنافسية في الصناعة الجوية و هي قطاع من القطاعات ذات الأولوية في مخطط «إقلاع» الصناعي. ففي 2001، كان القطاع يضم حوالي عشر مؤسسات فقط تشغل 300 أجير، أما اليوم فإنه يضم أكثر من مائة شركة بالدارالبيضاء و كذا بطنجة والرباط، تقوم بتشغيل حوالي تسعة آلاف شخص. فالقطاع يحقق مليار دولار كرقم معاملات و يتمتع بدينامية شديدة. وحول هذا الموضوع يقول حميد بنبراهيم الأندلسي وهو رئيس مجموعة الصناعات المغربية الملاحية والفضائية (جيماس): «نأمل مضاعفة حجم القطاع مع حلول سنة 2020...فالنمو قد وصل في السنوات الأخيرة إلى 15 بالمائة سنويا, كما أن أكثر من 70 بالمائة من شركات القطاع يقل سنها عن خمس سنوات». كما أن لائحة الشركات التي ترى في هذا البلد المغاربي قبلة لها لا تني تزداد عددا مثل : «إيرباس غروب» و«سافران» و «داهر» و «زودياك» و « ميكاكروم» و»نيكسانس» و «سوريو» و «ليزي»... المغرب لفرنسا مثل المكسيك لأمريكا تسعون بالمائة من الشركات المستقرة بالمغرب في هذا القطاع تنحدر من شركات فرنسية أو ثمرة شراكة بين فاعلين مغاربة و فرنسيين يصدرون منتوجاتهم إلى المصانع الفرنسية. يقول فؤاد العطار وهو نائب رئيس «إيرباس» للشرق الأوسط : «إن المغرب بالنسبة لفرنسا مثل المكسيك بالنسبة للولايات المتحدة» أي قاعدة خلفية تنافسية و قريبة، فالارتباط بين المغرب و أوربا يتم بسهولة برا بواسطة الشاحنات. ما هي الوصفة المغربية؟ ببساطة هي الدعم المالي للشركات و إنشاء مناطق حرة (طنجة، النواصر...) إضافة إلى بذل جهود في التكوين المهني. بهذه الطريقة نجحت السلطات العمومية المغربية في جلب الاستثمارات. وبالرغم من أن المغرب يُعد أغلى من تونس، فإن كلفة العمل، أكثر قليلا من 300 أورو شهريا في المتوسط، تبقى هي الأفضل. إلا أن المغرب لا يمكن أن يركن للراحة، لأنه لا يخوض السباق وحيدا في مجال المناولة في هذا القطاع. فبالإضافة إلى المكسيك، هناك دول مثل تركيا وماليزيا وسنغافورة وفيتنام وتونس، عرفت موجة التصنيع خلال العقد الأخير، وهي تريد حصتها من الكعكة. غير أن نجاحات الأمس ليست هي نجاحات الغد. إذ يلخص»غويوم روشار» المسؤول العالمي للملاحة الجوية والدفاع والأمن داخل مكتب الدراسات «بي دابليو سي» الوضع بقوله : «مسألة المستقبل هي معرفة ما إذا كان المغرب سينجح في صنع منتوجات أكثر تعقيدا... وخصوصا ما إذا كان المُقررون الكبار في العالم يرغبون في ذلك» حول هذه النقطة يقول فؤاد العطار «في البداية، كان الصناعيون ينتجون بالمغرب قطع غيار بسيطة وصغيرة. لكنهم الآن يتحولون إلى مرحلة تجميع قطع و آليات أكبر» والمثال على ذلك هو شركة «نارسيل» و هي فرع من مجموعة «سافران»، التي تتخذ من الدارالبيضاء موقعا لها حيث تنتج مكونات محركات طائرات من آخر صيحة تكنولوجية, كما أن أطرها المغربية تقوم بتكوين تقنيين...