لقد أكدت فعاليات المؤتمر الوطني العاشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ونتائج أشغاله أن كل التشويش – الذي تم افتعاله لإيقاف عملية التحضير والحيلولة دون إنجاز المؤتمر في موعده- لم يكن سوى زوبعة في فنجان أو نفخ في قربة مثقوبة. لن أعود لموقف «القياديين العشرة» الذين انقلبوا على أنفسهم وتنكروا لما أنجزوه مع إخوانهم وأخواتهم خلال مراحل التحضير للمؤتمر وساهموا في كل القرارات المتعلقة به. لقد سبق لي أن أفضت في الأمر وبينت بالحجة والبرهان من خلال تصريحات بعضهم ومن خلال القرائن المتوفرة أن مبرراتهم واهية بالنظر للسياق وحقيقة الدوافع المتحكمة في موقفهم والأبعاد التي اتخذها هذا الموقف. لن أهتم، هنا، بتلك الكتابات المتحاملة التي ملأت صفحات بعض الأشخاص (ونعرف بعضهم بصفة شخصية لكونهم انتموا أو ما زالوا ينتمون للاتحاد الاشتراكي) على الفايسبوك، والتي لا تبرز إلا شيئا واحدا، هو غياب التوازن النفسي لدى أصحابها (دعواتنا لهم بالشفاء مما هم فيه من ضغينة وغل وحقد…كدليل على معاناتهم من اضطراب نفسي واجتماعي وسياسي). فالحقد والضغينة والغل الذي يحمله هؤلاء الأشخاص للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، الأخ إدريس لشكر، يجعلهم يرتكبون خطأ فادحا في حق كل المؤتمرات والمؤتمرين، وبالتالي في حق كل الاتحاديات والاتحاديين؛ وذلك بسبب الاستهانة بذكاء الجميع؛ ناهيك عن الإساءة البليغة للاتحاد الاشتراكي بترويج الأكاذيب والإشاعات والأضاليل. لن أهتم أيضا بتحركات أولئك الذين قطعوا كل صلاتهم بالاتحاد – الذي تحملوا فيه، سابقا، مسؤوليات قيادية، إما على المستوى الوطني أو على المستوى المحلي- وراحوا يبحثون لهم عن مواقع أخرى في تنظيمات أخرى، فاكتشفوا، بعد فوات الأوان، أنهم لا يساوون شيئا خارج الاتحاد ، فأرادوا الركوب على مطلب «العشرة» لينادوا، هم أيضا وبكل وقاحة، بتأجيل المؤتمر، وهم لم يعودوا حتى منتسبين للحزب. كما لن أهتم بتلك المنابر والمواقع التي تخصصت في الكذب على الاتحاد الاشتراكي والتحامل على قيادته بترويج إشاعات لا يفتأ الواقع يكذبها؛ ورغم ذلك يتمادون في الافتراء واختلاق الأحداث الوهمية للإساءة إلى الاتحاد وقيادته. ويشكل، في هذا الباب، الموقع الإليكتروني المسمى «الأول»alaoual، النموذج الصارخ لصحافة السخافة والنذالة والضحالة. وقد بدا لي أن أقصر اهتمامي على ما جرى في العرس النضالي الاتحادي الذي حضرته في بوزنيقة وعشت أطواره من البداية إلى النهاية. لكن، قبل ذلك، لا بد أن أسجل أن مركب مولاي الرشيد ببوزنيقة لا يليق بالتظاهرات الكبرى، رغم كونه الأكبر، ربما، على الصعيد الوطني. لقد واجهت اللجنة التنظيمية المكلفة بالإيواء ومعها كتاب الأقاليم مشكلة حقيقية في إيواء مؤتمرات ومؤتمري بعض الأقاليم. فالسكن اللائق محدود ومستلزمات المبيت (غطاء، مخدات) غير كافية والعناية بالمرافق الصحية وبالنظافة تكاد تكون منعدمة، الخ. قد يكون للجنة الإعداد المادي واللوجيستيك نصيب من المسؤولية