تميزت الدورة 17 من المهرجان الوطني لاعبيدات الرما، الذي اختتمت فعالياتها يوم الأحد 15 يوليوز الجاري، بكونها تقام لأول مرة تحت الإشراف التام والمباشر للمديرية الجهوية للوزارة الوصية على الثقافة بجهة خنيفرةبني ملال، مما بدا واضحا من خلال الانفتاح على التراث الامازيغي خاصة في الفقرة التي تهم ضيوف الشرف، بعدما كان المهرجان قد كرس دعائمه وأسسه التنظيمية خلال التقسيم الجهوي السالف مع المديرية الجهوية الشاوية ورديغة، كما تميزت الدورة أيضا باعتمادها نظام الاقصائيات أمام الفرق والمجموعات المشاركة داخل تراب المملكة، خلافا للدورات السابقة حيث كان يقتصر ذلك على الفرق المحلية من التجارب الشابة، فيما تبقى مشاركة جيل الرواد والشيوخ من هذا اللون بشكل مباشر دون المرور أمام لجنة الانتقاء، ويأتي المهرجان في سياق السعي إلى صيانة هذا الموروث وإيلاء الاعتبار لجهود ثلة من الشيوخ والحفظة الحاملين لهذا الفن من خلال متونه وتعابيره الأدائية غناء وعزفا وتعبيرا ورقصا وإلى الاعتراف بالفرق الشابة التي آثرت حمل مشعل هذا الفن الأصيل وضخ دماء جديدة في شرايينه بعدما تشبعت به ونهلت من حياضه. وإذا كانت منصة خريبكة قد تأثث بمشاركة مجموعة اولاد احديدو من لفقيه بنصالح برئاسة الفنان سعيد بنور ومجموعة الزيايدة من بنسليمان برئاسة المقدم الشرقي التي تعد أكثر الفرق حفاظا على أصالة وعراقة هذا الموروث الغنائي، وبارتكازها على المحفوظ من دخائر الشيخ البيشير أحد أبرز رواد اعبيدات الرما، فإن منصة وادي زم قد عرفت مشاركة مجموعة اولاد تساوت لفن اعبيدات الرما وإحياء التراث الشعبي بقلعة السراغنة برئاسة المقدم فيصل فوزي، حيث أبانت على حضور بارز خلال سهرة اليوم الثاني لفت أنظار الجماهير الغفيرة التي غصت بها جنبات المنصة هناك، وتعد هذه النسخة رابعة مشاركة على التوالي لهذه المجموعة رغم حداثتها وفتوتها، فمنذ تأسيسها سنة 2013 استطاعت أن تفرض لها وجودا داخل الفرق والمجموعات الممارسة، فبالإضافة إلى حضورها الفعلي في هذا المهرجان كان لها حضور لافت في النسخة الماضية من موسم طانطان الثقافي، المؤتمر العالمي للمناخ 22cop بمراكش فضلا عن عدد من المهرجانات المحلية والجهوية، كما تضع آخر اللمسات على إنتاج ألبوم غنائي يرتكز على الموروث المحلي وأغان من إبداعاتها، تشتغل تحت لواء جمعية تعنى بإحياء التراث الشعبي أتمرت مجهوداتها على إعداد كتاب يعنى بفرجة اعبيدات الرما بقلعة السراغنة التجربة والامتداد سوف يرى النور قريبا، الحصول على دعم جهة مراكش أسفي لتنظيم مهرجان يهم التراث المحلي السرغيني (العيطة الحوزية، اعبيدات الرما، اللعابات والدقة…) سوف يقام شهر أكتوبر القادم برحاب دار الثقافة. وعلاوة على جانب السهرات تم تكريم خلال هذه النسخة كل من عباس الجدراوي من وادي زم، من مواليد 1929، ويعد من كبار وشيوخ وقيدومي الرما بمنطقة السماعلة، والسيد عبد القادر خبير من مواليد 1939 بقبيلة البرادية اقليمالفقيه بنصالح أحد مؤسسي مجموعة الرما اولاد علي الواد. كما عرفت الدورة أنشطة موازية تمثلت في تنظيم ندوة فكرية تحت موضوع « مكونات النسق الثقافي الوطني في تراث اعبيدات الرما « تميزت بمداخلة للدكتور عبد الفتاح شهيد تحت عنوان « قصيدة اعبيدات الرما مقاربة ثقافية « والدكتور حسن بدوح بمداخلة عنوانها « الوعي الثقافي والوطني في قصيدة اعبيدات الرما «، في حين تطرق عبد الكبير الشميطي إلى « اشتغال العلامات الثقافية في فن اعبيدات الرما» والشرقي نصراوي إلى « قيمة الوطنية في تراث اعبيدات الرما». وفضلا عن الجانب الثقافي والفكري للدورة تم تنظيم ورشة تكوينية في مجال المسرح حول تقنيات التمثيل والارتجال أطرها كل من سعيد عامل وادريس بنعويس. ويمكن التأكيد على أن المهرجان، وإن كان قد نفض الغبار منذ إحداثه سنة 2000 عن عدد من الوجوه والفرق من جيل الرواد من ممارسي هذا اللون من قبيل اولاد الكرن واولاد علي الواد بالفقيه بنصالح، واولاد المقاومة من وادي زم، اولاد سليمان بابي الجعد واولاد الخبشة من قلعة السراغنة، فإنه ساهم في انبثاق وولادة فرق وأسماء فرضت اسمها على الساحة الوطنية في الوقت الحاضر من أمثال حميد السرغيني «مجموعة الباردية «، رضوان عبيد «مجموعة اسلان» الشرقي الفوطي «الصيادة « ويوسف الصغير» نشاط الرما الصيادة». هذا، ويعد المهرجان علامة فارقة في حقل التراث الثقافي والفني أتبت جدارته واستمراريته في ساحة المهرجانات الوطنية والجهوية، وامام هذا المسار الايجابي الذي أضحى يميزه كان من الطبيعي أن يستقطب الباحثين والكتاب والمهتمين والمولعين بالفرجة والأشكال الإبداعية التراثية، وأن تنفتح جهات ومؤسسات على رعايته واحتضانه.