قضى يوم الأربعاء 16 يوليوز، مهاجر مالي يدعى «سيدو كولوبالي» (22 سنة) بغابة غوروغو بضواحي الناظور, وحسب ما كشفه الناشط الحقوقي شكيب سبايبي، هاجم الأمن المهاجرين طوال أيام الثلاثاء، الأربعاء والخميس, ما أسفر عن جرح حوالي 50 مهاجرا من جنسيات مختلفة. ومن خلال المعاينة الميدانية التي قام بها سبايبي رفقة بعض النشطاء الحقوقيين لمخيم المهاجرين بالغابة، تبين أن ممتلكاتهم، خاصة الخيام، تعرضت للحرق... يوم الخميس 10 يوليوز, اصدر المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بلاغا من بين قراراته إحياء اليوم الوطني للمهاجر، عبر تنظيم يوم دراسي بخصوص القضايا المتعلقة بالهجرة وذلك يوم 11 غشت 2014. بين الأمرين أعلاه ارتباطات عدة، أهمها قضايا الهجرة إجمالا، والهجرة بالمغرب على وجه التخصيص كواقع جديد ملتبس، لأن المهاجرين مجموعة اجتماعية على قدر كبير من التنوع, وبالتالي من الصعب أن نطلق بخصوصهم أحكاما عامة وتعميمية. إن الفهم الجيد للمعضلات يسمح بإنتاج قوانين جيدة، والفهم السيئ يفضي إلى خلق قوانين سيئة. إننا بصدد ظاهرة يصعب فك شفرتها والحديث عنها، وإذا كنا نذهب في اتجاه «الأشياء» مسلحين ب «علامات» ... قناعة بدونها تكون المعرفة مستحيلة، وإذا كانت من الخصائص المميزة للظواهر في مرحلة تشكلها، انعدام التعابير والرموز, أي انعدام الحقل الدلالي المرجعي الذي يسمح بتسمية الوضع الجديد. فإن التساؤل بخصوص الهجرة يعاني من الفقر النظري، ضحالة المقاربات، خفة المعالجات واستسهال الأحكام... ما يفسح المجال أمام الفقر المعرفي والسطحية، والتضخم السياسوي واللغو الايديولوجي. تسمح الملاحظة كتقنية سوسيولوجية إبراز كيف أن استقرار المهاجرين من دول جنوب الصحراء، يدخل في دائرة التحولات التي تطبع المجتمع المغربي ومدى تأثيره على نسق التمثلات الاجتماعية وأنماط السلوك والمعايير التي يركن إليها المجتمع. إن الثقافة السائدة، ستجد نفسها وجها لوجه ودون سابق إنذار مع وضع جديد: واقع المغرب الذي عرف التحول الجذري والسريع من مجتمع للإرسال إلى ارض للاستقبال والاستقرار. فبخلاف فرنسا وانجلترا التي تتعايش منذ عقود مع ظاهرة الهجرة، بدأ المغرب يعرف استقرار - ومنذ زمن يسير- مهاجرين في غالبيتهم من دول جنوب الصحراء تاركين وراءهم بلدانهم، عائلاتهم، وثقافتهم... يعيشون في جماعات غير مهيكلة وفي ظروف قاسية. إن محاولة « التأسيس» لحديث/ خطاب حول الهجرة، يعني فيما يعنيه، ان نروم التحدث إيجابيا عن الهجرة والابتعاد عن النظرة السلبية لها، أي ضرورة مغادرة تصوراتنا لأرضية الأحكام المسبقة والصور النمطية، في اتجاه إنتاج مفاهيم وبراديغمات جديدة تعوض التعابير القديمة . الحديث ايجابيا عن الهجرة هو قبل كل شيء تفكير ايجابي بخصوصها. فالمغرب جسر بين الجنوب والشمال وميزته كونه ذلك الخليط من جنوب وشمال. إن التحول السريع للمغرب إلى دولة مستقبلة للمهاجرين يمكن اعتباره نتيجة مباشرة لما سنته الدول الاوروبية من قوانين للحد من تدفق المهاجرين على أراضيها، او للتقليص من أعدادهم على الأصح، والى القيام بمبادرات تنموية وتقديم مساعدات متنوعة لبلدان الإرسال لتكون طرفا فاعلا في هذا المجال. لا يمكننا الحديث ايجابيا عن الهجرة، إلا عندما نرفض الانغلاق، وإغلاق الباب في وجه الآخر، فحسب عالم الاجتماع الفرنسي ألان تورين ALAIN TOURAINE ليست عملية الاندماج التي لم تعد مجدية، وإنما المجتمعات التي لم تعد ترغب في الإدماج، لأنها في خوف دائم من المهاجرين، الذين يصبحون كبش فداء، يدفعون ثمن خيبات أوروبا الاقتصادية والسياسية. من الأخطاء الفادحة، إقامة المتاريس، فأحسن الفرص توجد في الانفتاح لا في التقوقع، وهذا له عواقب وخيمة... «انظروا كم نحن بارعون في أن نكون أشرارا» هي روح سياسة « صفر تسامح» التي تعمل جاهدة على طرد اكبر قدر ممكن من الأجانب. سياسة تغفل أن كل تقوقع يقابله أخر مضاد. إن الدعاية المعادية للمهاجرين، ترسم الأجنبي كشخص خلق ليكون مجرما قادرا على السرقة والاغتصاب، واشرف المهاجرين يسرق العمل من الأهالي. ما بين 29 غشت و 2 شتنبر 2012، كانت الاستضافة المتميزة للمغرب بالدورة