الحديث عن رمضان مع أبناء الصويرة من الجيل القديم، ينكأ جرح إرث جميل من الألفة والتعايش والروحانية تضيع معالمه في قسوة مع توالي السنوات. قبل أربع سنوات فتحت الجريدة ذاكرة شهر الصيام بموكادور الحالمة. فكان المعلم الضباشي، وكانت عائشة بن داوود، والشيشتش، وذكرى مداد شير الجارة اليهودية التي تقاسم جيرانها المسلمين سخينتها ويقاسمونها حريرة الإفطار وحلوى العيد وبهجته. في مدينة الصويرة التي تتعاقب أجيالها كما تطوي امواج البحر بعضها بعضا، نلمس التحولات المجتمعية ونعايشها بشكل مؤلم. عشرون سنة تكفي ليختفي نفار الشيشتي، وغيطة الحمدوشيين، وطقوس السبع حريرات و»البابوشة»، و»الكانون المشروك» . كانت غيطة التراويح ساعة أنس ومتعة ومتسعا جميلا لتهذيب الذوق الفني وتقعيد الأذن الموسيقية لناشئة الصويرة. من أعلى صوامع المدينة العتيقة، يعزف الحمدوشيون غيطة التراويح وصنائع المديح والملحون تبدأ وتنتهي ب «التمويلة « وتمتد لساعة فأكثر. مساحة موسيقية جميلة كانت تستقطب عشاقها من أركان المدينة الاربعة يغنمون دعوة مفتوحة الى روح مدينة تتنفس تاريخها وتنفث عبقه في كل زاوية وزقاق وحجر. قبل أربع سنوات، كانت الصورة مؤلمة، تناقص عدد الغياطة، فالعناية بهم وبفنهم ضعيفة إن لم نقل بأن حجمها مهين يبعث على السخرية. تذكرون المعلم الضباشي، معلم حمدوشي عازف على آلة الكمان والعود والكنبري والغيطة خصوصا. باستثناء ليلة القدر، كان يتسيد اجواء المدينة العتيقة بغيطته وتمويلته وصنائعه بعد التراويح وقبل السحور الى حدود إطلاق قذائف المدفع. رثى لنا حال الغيطة ورجالاتها وتحسر على التعويض الهزيل (مائتا درهم) الذي يتلقونه عن عزفهم المتفرد طيلة شهر رمضان. كان المطبخ الرمضاني الصويري يتفرد بالمنتوج المحلي «أملو»، لكن مع ارتفاع ثمن زيت الاركان وشح منتوجه خلال السنوات الاخيرة، صار الصويريون يتقاسمون مع باقي المدن المغربية عاداتها الرمضانية من «سلو» و» شباكية». في الصويرة كانت الأسر تتقاسم «الكانون» أو «القفة» طيلة شهر رمضان لأسباب اجتماعية محضة وتجسيدا لمشهد متفرد من التآزر والتكافل وصفاء الروح. فيجلس الجيران كبارهم وصغارهم الى مائدة الافطار يقتسمون طعم وطعام تعايش وتساكن قل نظيره. وفي الصويرة كانت مدام شير، الجارة اليهودية التي تطرق أبواب جارتها المسلمة ساعة الفطور حاملة حلوى أو أكلة من باب «الصواب» وتقتعد مكانا ضمن مائدة الفطور ترشف من حريرتها «الحامضة» وتستكين الى الاجواء الدينية العميقة للحظة الافطار. في رمضان السنة الحالية وما سبقها من سنوات، يجافي السمك موائد إفطار الأسر الصويرية. لم يعد بإمكان سكان موكادور ان ينعموا بثروات سواحل مدينتهم. الكميات أقل والأثمنة في ارتفاع متزايد تسحق قدرة شرائية تتهاوى باستمرار. شهر الصيام في الصويرة هو شهر عبادة كذلك، يرتفع الإقبال على المساجد الى ذروته، كل الفئات العمرية تحرص على أداء صلاة التراويح بحثا عن أجواء خشوع فعلية. كما يجتهد سكان بعض الاحياء من أجل توفير مساجد للشهر تقرب فضاء العبادة للمواطنين وتحد من ازدحامها. زمن رمضان الجميل بالصويرة كان للأطفال فيه حظ من العناية . فأول أيام صيام الاطفال هو يوم احتفاء وتقدير. بعد يوم صيام شاق، يشق الطفل صيامه بسبع «حريرات» وسبع تمرات تجمعها الأم من لدن الجيران وتقدمها لطفلها دلالة على التقدير الذي لقيه مجهود صيامه من طرف الاهل والجيران. وكان الطفل يسقى ماء ساعة إفطاره في هيكل الحلزون او ما يسمى بعادة «البابوشة» لعله يستوحي من هذا الكائن المثابر صبره وجلده. كما كانت تحرص بعض الأسر على ان يتناول الطفل طعام إفطار يوم صيامه الاول على اولى درجات السلم، وهو الذي تسلق لتوه اولى درجات رحلة الصيام. حظوة الاطفال تستمر خلال ليلة القدر، تبدأ من الحناء والملابس الجميلة الى «تقشمشيت» الخمار الذي يوضع على الرأس قبل الذهاب الى المصور لتأريخ الليلة. وللموتى على الصائمين حق في الصويرة، فعكس باقي مدن المغرب، تقوم الأسر الصويرية بزيارة المقابر يوم السادس والعشرين من رمضان، لتقوم النساء مساء، قبل التوجه الى صلاة التراويح، بطقس «البسيبسة» الذي يتلخص في رش خليط مكون من الجلجلان وماء الزهر وزيت الزيتون والحليب والبخور على جنبات البيت الذي يتم تعطيره بعود القماري وماء الزهر. ليالي رمضان بالصويرة تنتهي بوجبة السحور التي تتكون في الغالب من «التشيشة» مع اللبن و«الرغايف» مع زيت الزيتون. هذه اللحظة الخاصة يستعيدها الصويريون بكثير من الشجى مستعيدين صوت «السي الشيشتي» أو «جاه النبي»، الذي كان ينقر على أبواب البيوت ساعة قبل أذان الفجر مرددا لازمته الشهيرة « انود أتا / طيب خبزك أتا».