خلال إحدى دورات مهرجان كانْ الاخير قدم المخرج الإيطالي الراحل جيلو بونتيكورفو شريطه الكلاسيكي «معركة الجزائر» ضمن التصنيف الذي يحمل عنوان «فقرة كلاسيكيات كان»، قبل أن تعرضه القاعات في فرنسا من جديد بعد أن عرض في 1970 في باريس مع ما آثاره هناك من ردود أفعال من اليمين المتطرف آنذاك، ثم عرض بشكل عادي في أكتوبر 1971 وأعيد عرضه في 1981. «معركة الجزائر» من إنتاج 1966. أما مخرجه جيلوبونتيكورفو، فقد توفي عن عمر يناهز 87 سنة. ورغم حصوله على شهادة في الكيمياء، فقد عمل صحفيا، ثم مراسلا صحفيا في باريس، وناقدا سينمائيا، ومساعدا للمخرج فرانسيسكو مازيلي والمخرج ماريو مونيتشيلي. وكان في المرحلة الممتدة من 1992 الى 1995 مسؤولا عن مهرجان البندقية السينمائي المعروف ب «لاموسترا»، وخلال دورة 1993 لهذا المهرجان أسس «الاتحاد العالمي للمؤلفين». شريطه «معركة الجزائر» حصل في 1966 على جائزة الأسد الذهبي لمهرجان البندقية. ومن أفلامه الأخرى «كيمادا» (1969) مع الممثل مارلون بروندو، «جيوفانا» (1955)، الى جانب أفلام قصيرة وأفلام جماعية حول قضايا العصر. في الحوار التالي مع جريدة «لومانيتي» يتحدث جيلو بونتيكورفو عن بداياته في السينما، وبصفة خاصة عن شريطه «معركة الجزائر».*
o كيف بدأت العمل في مجال السينما؟ n بعد أفلام قصيرة وثائقية قليلة بدأت في الشريط السينمائي «جيوفانا»، حلقة من فيلم «وردة الرياح» في 1955، وهو فيلم لم يخرج الى القاعات لأنه كان جزئيا ممولا من طرف ألمانيا الديمقراطية. قصة أربع نساء تم تصويرهن من طرف أربعة مخرجين من أربعة بلدان. لم يحبذ السوفيات حلقة غيراسيموف، لذلك أجهضوا العملية. وبفضل لله كنت أتوفر على نسخة من عملي الشخصي استطعنا من خلالها سحب نيكا-تيف». قصة احتلال معمل صغير للنسيج في إيطاليا الوسطى من طرف نساء. مدة العرض تصل الى حوالي خمس وأربعين دقيقة، وقد بدأ عرضه في القاعات فقط منذ سبعة أو ثمانية أشهر. بعد ذلك أخرجت شريط «الطريق الأزرق الكبير»، وهو شريط مثَّل فيه إيف مونتان، قصة صياد فقير في ساحل – دالماتْ» يصارع من أجل الاستمرار في الحياة. وهو شريط اعتبره رديئا جدا، حتى وإن كان قد فاز بجائزة الاخراج في مهرجان كارلوفي فالي. ثم فيلم «كابو» حيث نجد ذلك البحث عن لغة، الذي كان مهما في كل عملي السينمائي. لقد كان هذا الفيلم هو الأوسكار. حاز على جائزة أفضل فيلم في السنة في كل المهرجانات التي عرض فيها تقريبا. انه الفيلم الذي أحسه قريبا من نفسي. لكن يجب الاعتراف ان البلدين الوحيدين اللذين فضلا «كابو» على «معركة الجزائر» هما اليابان وبلجيكا. لم أفهم الى الآن لماذا. o نصل إذن الى فيلم «معركة الجزائر».. n كانت لدينا، فرانكو صوليناس وانا في إيطاليا فكرة أن السينما تنجز من طرف السيناريست والمخرج الرغبة في معالجة موضوع الاستعمار. كتبنا قصة كانت تحمل اسم Paras وتجري وقائعها في إيطاليا ثم في الجزائر، لم ينجز الفيلم لأن المنتج كان خائفا من منظمة OAS. كان فيلما إيطاليا، لكن بأهمية كبيرة بالنسبة للفرنسيين. عندما