كل من تعرف إلى الكاتب والناقد محمد أنور المرتجي وزوجته الكاتبة والسياسية رشيدة بنمسعود، يفهم أن للسعادة معاني مختلفة، زوجان جمعتهما البلدة والدراسة ثم الصداقة والنضال, بعدها الحب والتضحيات لمدة تزيد عن 36سنة، عمر من الزمن لم يغير من علاقة حب شابين, بل يزداد ارتباطهما مع بعض كلما ازدادت السنوات... شاءت الأقدار أنهما لم ينجبا أطفالا، لكنهما اعتبرا أن الحياة الزوجية انسجام فكري، عاطفي، ونسق إنساني بإمكانه صنع السعادة الدائمة والاستمرارية في العطاء دون شروط ولا قيود... «اعتبر أنور ابني وهو يعتبرني طفلته...» هكذا تعبر الأستاذة رشيدة مسرورة عن علاقتها بزوجها، فهما يشكلان ثنائيا استثنائيا، حيث كلما التقيت بهما تظن أنها تزوجا تلك اللحظة، يتعاملان بنوع من الرقي واللطف، لقد استطاع كل منهما أن يحافظ على روح التماسك والارتباط التي جمعتهما منذ البداية وهما في سن المراهقة ,إذ تجد كل منهما يعمل جاهدا بصدق في البحث عن سعادة الآخر... تعود بنا رشيدة الى منتصف السبعينات من القرن الماضي تقريبا، وهي تتذكر بإمعان اللحظات الأولى التي جمعتها برفيق عمرها أنور، كان ذلك بثانوية المحمدي بمدينة القصر الكبير وهما في سن المراهقة « عبر لي أنور عن اعجابه ونحن ندرس في الثانوية، حيث كان يسبقني في الفصل، لكن نظرا لصغر سني لم أتمكن من مبادلته نفس الشعور، وظل إعجابا من طرف واحد,إلى أن حصلت على شهادة البكالوريا، والتحقت بجامعة ظهر المهراز بفاس، حيث قررت الدارسة بكلية الآداب، و وجدته من أبرز قادة اتحاد طلبة المغرب بفاس، وسوف يقدم لي كل المساندة تعبيرا منه عن شهامته لابنة منطقته التي اعجب بها من قبل ،بالفعل هو من ساعدني في كل الأمور الإدارية، أهمها حصولي على الحي الجامعي، كان شابا مميزا على مستوى الدراسة والنضال والنقاش الفكري ... سوف تتعمق صداقتنا أكثر وسيقنعني بالانتماء الى نفس تياره السياسي، كما سوف يشجعني على تنمية قدراتي الفكرية، فهو كان ولازال مهووسا بالقراءة، لقد ورثها عن والده سيدي أحمد السوسي الذي كان من كبار علماء منطقة الشمال وخريج جامعة القرويين العتيدة، إذ ورثت عنه العائلة، خزانة غنية بأمهات الكتب، وزرع في ابنه هوس حب الكتاب ... تضيف الأستاذة رشيدة «قلعة ظهر المهراز شاهدة على أيام الزمن الجميل التي جمعتنا، وعلى حجم الكتب التي تبادلناها، ودأبنا على قراءتها بالإضافة الى مجلات أدبية وسياسية أدمناها مثل مجلة «مواقف» وشؤون فلسطينية «ثم «أقلام» و «أفاق وثقافة»...........الخ. بعد حصول أنور على إجازته قرر متابعة الدراسات العليا بجامعة السوربون بباريس، وسوف التحق به مباشرة بعد حصولي على الاجازة و انهاء عقد زواجنا، لنتابع معا دراستنا العليا ونواصل عملنا النضالي بخلية المهدي بنبركة ضمن فيدارالية أروبا الغربية، حيث كنا منخرطين في الشبيبة الاتحادية للحزب الوطني للقوات الشعبية قبل تغيير اسمه في المؤتمر الاستثنائي، إذ شاركت شخصيا أول مرة في وقفة نظمها شباب الحزب باسم اتحاد طلبة المغرب أنذاك بسبب رفضهم لتعين عميد جديد للكلية خلفا للأستاذ أحمد اليابوري ، بعدها سوف أستمر في هذا التنظيم الذي تدرجت ضمن هياكله إلى الآن و انا عضوة بفريقه النيابي الحالي بالبرلمان... فعلاقتي بالأستاذ أنور علمتني مرجعية مهمة في الحياة السياسية، فهو زاوج بين الثقافة والسياسة, إذ يعتبر أن المناضل السياسي لابد له من حمولة ثقافية، لأن تناول القضايا السياسية بخلفية ثقافية تمنع من الانزلاقات، وتساهم في تطوير الفعل السياسي بل تقويه من خلال الاجتهادات.» بعد حصول الأستاذة رشيدة بنمسعود على دكتوراه السلك الثالث في الأدب العربي الحديث بجامعة محمد بن