الأولى ل» اللقاءات غير المتوقعة» بتورني في بلجيكا، حيث قال ممثل المغرب السيد «أندري أزولاي» أنه « في محيط دولي يزدهر فيه الانطواء على الهوية وتتعدد فيه الصور النمطية للإقصاء الثقافي والديني، يجسد المغرب خيارات مجتمع يتم فيه الاعتراف بخصوصيات كل واحد واحترامها» . من جهته أكد الدكتور يوسف البحيري انه « عبر التاريخ، شكل المغرب بلدا للهجرة واللجوء وتقديم الضمانات القانونية والإنسانية للأشخاص الذين يغادرون بلادهم خوفا من تعرضهم للاضطهاد أو بحثا عن الاستقرار، وذلك بناء على ما التزم به في اتفاقيات القانون الدولي سواء اتفاقية جنيف لعام 1951 التي تحدد المعايير الدولية لمعاملة اللاجئين في مجالات التشغيل، والتعليم، والإقامة، وحرية الحركة، والوصول إلى المحاكم والتجنس، وقبل كل شيء الأمان من العودة إلى بلد يواجهون فيه خطر الاضطهاد، وكذلك باعتبار المغرب إحدى الدول الأطراف في الاتفاقية الدولية لعام 1993 المتعلقة بحماية جميع المهاجرين وأفراد أسرهم». ترك البلد وفراق الأقارب، وهجر المرجعية الثقافية ليجد المهاجرون أنفسهم في خضم ثقافة مغايرة بلغة وتقاليد أخرى وبدون مستقبل مضمون... كل هذا يجعل من - العبور- سببا في أزمات فردية عائلية واجتماعية وفترات عيش قاسية من هجرة واضطهاد. فقدر كل مهاجر هو الانتقال من ثقافة إلى أخرى وما يتبعه من معاناة الإجتثاث والانطلاق في اتجاه ثقافة مغايرة. فالهجرة صدمة، يصعب تطويعها، إذ يجد المهاجر نفسه في مواجهة ظروف عيش وشغل قاسية، تهدد توازنه الشخصي وتعرضه لأشكال السلوك العنصري الصريح والمقنع (بفتح القاف والنون). وإجمالا يصير المهاجر عرضة للصراع والعدوان والنكران والرفض لذاته، في واقع جديد غريب عليه، وبالتالي ضرورة استضماره وفي أسرع وقت لقيم وقوانين هذا الواقع الجديد: فعل دؤوب للمعرفة وفي نفس الوقت للفقر والغنى، للتملك والضياع في مواجهة « العدو» أي الحنين Nostalgie . ما لا يجب أن يغيب عن المشرع (الترسانة القانونية) هو كون المهاجرين أفرادا فارون من جحيم، الفقر والحرب والمجاعات... وأقصى العقوبات هي طردهم الى بلدانهم. وهنا تجب الإشارة إلى أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان رفع تقريرا حول وضعية المهاجرين واللاجئين بالمغرب، خصوصا بعد الدور المحوري الجديد الذي أضحى يلعبه كأرض للهجرة واللجوء في سياق التحولات الإقليمية وأثار السياسة الأمنية التي تعتمدها اوروبا لمراقبة الحدود في الضفة الجنوبية للبحر الابيض المتوسط، حيث انتقل المغرب من وضع بلد مصدر للهجرة أو بلد للعبور إلى بلد مستقبل للمهاجرين». في هذا السياق، يأتي افتتاح مكتب اللاجئين وعديمي الجنسية, أولى خطوات تنفيذ السياسة الجديدة للهجرة حيث ثمن رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان ادريس اليزمي الخطوة مبرزا ان «المغرب أكد بذلك رغبته في اعتماد هذه السياسة تماشيا مع مقتضيات الدستور الجديد والالتزامات الدولية للمملكة» وحسب اليزمي فإن إشكالية الهجرة التي كانت في الماضي تهم فقط دول الشمال، أصبحت اليوم تطال بلدان الجنوب، مؤكدا ان «المغرب بتبنيه لهذه السياسة يرقي لموقع الريادة على الصعيد الدولي». يأبى الواقع أن يرضخ لكل إرادة سياسية ونواياها الطيبة ليستمر في تنطعه على جدوى القرار السياسي وفعالية الترسانة القانونية، ليظل موت المهاجر المالي «سيدوكولوبالي» رمزا لتحدي الواقع هذا. يعتبر عبد الله بوصوف- الأمين العام لمجلس الجالية المغربية المقيمة في الخارج - « إن استقرار المهاجرين الأفارقة وغيرهم من الوافدين من مناطق أخرى بالمغرب لا يمر دون مشاكل، شأنه في ذلك شأن كل الهجرات في شتى بقاع العالم، لكن نسعى جاهدين إلى أن لا يتم استغلال المشاكل المصاحبة لاستقرار هذه الفئات على التراب الوطني في الآن ذاته، للإضرار بصورة المغرب في البلدان الإفريقية والمس بشكل سلبي بالعلاقات المغربية الافريقية». من هنا ضرورة تمنيع المغرب ضد عدوى الانغلاق والتقوقع وتعزيز انفتاحه وتضامنه على حساب كل التداولات العنصرية خطابية كانت أم اجتماعية، بالحديث إيجابيا عن الهجرة والتفكير الايجابي بخصوصها كخطوة أولى. باحث