علم الجزائريون بذلك جاؤوا إلينا واقترحوا إنجاز فيلم عن الكفاح من أجل التحرير. أجبتهم أنني أريد بالفعل إنجاز فيلم عن الجزائر، لكن شريطة ان تكون لي الصلاحية الكاملة في كيفية سير الأمور. كتبت القصة، أعجبوا بها وكانوا في غاية الصدق والاستقامة. فقط ألحوا عليَّ حذف مشهد توضع فيه قنابل داخل مقهى حيث تتلذذ طفلة بقطعة مثلجات، أصررت على وجهة نظري حتى النهاية، من ثم احتفظنا بالمشهد في الفيلم. o الفيلم إذن إنتاج مشترك بين إيطالياوالجزائر؟ n الفيلم إيطاليا بنسبة 58% وجزائري بنسبة42% بخصوص التمويل بالطبع عبر شركة (القصبة فيلم). كانت شركة تحت مراقبة الحكومة بشكل أو بآخر، لكن مع صفة قانونية خاصة. كان يسيف السعدي الذي كان أحد المسؤولين المخططين للمقاومة الجزائرية والمسؤول السياسي سابقا لجبهة التحرير الوطني لمنطقة العاصمة الجزائرية هو محرك مؤسسة الإنتاج تلك. كان يشبه بول موني. ترددت في منحه دوره الخاص كمشارك في المقاومة، فعلا أشركته ولم يسئ أبدا للشريط. كان من الممكن أن ننتظر منه أن يخلق لنا متاعب، ذلك أنه ليس هناك ما هو أسوأ من أن نسند دورا لشخص مارسه في الحياة. بالعكس ساعدنا دعمه على تفادي أخطاء. o هل تملَّك قلبك هذا المشروع؟ n يجب القول إنه من الجانب الإيطالي، كان بإمكاني، بعد نجاح فيلم «كابو» ان أصور فيلما مأخوذا من أي كتاب آخذه بالصدفة من مكتبة. لكنني كنت أريد أن أنجز «معركة الجزائر». وهذا العناد من طرفي هو الذي أدى الى أنني لم أنجز غير ستة أفلام في حياتي بدل ستين فيلما. o إذن كان النجاح في الموعد. n حقق الفيلم في روما وحدها في ظرف خمسة عشر يوما أكثر من الحد الأدنى المضمون المطلوب للعالم بأسره. oعندما نرى الفيلم، قد نقول انه إنتاج ضخم. مع ذلك ليس هذا هو الحال. n إنه فيلم لم يكن الإيطاليون يرغبون في إنجازه. من ثم تقرر إنجازه في عملية مشتركة. ذهبنا من إيطاليا حتى دون أن تكون معنا حتى مساعدة مخرج. اعتقدنا أنه قد يكون بإمكاننا تكوين أي كان لهذه المهمة في ظرف ثمانية أيام 75% . من الأجور وضعت بمساهمة مشتركة. مع ذلك، عند خط الوصول، كان الفيلم واقعيا جدا، بحيث طلب مني الامريكيون أن أنبه الى أن الفيلم لا يستعمل أية صورة من الأرشيف، وإلا قد يعتقد الناس أن الفيلم من الأخبار المصورة. تشبثنا كثيرا بهذا الطابع الوثائقي، بحيث استغرقنا خمسة أيام من العمل فقط لأجل العثور على أناس للظهور في الشارع، واستغرقنا أكثر من شهر لتطويع شرائط التصوير لكي تكون مشابهة لصورة الأخبار، مع توفرنا في نفس الآن على عزة نفس صريحة، ذلك أن المتفرجين لا يريدون أداء ثمن تذكرة ليروا الأخبار. في النهاية تم حل المشكل باستخدام شرائط تصوير سلسلة، وهي شرائط من نوع ديبون 4 والتي تعطي صورة هوليودية جدا. o هل كتبت قصة الفيلم بالكامل مسبقا، أم أنك تركت حيزا للارتجال والتصرف التلقائي؟ n كان كل شيء مكتوبا. كنا قد قضينا في الجزائر عدة أسابيع للاشتغال فيها. إذ عرّفنا يسيف سعدي على كل من اشتغلنا معهم. هكذا كانت هناك سبعة أشهر من الإعداد، لكن السيناريو كتب بعد ذلك في ظرف شهرين. يجب ان نقول ان سوليناس هو أفضل كاتب سيناريو في العالم. o كيف تصرفت من أجل إحداث تأثير من هذا القبيل لما هو واقعي، وبصفة خاصة خلال المشاهد التي تصور المظاهرات، علما أنك قلت للتو انه تم تقليص الميزانية؟ n ذهبنا الى الجزائر مصحوبين فقط بالفريق التقني. في الجزائر شغلنا معنا مساعدا ومساعدة للمخرج. بالنسبة للمشاهد التي تطلبت تصوير أعداد كبيرة من الجماهير، لم تتطلب تعويضات الاشخاص الثانويين المؤثثين لبعض مشاهد الفيلم، مبالغ كثيرة، ذلك ان الجزائريين تعاملوا معنا بأثمان خاصة، مادام أنهم كانوا سعداء ان نحكي قصتهم. علاوة على ذلك، إذا لاحظتم جيدا، فإن المشاهد التي صورت الجماهير تمت في أماكن جد ضيقة. كذلك كان هناك كثير من المتطوعين. أيضا تلقينا مساعدة جنود جزائريين كانوا يقضون فترة الخدمة العسكرية، وهذا لمشهد أو مشهدين. كنت أعتقد أنه فيلم للمهرجانات أو للأندية السينمائية. وعندما جاء الامريكيون والبريطانيون يطلبون منا منحهم حقوق التوزيع، كنا سعداء ومنحناهم الفيلم كهدية. o كيف اخترت الممثلين الذين شاركوا في الفيلم والذين كان لهم دور كبير في تجسيد الواقع؟ n كانوا كلهم هواة باستثناء دور الكولونيل ماتيوه، حيث اختير ممثل صغير من المسرح الفرنسي، جان مارتان، اخترنا لتركيبته الجسمية المطابقة وليس لشيء آخر. عندما رأيته يمشي وحده أمام المظليين وجدته أقل قوة. ألبسناه نظارات ثم حشونا منطقة الكتفين لديه بالمناديل لتقوية هذه الأمكنة من الجسم. كانت الشمس تسير نحو المغيب وكنا نبحث عن مزيد من المناديل على عجل. كان التصوير في شارع فارغ تماما وكان يسير على رأس المظليين. كان المشهد يتطلب قوة الشخص. مهنتنا مهنة خداعين أو غشاشين. لقد تم حل كل المشكل بنظارات ومناديل. o ماذا عن الموسيقى في الفيلم، حيث انك أحد ملحنيْها الاثنين؟ n جب أن نعرف انني أحب الف مرة الموسيقى أكثر من السينما. باقتراح من ساليناس اخترت شابا يدعى انريكو ماريكوني. قدمت له فكرتي اللحنية، وقدم لي فكرته اللحنية وتبادلنا النقد فيما بيننا. أخيرا خطرت على بالي الموضوعات الثلاثة الرئيسية. اتصلت به لأخبره بما اشتغلت عليه على آلة البيانو وسجلته في آلة التسجيل. ذهبت إليه، ودون ان أقول له شيئا جلس الى البيانو وأخذ يعزف أفكاري الموسيقية. قال لي إننا على نفس النبرة. o وكيف تلقى الجزائريون الفيلم؟ n بالنسبة للجزائريين لم يكن الجانب الجمالي في الفيلم يعني لهم الشيء الكثير. كان المهم هو قصتهم التي رويناها بنزاهة. o تعرفون بالتأكيد ان الفيلم عرض في 27 غشت الاخير في قاعة العرض السينمائي للبنتاغون لكي تتعلم قيادتهم العسكرية من معاينة الأخطاء التي ارتكبها الفرنسيون في الجزائر، حتى لا يكررها الامريكيون في العراق. ما رأيك في ذلك؟ n فيلم «معركة الجزائر» لا يعلم كيف نقوم بالحرب، بل بالأحرى كيف نصنع السينما. ليس هناك فيلم يعلم متخصصا القيام بشيء. انه مجرد فيلم مدته ساعتان حيث لا يتعلم ضابط أي شيء، حتى وان أمكنه أن يلتقط قليلا من رائحة اللحظة.