سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدكتور زهير لهنا صاحب الرسالة المؤثرة من مستشفى الشفاء بغزة في حوار مع الاتحاد : كنت أعتزم تقديم تدريب للهيئة الطبية الفلسطينية قبل أن أجد نفسي أقدم الإسعافات للجرحى و المصابين
لم يتصور المغاربة منذ بداية العدوان الإسرائلي على غزة، أن يكون من وقف أمام الكاميرا على الهواء مباشرة و أمام ملايين المشاهدين يصف بحزن و أسى و ملامح التعب و الإجهاد بادية عليه خلال ساعة من ساعات العدوان، يستغيث و يدعو العالم لإنقاذ غزة، أن يكون مغربيا .إذ لم تهدأ مواقع التواصل الاجتماعي من مشاركة مقطع فيديو يظهر فيه طبيب مغربي يتحدث لقناة الجزيرة الإخبارية أثناء تغطيتها للعدوان الإسرائيلي ، عن وضع مستشفى «الشفاء» الذي يتطوع فيه وعن حال الجرحى أيضا. المغاربة تعرفوا بشكل أكبر على هذا الطبيب المغربي أيضا من خلال شهاداته- التي بلغ عددها ثلاثة إلى حدود الآن- حول ما يحصل في غزة ، والتي ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي محاولا إيصالها للعالم. الشهادات نفسها كانت طريقنا للتعرف على الدكتور زوهير لهنا، الذي ورغم وقته الضيق وانشغاله في إنقاذ أرواح الفلسطنيين و إسعافهم، منحنا بعضا من هذا الوقت للتعرف عليه عبر هذا الحوار القصير. نشأ الدكتور زهير لهنا بمدينة الدارالبيضاء و فيها درس الطب قبل أن يغادر إلى باريس بهدف التخصص، هو طبيب جراح و متخصص نساء و توليد، عضو بمنظمة أطباء بلا حدود، وقد عمل مع المنظمات غير الحكومية منذ 15 عاما «في سبيل الله» ، بصفته جراحا أو أستاذا مدربا في الجراحة في عدد لابأس به من البلدان.كما شارك في العديد من العمليات الإنسانية، في أفغانستان عام 2001 في الكونغو بإفريقيا عام 2004، و عدة مرات في فلسطين بمدينة جنين بين عامي 2004 و 2006 و في غزة عقب العدوات الإسرائيلي الأول عام 2009 ثم عام 2013 أيضا. كان مرورك على قناة الجزيرة ،مصدر فخر للمغاربة الذين شاهدوك. ما قصة ظهورك ذلك اليوم على الهواء ؟ خلال ذلك اليوم؛ كانت جميع وسائل الإعلام تحاول استطلاع الأوضاع في المستشفيات بعض الضربة الشنعاء للعدوان الإسرائيلي التي استهدفت بالخصوص ذلك اليوم حي الشجاعية شرق غزة والتي راح ضحيتها أكثر من 70 شهيدا بالإضافة إلى مئات الجرحى التي امتلأت بهم المستشفى ، وباعتباري كنت أحد الطواقم الطبية غير الفلسطينية فقد كان مروري على الهواء مباشرة خلال إحدى تغطيات قناة الجزيرة يوم الأحد 20 يوليوز، بمثابة شهادة صادقة حول ما يحصل من عدوان في حق الفلسطنيين الذي عانوا كثيرا منذ بدأ جريمة الحرب هذه ، كما أن ظهوري أيضا كان لوصف وضع المستشفى الذي أتطوع فيه ، و النقص الذي يعاني منه في الجانب المتعلق بالكوادر الطبية، خاصة و أن عدد مهمًّا من الكوادر الفلسطينية لم تلتحق بالمستشفى بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة التي منعتهم من القدوم ودفعتهم للبقاء مع عائلاتهم ، ناهيك عن الأطباء الذين ظلوا عاليقن في سيناء بالجانب المصري، وقد دعوت حينها السلطات المصرية السماح للأطقم الطبيبة الأجنبية بالدخول إلى قطاع غزة لتقديم المساعدة داخل المستشفيات. حدثنا عن مشهد مستشفى «الشفاء» الذي تتطوَّع فيه خلال مجزرة الشجاعية ؟ خلال مجزرة الشجاعية؛ كانت تتوافد علينا أعداد كبيرة من سكان هذا الحي. من النساء والأطفال والشباب الذين اتخذوا من الحديقة الصغيرة للمستشفى مكانا للنوم و الاحتماء من الاعتداءات الإسرائيلية اليومية. فجل لعائلات التي غادرت منازلها تحت سيل القنابل لم يكن معها غير القليل ، من مساعدات المحسنين الذين يوزعون طعام الإفطار والسحور.. أتخيل الآن فقط مآل هذه الأسر المشردة بعد انتهاء هذا العدوان. خلال الأيام الأخرى التي سبقت أو تلت مجزرة الشجاعية في المستشفى؛ عندما كنا نتأكد من دنو أجل أي شخص، نعلم حينها أنه لم يعد في وسعنا القيام بأي شيء. لحظتها ينتابنا نحن الأطباء حالة من الغضب واليأس .. قبل أن نزيل الأنابيب الملفوفة حول جسد المريض الذي ينتقل إلى جوار ربِّه شهيدا. بعدها مباشرة يدخل المصورون لالتقاط صور وفيديوهات تنقل حجم المعاناة إلى العالم بأكمله. تقول في شهادتك الثانية أن الخوف بدأ يتسرب للفرق الطبية في مستشفى الشفاء بعد قصف مستشفى ثان وسط غزة كيف ذلك ؟ نعم؛ فبعد زوال يوم الإثنين 21 يوليوز 2014، وعندما كنا نتحدث مع رئيس قسم الأمومة بمكتبه، تلقينا خبر مقتل أربعة فلسطنيين وجرح آخرين جراء قصف إسرائيلي لمستشفى الأقصى وسط غزة بالقنابل. بعد ذلك بدأ الهلع و الريبة تظهر على وجوه الفرق الطبية بمستشفى الشفاء بعد أن شغلهم التفكير في مصير زملائهم من الأطباء العاملين في مستشفى الأقصى، ناهيك عن التفكير أيضا في كون العدوان الإسرائيلي لم يعد يستثن أي مكان داخل غزة حتى و إن كان مستشفى. في رسالتك الثانية التي كتبتها عن الوضع في غزة قلت إنك وصلت ، أياما قليلة بعد بدء العدوان الإسرائيلي، كيف وصلت ؟ نعم وصلت إلى غزة يوم الأحد 13 يوليوز، أياما قليلة بعد بدء العدوان التعيس. وصلت رفقة الدكتور النرويجي الشهير الآن «مادس غيلبير» وطبيبين آخرين فلسطينيين من أوروبا : عبدو عرب من النرويج أيضا، وعابدين من انجلترا. فبعد يومين من الانتظار فقط أمام صعوبات عبور سيناء، -التي أصبحت منطقة عسكرية-، أسعفنا الحظ بدخول قطاع غزة عبر معبر رفح. وحسب علمي، فإننا الأطباء الأجانب الوحيدون حينها القادمون من الخارج بعد بدء العدوان الإسرائيلي الذين استطاعوا دخول غزة. أما باقي الزملاء الذي التحقوا لتعزيزنا فمازالوا ممنوعين من الدخول. لكن ما سبب قدومك إلى غزة ؟ كنت أعتزم تقديم تدريب للهيئة الطبية الفلسطينية، في شهر غشت القادم، حول تنظير البطن أو الحوض وجراحة الحوض بمستشفى رفح. ولكن هجوم الجيش «الصهيوني» لم يترك لي فرصة قضاء رمضان هادئ ولا أن أقدم المساعدة المرتبطة بمجال تخصصي وخبرتي لفائدة الأطباء الفلسطينيين. وبسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، أصبحت بحكم الواقع، مسعفا متعلما أحمل الجرحى، وأنظف الجراح، وأنزع بل وأمزّق الملابس من أجل الوصول للجسد الشهيد ومعالجته. في المستشفى الدولي الأوروبي الشفاء، أبحث يوميا عن بقايا قنابل استقرت في أحشاء الأطفال . كتبت رسالة أولى و ثانية مؤثرة حول ما يحدث في غزة. قتلى و جرحى من الأطفال و الشباب ... ما أكثر المشاهد التي أثرت فيك ؟ وهل الوضع أصبح أفضل الآن مقارنة بتاريخ كتابة الرسالة ؟ بالنسبة لي، كان يوم مجزرة الشجاعية الأكثر تأثيرا في نفسيتي و الأكثرا بشاعة ودموية، لن أنسى أبدا تلك الطفلة الفلسطينية ذات الست أو سبع سنوات التي قدمت إلينا من وسط ركام منزلها المنهار على جسدها الصغير، المليئ بعدد من الإصابات و الكدمات. فرغم محاولات الأطباء داخل العناية المركزة إسعاف الطفلة،إلا أننا لم تنجح في إبقائها على قيد الحياة. أتذكر تلك اللحظة جيدا،عندما صرخ طبيب من فريق عملنا بالمستشفى -حينما دخل أحد المصورين الفوتوغرافيين لالتقاط الصور - «التقط .. التقط الصور و دع العالم يرى و يعرف حجم جرائم إسرائل البشعة». هل تفكر بمغادرة غزة قريبا ؟ لا لن أغادر غزة إلا عندما تنتهي هذه الحرب، اللَّهم إذا حصل لي شيء لقدَّر الله، فإني سأظل هنا للأبد. هل تود تبليغ رسالة لأحد ؟ للأطباء في العالم أو المغرب مثلا ؟ أعلم أن أغلبية المغاربة سواء كانوا أطباء أم لا، عندما يتابعون الصور القادمة من هنا، يتمنون المجيء أو على الأقل تقديم أي شكل من أشكال المساعدة. القدر مكَّنني من التواجد بغزة في هذا الوقت رفقة إخوتي الفلسطنيين، لمعالجتهم ومواساتهم ولإظهار مدى الحب و التضامن الذي يكنه المغاربة لهم، والذين يرفضون وينددون بالظلم الحاصل هنا من طرف الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه المستمر على شعب فلسطين المؤمن و المقاوم .