في هذا الأمر؛ إذ كان من الضروري التفكير في توفير بعض الحاجيات (غطاء، مخدات) لمواجهة النقص الموجود في محتويات مركب بوزنيقة. لكن الانطباع العام الذي تتركه الإقامة في هذا المركب، هو أن مرافقه تحتاج إلى عناية وصيانة لجعله في مستوى الأنشطة الكبرى التي يحتضنها. في هذا الإطار، يُسجل، بكل أسف، غياب قاعة كبيرة للمؤتمرات. فالأحزاب التي تعقد مؤتمراتها بهذا المركز، تكون مجبرة على اللجوء إلى خدمات شركة متخصصة لتبني لها خيمة كبيرة chapiteau لاحتضان الجلسات العامة، بما فيها الجلسة الافتتاحية. الأهم، أن المؤتمر انطلق في موعده. وقد برزت بوادر نجاحه (رغم أن هذه البوادر كانت ظاهرة في عملية انتخاب المؤتمرين وإيقاعها) منذ مساء يوم الخميس 18 ماي 2017، حيث بدأت وفود الأقاليم تتقاطر تباعا على مكان انعقاد المؤتمر. بالطبع، بعض الجهات (حتى من داخل الاتحاد) لم تستسلم لمعطيات الواقع وراحت تروج، بهدف التشويش وإحداث البلبلة، لأشياء لن تقع. وانطلق المؤتمر حسب البرنامج المعد من قبل اللجنة التحضيرية، فكانت الجلسة العامة الأولى التي قدم فيها الكاتب الأول، الأخ إدريس لشكر، التقرير الأدبي باسم المكتب السياسي وقدم أمين المال الوطني، الأخ محمد محب، التقرير المالي. وقد تدخل، في مناقشة التقريرين دفعة واحدة، ما لا يقل عن ثمانين (80) متدخلا ومتدخلة. ومن أجل تدبير أمثل لزمان المؤتمر، فقد تم الاتفاق على مسطرة تحدد مدة التدخل المسموح بها. لن أدخل في تفاصيل النقاش الذي كان عميقا في غالبيته رغم أن المدة المخصصة لكل تدخل لم تكن لتسمح لا بالمقدمات الطللية ولا بالمرافعات الطويلة. غير أن أحد الإخوة المؤتمرين (وهو من أعضاء المكتب السياسي العشرة) لم يلتزم بالوقت المحدد في المسطرة المتفق عليها وأراد أن يكون مميزا عن باقي المؤتمرين؛ مما حدا بالأخت فاطمة بالمودن، التي كانت تسير الجلسة، إلى تنبيهه بضرورة احترام الحصة الزمنية المخصصة لكل متدخل، إن كان يتحدث كمؤتمر؛ أما إن كان يتحدث كعضو في المكتب السياسي، فلا حق له في ذلك طبقا للوائح المعمول بها في مؤتمراتنا. وقد أحدث هذا النقاش المسطري نوعا من التشنج داخل القاعة، فتعالت أصوات تنادي باحترام المسطرة وأخرى تطالب بالتسامح مع المتدخل، في حين لجأت أخرى إلى الصراخ وإحداث الضجيج؛ الشيء الذي دفع الكاتب الأول إلى التدخل وعرض الأمر على المؤتمرين للحسم فيه بالتصويت، بعد أن تبين له بأن الهدف من التدخل هو إثارة البلبلة في القاعة لإيقاف أشغال المؤتمر (وقد أكد هذا الأمر بوضوح، في شريط فيديو، شخص معروف عند الشباب الاتحادي بالبلطجة وافتعال الأحداث، اسمه رشيد بوزِّيت، بعد مغادرته مع المتدخل وبعض الأشخاص لبوزنيقة في اتجاه أكادير). وبعد أن حسمت الأمر الأغلبية التي كانت مع احترام المسطرة، تم استئناف النقاش في جو عادي وهادئ. بالطبع، المواقع إياها لا يهمها صواب النقاش المسطري من عدمه. فتركيزها لا يكون إلى إلا على تضخيم كل حدث مهما كانت تفاهته (انسحاب فئة قليلة جدا من المؤتمرين بعد