صينيين حتى. فالمغرب يهدف إلى جودة مماثلة لجيرانه الأوربيين. فنحن ، يقول «جون ماري ديجاردان» المدير العام ل»أ إس إم أيرو» ، نقدم في مصنعنا المغربي نفس مستوى الجودة التي نقدمها في مختلف مصانعنا الأوربية» وفي هذا السياق سيتم تكوين حوالي 15 شخصا هذه السنة كي ينضموا للخمسين أجيرا في الشركة المغربية، التي سيمر رقم معاملاتها من 40 ألف أورو سنة 2012 إلى مليوني أورو سنة 2015 . سلسلة محلية للتطوير لا يريد المغرب أن يكون قوسا داخل السلسلة الإنتاجية الطويلة لصناعة الملاحة الجوية. يقول «جون بيير دينو» مدير مصنع «ميكاكروم» بالمنطقة الحرة بطنجة : «نريد اختزال عمليات الذهاب والإياب إلى المواقع الفرنسية، لذا ينبغي تطوير كفاءاتنا هنا بطنجة حيث يتم التجميع» ولهذه الغاية تم إطلاق برنامج تكوين للمناولين للوصول سنة 2015 إلى إنتاج محلي في معظمه. وهذا يطرح سؤالا يفرض نفسه : متى يتم تصنيع أول طائرة بالكامل في المغرب؟ بالنسبة للشركات الكبرى في صناعة الطيران ليست المسألة على جدول الأعمال ، أما بالنسبة ل «إل أش أفياسيون» فالأمر ...وشيك. فهذه الشركة الفرنسية المتوسطة تستعد لإنتاج طائرتها الأولى المصنعة بالكامل في المغرب، «إل أش 10 إم» و هي طائرة بمقعدين خاصة بالتكوين والمراقبة، في مصنعها المتواجد بمنطقة «أيروبول» الصناعية بالنواصر. يقول «كريستوف ريمي» رئيس مجلس إدارة «إل أش أفياسيون»: «نعتزم بعد أربع سنوات تصنيع 80 طائرة سنويا، فسنستثمر 15 مليون أورو ونشغل في المرحلة الأولى حوالي مائة شخص» غير أن هذا التصنيع لا يشمل المحرك والأنظمة الإلكترونية التي سيتم استقدامها من فرنسا. فاستراتيجية الشركة هي استخدام المغرب كقاعدة إنتاج للسوق الإفريقية و المغاربية خصوصا، بيد أن هذه المبادرة تشكل الاستثناء. الدولة المغربية أكثر من كريمة تؤكد سعاد لمعلم وهي ممثلة الاستراتيجية الإفريقية بشركة «بومباردييه» الكندية، أن مصنع «بومباردييه» بالدارالبيضاء سيفتح أبوابه في الربع الأخير من العام الحالي. وسيشغل هذا المصنع 850 أجيرا مع سنة 2020, في حين أن حوالي مائة أجير يعملون حاليا في إنتاج قطع غيار يتم تركيبها في طائرات تطير حاليا. فسعاد لمعلم أو «السيدة إفريقيا» التي ولدت بالمغرب قبل أن تواصل دراستها في مونريال ,هي التي دفعت الشركة الكندية إلى الهبوط بالمغرب. ففي زيارة خاصة لها بالمغرب زارت مصنع «إيرسيل» بالنواصر حيث فوجئت ب»مستوى» المصنع، فاقترحت المغرب على المجموعة التي كانت تسعى إلى محل رخيص لصناعتها يكون قريبا من أوربا. وقد ترددت المجموعة كثيرا قبل أن تفضل المغرب على تركيا وذلك بفضل كرم الدولة المغربية. فالمجموعة كانت تخطط لاستثمار 220 مليون دولار في المصنع تشكل المساعدة العمومية له حوالي 20 مليون دولار.إذ سيتم إعفاء المصنع من الضرائب لمدة خمس سنوات, ثم يستفيد بعد ذلك من معدل 8,75 بالمائة، علاوة على مساعدات في المجال العقاري وفي الاستثمار والتكوين. وسيشكل افتتاح مصنع «بومباردييه» بالمغرب حدثا في هذا القطاع، إذ من شأنه إغناء المحيط الاقتصادي ومضاعفة فرص الأعمال. وسينتج المصنع، الذي سيمتد على 14 ألف متر مربع، أدوات ميكانيكية ومجموعات لأجنحة طائرات كان يتم إنتاجها لحد الآن في بلفاست. لذلك فبالإضافة إلى الأطر الكندية, فإن خبراء إيرلنديين يشاركون في تكوين التقنيين المغاربة. ويشكل هذا المصنع وسيلة لغرس هذه الشركة في إفريقيا. فحسب سعاد لمعلم, فإن «بومباردييه» تقدم طائرات جهوية جيدة لإفريقيا سواء من حيث الملاءمة مع الأجواء الإفريقية أو من حيث الاقتصاد في استهلاك الوقود. فهل تستجيب شركة الخطوط الملكية المغربية لهذا الإغراء؟