عبدالله-كلية الآداب1987 فاس، اشتغلت أستاذة جامعية بجامعة محمد الخامس بالرباط, ثم ساهمت الى جانب بعض الأساتذة في تأسيس مركز الدراسات والأبحاث حول المرأة بكلية الآداب-ظهر المهراز بفاس, وانخرطت في اتحاد كتاب المغرب وهي الان عضوة مكتبه المركزي، إضافة الى أنها عضوة المكتب المركزي للمنظمة المغربية لحقوق الانسان وسبق أن ترأست جمعية الابداع النسائي، نائبة برلمانية للفريق الاشتراكي حاليا ثم للولاية التشريعية( 2002-2007). من اصداراتها الأدبية: - المرأة والكتابة: سؤال الخصوصية/ بلاغة الاختلاف، إفريقيا الشرق،1994، الدارالبيضاء. -الكتابة النسائية: بحثا عن إطار مفهومي/ مساهمة في كتاب جماعي: مبادرات نسائية، دار الفنك. -المرأة والاستحقاقات/ مساهمة في كتاب جماعي: المرأة والديمقراطية، دار الفنك. -La novela magrebi escrita por mujers. Realismosin marjenes in el Magreb y Europa Literatura y Traduccion.Escuela de Traductores de Toledo,1999. -جمالية السرد النسائي، دار نشر المدارس، الدارالبيضاء. شاركت في عدة ملتقيات وندوات فكرية وطنية ودولية مهتمة بالمرأة والادب والسياسة، بالإضافة الى المساهمة بمنشورات ومقالات أدبية في عدة صحف وطنية وعربية... حين سألناها عن أهم مميزات الناقد والمثقف محمد أنور ردت مبتسمة « ما يميزه أنه طفل كبير, فهو يتميز بالممانعة ضد مغادرة مرحلة الطفولة، متصوف في حب القراءة، إذ يعتكف لوقت طويل بمقصورته أي مكتبة البيت، فهو مرح ويحب النكتة، لا ينفعل مهما كان حجم القضايا ,لأن من شيمته الهدوء والتسامح والتريث في أخذ القرارات، زاهد في جمالية الحياة، ولا يعطي قيمة للشكليات...» للإشارة ,فالأستاذ محمد أنور المرتجي ناقد وكاتب مغربي, ابن مدينة القصر الكبير، حصل على الدكتوراه في الأدب ثم اشتغل أستاذا جامعيا بنفس الكلية التي جمعته وزوجته بفاس، انضم الى اتحاد كتاب المغرب عام 1976 لينتخب كاتب فرع الصخيرات-تمارة ،عضو المكتب الوطني لنقابة التعليم العالي، ترأس مركز الأندلس للاتصال السمعي والبصري, مهتم بالنقد الادبي والمسرح والترجمة, بالإضافة الى عدة نصوص مسرحية, صدر له كتاب» سيميائية النص الأدبي» كما سبق أن ترجم عدة مؤلفات اسبانية تميز فيها بدقة الترجمة وجمالية اللغة، كان من ابرز كتاب جريدة المحرر من خلال عمود «من يوم لآخر» حيث كان قد كتب فيه من باريس عن مقتل الشهيد عمر بنجلون ،حصل على الجائزة العربية للإبداع الثقافي في السيناريو المسرحي لدورة بغداد 2013... وفي تصريح له عن اهم ما يميز زوجته رشيدة قال إنها اسم على مسمى، نموذج للنضج الراشدي، هي منفردة في شخصيتها، فهي لا تتكرر في الأخريات... يضيف «أجمل ما في علاقتنا أن شبابها يتجدد مع مرور السنين, فهي زوجة نموذجية لا تعرف الحقد حتى مع من أساء إليها، ولهذا فهي تغفر عند المقدرة، لها إحساس حضاري كسبته من وسطها العائلي... على المستوى الإنساني يجمعنا صدق عطائي والعشق الصوفي وحب الحياة العريضة... رشيدة، تتجاوز المرأة التقليدية في اهتمامها بأمور البيت والمطبخ رغم التزاماتها مع البرلمان والحزب والجامعة والأنشطة الثقافية، إلا أنها تترك مجهودا استثنائيا للتأثيث والذوق الرفيع للحفاظ على جمال ورونق بيتها...» قليل هم الرجال الذين تشبثوا بزوجاتهم في غياب الأطفال، حتى وان كانت أسباب الانجاب تعود إليهم، لان الرجل الشرقي يظن ان عملية الانجاب تعني المرأة فقط، هذا العامل لم يؤثر في علاقة زوجان متميزان, بل اعتبراه معا سبب تعلقهما ببعض، فالبعد الإنساني والانسجام الفكري والصدق العاطفي حاضر بقوة في هذا الكوبل الرائع، متمنياتنا لهما بالاستمرار في السعادة والرقي والحب ....