المبالغ التي تحولها الدولة من ميزانيتها لفائدة المنشآت العمومية تبلغ أضعاف ما تجنيه منها انتقد تقرير المجلس الأعلى للحسابات غياب استراتيجية متكاملة تحكم سير وأداء المقاولات والمؤسسات العمومية في المغرب. واعتبر التقرير أن هذا القطاع على الرغم من أهميته الحاسمة في الدينامية الاقتصادية للبلاد، لم يتطور وفق منظور استراتيجي منسجم ومحدد بشكل واضح على المدى المتوسط والبعيد. وأوضح أن التحولات الأساسية التي عرفها القطاع ارتبطت بظروف تاريخية خاصة أو بنوعية ومؤهلات أصحاب القرار أو بضرورة الاستجابة لمتطلبات محددة. بيْد أنه ومنذ بداية العشرية 2010، بدأت تظهر على القطاع مؤشرات نمو بطيء، كما يدل على ذلك التراجع على مستوى الاستثمارات المنجزة وارتفاع المديونية وتزايد تحويلات الموارد العمومية من الدولة لفائدة المؤسسات والمقاولات العمومية. وسجل التقرير أنه على الرغم من أن القطاع عرف عدة إصلاحات وسجل نجاحات حقيقية، وأن الإشكاليات المرتبطة بحجمه وقيادته الاستراتيجية، وكذا بحكامته وعلاقاته مع الدولة، تظل مطروحة. وفي هذا السياق، بين التقرير كيف أن دور «الدولة كمساهم» يظل غير محدد وغير واضح،علما بأن وزارة الاقتصاد والمالية، والتي يفترض فيها تجسيد هذا الدور، لا تتوفر على بنية لليقظة والقيادة من أجل مواكبة المؤسسات والمقاولات العمومية في تطبيق استراتيجياتها وتحسين أدائها والارتقاء بها إلى مستوى من التنظيم والمراقبة الداخلية يؤهلها لاعتماد تدبير يقوم على النتائج والأداء. أما دور «الدولة كمخطط» ،يضيف التقرير، فيبقى أيضا غير محدد بالشكل الكافي. فالقيادة الاستراتيجية من طرف الوزارات ذات الاختصاص القطاعي غير مؤطرة قانونا، إذ أن الممارسات تعرف تباينا من قطاع إلى آخر، وذلك حسب الثقافة السائدةفي كل وزارة على حدة وحسب مهارات المسؤولين المعنيين ومستوى الأهمية التي يولونها لهذه المقاولات. وأبرز التقرير الدور المتعاظم للمقاولات العمومية حيث تتكون الحقيبة العمومية من 212 مؤسسة عمومية و44 مقاولة عمومية بمساهمة مباشرة من الخزينةو 442 فرعا ومساهمة عمومية. وعلى الرغم من الانجازات التي راكمتها المؤسسات والمقاولات العمومية خلال السنوات العشرية الأخيرة فإن التقرير اعتبر أنه مازالت بعض الجوانب المتعلقة بسير عمل الأجهزة التداولية للمنشآت والمؤسسات العمومية تتطلب بذل مجهودات متواصلة لتأهيلها: ويتعلق الأمر، على وجه الخصوص، بتضخم أعداد الأعضاء داخل الأجهزة التداولية لبعض المؤسسات العمومية، علما بأن أكثر من 60 % من المؤسسات والمقاولات العمومية تضم أجهزتها التداولية أكثر من 18 عضوا. ويصل العدد، في بعض الحالات، إلى 50 عضوا، مشيرا إلى أنه إلى حدود الآن لم يتم تحديد شروط تعيين ممثلي الدولة لدى الأجهزة التداولية للمؤسسات العمومية. وكشف التقرير أن المبالغ والاعتمادات التي تحولها الدولة من ميزانيتها لفائدة المقاولات والمؤسسات العمومية تبلغ أضعاف ما تجنيه منها حيث توضح المقارنة بين التحويلات المتبادلة بين الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية، خلال الفترة 2010 و2014 أن الكفة تميل، بشكل هيكلي، لفائدة هذه الأخيرة بمعدل سنوي قدره 21,2 مليار درهم. فما بين 2010 و2014 ، بلغ مجموع تحويلات الموارد العمومية لفائدة المؤسسات والمقاولات العمومية 159,8 مليار درهم، منها 104,5 مليار درهم من الميزانية العامة للدولة أي 65,3 % و34,5 مليار درهم من الحسابات الخصوصية للخزينة أي 21,6 % و20,6 مليار درهم على شكل رسوم جبائية وشبه جبائية أو اقتطاعات إجبارية % 12,8. وسجل التقرير أنه بخصوص تحويلات المؤسسات والمقاولات العمومية لفائدة خزينة الدولة، فإنها تتم من قبل عدد ضئيل من هذه الهيئات حيث إن أرباح المساهمات والحصص من الأرباح يبقى مصدرها الأساسي مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ومجموعة صندوق الإيداع والتدبير وشركة اتصالات المغرب. أما تحويلات الأجهزة ذات الطابع غير التجاري، فإن مجملها يتم من طرف الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والرسم والخرائطية والتي تحصل إيرادات ذات طابع شبه جبائي. وخلال الفترة 2015 2008، شكلت أرباح المساهمات وحصص الأرباح التي حصلت عليها خزينة الدولة من مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ومجموعة صندوق الإيداع والتدبير وشركة اتصالات المغرب حوالي 48,9 % من مجموع التحويلات التي قام بها قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية نحو الميزانية العمومية للدولة . فيما شكلت 84,8 % من مجموع أرباح المساهمات وحصص الأرباح العائدة لخزينة الدولة. وحذر التقرير من مخاطر الارتفاع المطرد لمديونية المؤسسات العمومية موضحا أنه منذ سنة 2000، سجلت ديون قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية ارتفاعا مستمرا، فقد بلغ حجم هذه المديونية، سنة 2015 ، ما مجموعه 245,8 مليار درهم وهو ما يشكل 25 % من الناتج الداخلي الخام. وبالمقارنة مع سنة 2004، سجل حجم مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية ارتفاعا بنسبة % 321، وهو ما قد يشكل مصدر هشاشة للقطاع بكامله. واعتبر التقرير أن الارتفاع المضطرد لمديونية المؤسسات والمقاولات العمومية منذ سنة 2011 يشكل إحدى المخاطر التي تهدد المالية العمومية، وذلك لالتزام ميزانية الدولة بتحمل أقساط الديون المضمونة في حالة عدم قدرة بعض الهيئات على سداد ما بذمتها.