أن فشل مخططهم في إيقاف أشغال المؤتمر) أو قلة جديته. ولذلك، فقد حاولت أن تركب على هذا الحدث البسيط لتجعل منه حدثا يهدد بانفجار المؤتمر ومبررا لادعاء أن أغلبية المؤتمرين ينادون برحيل لشكر، الخ. ولا يهمها، بعد ذلك، أن يكذبها الواقع والأحداث. ويكفي كل من ليس في قلبه مرض (سواء كان اتحاديا أو متعاطفا أو فقط مهتما ومتتبعا) أن يتابع تسجيل أطوار الجلسة الافتتاحية وكذا الجلسة العامة التي قُدم فيها البيان العام للمؤتمر لمناقشته والمصادقة عليه، ليتأكد، من جهة، من نجاح المؤتمر، ومن جهة أخرى، ليعلم بأن الهوية الاشتراكية الديمقراطية لحزب عبد الرحيم بوعبيد مصانة ومحفوظة. لكن، يبدو أن أصحاب العاهات النفسية في تزايد وحالة البعض تبدو مستعصية. وقد يكون هذا الأمر طبيعيا لكون تعقيدات الحياة العصرية تتسبب في كثير من الاضطرابات النفسية. والحزب، أي حزب، ليس معزولا عن المجتمع؛ وبالتالي، تجد كل الأمراض الاجتماعية صدى لها في هذا الحزب أو ذلك؛ خاصة إن كان من الأحزاب الحقيقية. لقد استأثرت باهتمامي، في هذا الباب، إحدى تدوينات الأخ عبد الهادي الدهراوي (معذرة إن كنت قد ارتكبت خطأ في كتابة الاسم العائلي) الذي حضر المؤتمر كمشارك؛ وهذه الصفة وحدها نالت ما نالت من تعليقات (في تدوينة أخرى) تحاول الركوب على هذا الأمر من خلال دغدغة عواطف الأخ عبد الهادي، وبشكل فج ومفضوح وغير أخلاقي، لكونه ليس فيه الاحترام الواجب لذكاء صاحب التدوينة. لقد استهل عبد الهادي (الذي تعرفت عليه في هذا المؤتمر، بعد فترة من الصداقة الافتراضية، لا أتذكر بدايتها) هذه التدوينة (الأولى، فيما يبدو لي، حول المؤتمر) بعبارة «على هامش انتصار إدريس لشكر في المؤتمر الوطني العاشر»؛ ثم قدم، اعتمادا على مقولة لهيجل، نظرته إلى الواقع الحالي داخل الاتحاد الاشتراكي وكذا السبيل الوحيد الذي يراه ملائما للتأثير على هذا الواقع، لينهي تدوينته بتهنئة لإدريس لشكر. وقد انهالت التعليقات التي استكثرت عليه حتى حقه في إبداء الرأي، ناهيك عن الهجوم على إدريس لشكر والحكم بوفاة الاتحاد ووووو…. وقد وصل الأمر بأحدهم إلى اتهام صاحب التدوينة بالتجني على اللغة العربية حين استعمل كلمة «انتصار». وما هذا إلا غيض من فيض. لقد خيَّب نجاح المؤتمر آمال كل المشوشين وكل المتربصين به. ونحن نعلم أنهم لن يستسلموا ولن يستكينوا. فصحافة الرذيلة والضحالة سوف تتصيد، ولا شك، بعض ردود الأفعال التي ربما قد تكون وقعت في هذا الإقليم أو ذاك، لتجعل منها مادتها الرئيسية؛ في حين أن الأمر لا يعدو أن يكون، إن كان قد حدث بالفعل، سوى رد فعل مؤقت على عدم الظفر بمقعد تمثيلي في المجلس الوطني للحزب. ختاما، في الاتحاد لا يصح إلا الصحيح. فرغم الهزات التي يتعرض لها في مؤتمراته الوطنية، فإن الحالمين بتهريبه، سواء باسم الحركات التصحيحية أو البدائل أو غير ذلك، تتكشف عوراتهم، في النهاية، أمام الجميع. لكن، مع الأسف، بعد أن يكونوا قد أضعفوا حزبهم وقدموا خدمة كبيرة لخصومه وأعدائه. مكناس في 22 ماي 2017