علاقة إيران بالإخوان المسلمين في المنطقة العربية تصب في البوتقة نفسها، أي أن الإخوان يمثلون الامتداد الإيديولوجي والسياسي لرؤية إيران القائمة على الهيمنة وتوسيع دائرة القوة لمزيد الضغط على إسرائيل وأميركا والغرب عموما لصالح مشروعها النووي ولتكون طهران رقما قويا في المعادلات الدولية. استطاعت الحركة الإسلامية المسلحة حماس أن تنشئ لنفسها مكانة إعلامية ونفسية لدى الرأي العام العربي والدولي وذلك بحكم القوة الميدانية التي اكتسبتها نتيجة ارتباطاتها الإقليمية مع العناصر التي لها مصلحة في التدخل في القضية الفلسطينية وعلى رأس هذه العناصر الإقليمية إيران. وقد كشفت الأحداث الأخيرة في غزة مدى الترابط الإيديولوجي والمصلحي الذي يربط حماس الإسلامية بإيران وحزب لله (إسلام سياسي في مجمله)، وذلك رغم موقف حماس، كسائر الحركات الإخوانية، من الأحداث في سوريا، والذي وصل حد الحديث عن مشاركة عناصر حمساوية في قتال النظام السوري. ورغم ذلك لا تزال إيران وحزب الله يناديان بمواصلة دعم الحركة وتبني مواقفها. بعد سقوط جماعة الإخوان المسلمين سريعا من سدة الحكم في مصر على وقع اندفاع شعبي قوي، استنفرت كل التنظيمات الدولية التابعة للإخوان لضخ الدماء في الجسد الأم. وتعتبر حركة حماس من بين تلك التنظيمات الإخوانية التي سعت إلى تحريك الوضع وكسب تعاطف جديد مع الإخوان، خاصة في غزة التي عانت من قصف الاحتلال وجرائمه نتيجة استدراج «محسوب» من قبل حماس حتى تتمكن من استرجاع مموليها السابقين (إيرانوسوريا وحزب لله) بعد أن فشل التبني القطري في الإحاطة بها. غزة ضحية حسابات حماس يؤكد خبراء في السياسة العربية أن التوقعات المتواترة لزيارة قريبة لخالد مشعل مدير المكتب السياسي لحركة حماس لطهران قريبا إنما تهدف أساسا إلى تحسين العلاقات بين حماس ومحور إيران وحزب لله، وهو المحور الذي انفرط عقده نتيجة حسابات خاطئة لحماس تجاه المسألة السورية وانخراطها في اللعبة الإخوانية الدولية التي كانت تهدف إلى إسقاط سوريا في يد الإسلاميين مثلما حصل في أغلب دول ما يسمى بالربيع العربي. تهدف سياسة الحركة إلى فك العزلة عن حركة الإخوان المسلمين المصرية عبر إعادة قوى إقليمية معادية إلى مجريات الأحداث الفلسطينية وتشير تقارير إلى أن الضغوط الإقليمية التي تمارسها بعض الدول على حماس من أجل وقف إطلاق النار، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المدنيين والمنشآت والبنية التحتية لقطاع غزة كانت وراء إعادة اتجاه الحركة إلى طهران، استنجادا من هذه الضغوط، وطلبا لدعمها سياسياً وتبني مواقف وشروط الحركة خلال حرب غزة، وأبرزها رفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع، وبالتالي فإن حماس تؤجل الموافقة على جميع الشروط الإسرائيلية للهدنة، أو الموافقة على أي مبادرات خلال الحرب الحالية في غزة، أملا في تحسين العلاقة مع إيران، وعودة الاتصال مع حزب الله، حتى يكون مكسب الخروج من الحرب الحالية في توسيع دائرة الأصدقاء والمؤيدين، والخروج من العزلة التي تعاني منها حماس منذ عزل الرئيس المصري محمد مرسي وإسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين. وبالتالي فإن رؤية الأحداث الأخيرة، التي حصلت في الجزء الغزاوي من فلسطين، توحي إلى التزام حماس بالخط الإخواني العام الذي تم رسمه بعد سقوط الإخوان في مصر، حسب اضطرارهم وخططهم البديلة. وقد أظهرت تقارير صحفية أن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، قد تلقى مؤخراً مكالمات هاتفية من طهران، وتحديدا من علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى، ومحمد جواد ظريف وزير الخارجية، ومسؤول أمني كبير في الحرس الثوري لم تذكر التقارير اسمه، حيث أشادت إيران «بصمود المقاومين في غزة ودعم شروطها لإنهاء الحرب». وقد أكد محمد السعيد إدريس الخبير في الشأن الإيراني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن مثل هذا الاقتراب الناعم من قبل إيران مرة أخرى «ليس سوى ضمانة للمدخل الذي من خلاله سوف تكون إيران حاضرة في القضية الفلسطينية وأحد أركان المفاوضات مع إسرائيل من الخلف وبشكل غير مباشر». وهو ما يؤكد آراء البعض القائلة إن أسلوب عمل جماعات الإسلام السياسي غالبا ما يأخذ طابع تبادل الأدوار والأماكن (مثل التنظيمات الجهادية الإرهابية وعلاقتها بالإخوان المسلمين). وفي السياق، تعهد الأمين العام لحزب الله حسن نصر لله، بتقديم كافة وسائل الدعم للمقاومة الفلسطينية وذلك في إطار التوجهات الإيرانية في علاقة بحماس، وتحدث نصر الله في ذكرى يوم القدس قائلا: «نحن في حزب لله نقف بجوار الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية دون استثناء، ولن ندخر جهداً أو وسيلة تمكّننا من دعم صمود الشعب الفلسطيني ضد العداون الإسرائيلي»، وقد تكون رسالة نصر لله جزءا من إعادة العلاقات بين حزب لله وحركة حماس، بعد خلافات سياسية بين الطرفين على سوريا في عام 2012، «إذ تعتبر الحركتين من بنات فضاء الإسلام السياسي بامتياز». التزام بعلاقات إيران بالإخوان استخدمت حماس علاقتها مع إيران لكسر الحصار الغربي والعربي الإسلامي، المفروض على الجماعة خلال الفترة من 1990 حتى عام 2000، لكن حماس التي هي جزء من جماعة الإخوان المسلمين، ابتعدت عن حلفائها السابقين، ووجدت فرصة لتوسيع نفوذها الإقليمي بعد صعود الجماعة الأم إلى السلطة في مصر عام 2012، حيث تعهدت قطر أن تحل محل التمويل الإيراني للحركة، ولكن بعد سقوط جماعة الإخوان، وانكفاء حماس على نفسها وتصاعد عزلتها الإقليمية، أُجبرت القيادة السياسية لحركة حماس على الانصياع إلى رأي جناحها العسكري (كتائب عز الدين القسام)، بضرورة استعادة تحالف مشترك مع حزب لله وطهران. وفي إطار تغيير المحاور (وهو سلوك تدأب عليه حركات الإسلام السياسي كي تجد متنفسا خارجيا لها بعد أن تلفظ شعبيا وداخليا)، تواجه حماس حاليا حاجة ماسة إلى الانتقال من الدوحة والعودة إلى طهران، لإيجاد بعض الخيارات التي من شأنها أن تسمح لقادة الحركة بطرق الباب في أوقات مختلفة، في محاولة لتعزيز القوة القتالية للحركة، خاصة وأن دور حزب الله وطهران في حرب غزة حاليا أضعف مما كان عليه في كل النزاعات السابقة. كما أن المبادرات السياسية لوقف إطلاق النار التي تطلقها العواصم الأخرى مثل الدوحة والرياض والقاهرة، تثير نفوذ طهران، والتي تحاول انتهاج سياسة جديدة تثبت وجودها، بدلا من أن تكون مراقبة للأحداث. وكما أن بعض آراء الخبراء المشفوعة بتقارير إعلامية ميدانية تشير إلى علاقة ما بين إيران وتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابية في شكل تمويلات أو منح لمعلومات استخبارية بغرض إيجاد ورقات التفاوض مع الغرب على حفظ السلام في المنطقة عبر إمكانية القضاء على العناصر التكفيرية، فإن علاقة إيران بالإخوان المسلمين في المنطقة العربية تصب في البوتقة نفسها، أي أن الإخوان يمثلون الامتداد الإيديولوجي والسياسي لرؤية إيران القائمة على الهيمنة وتوسيع دائرة القوة لمزيد الضغط على إسرائيل وأميركا والغرب عموما لصالح مشروعها النووي ولتكون طهران رقما قويا في المعادلات الدولية.