لم يمر التاريخ بأرض كما مر من أزمور، فكل الآثار والحفريات والمواقع والأسوار تؤكد أن التاريخ صادق هذه المدينة منذ عصور قديمة، لكنها اليوم تعيش الخيانة والإهمال، ويصعب عليك أن تزور أحياءها بفعل الثقل الاجتماعي وغياب استراتيجية حقيقية للتنمية نتيجة عبث المسؤولين، وظهر ذلك جليا أيام مهرجان ملحونيات عندما دب النشاط في أزمور وأثيرت نقاشات حول مآل هذه المدينة العتيقة التي تغنى بها شعراء الملحون وعلى رأسهم الحاج بن العربي بن رقية الأزموري.. وتأتي الدورة الرابعة للملتقى الدولي لفن الملحون «ملحونيات» أيام 03 04 05 يوليوز 2014 تحت شعار: «فن الملحون في رحاب الحبيب عليه أزكى الصلوات وأطهر التسليم». وعرفت هذه الدورة مشاركة حوالي 120 فنانا من لبنان، تونس، الجزائر والمغرب. ويبقى مهرجان ملحونيات متفردا في نهجه الخاص والمتميز بين المهرجانات الأخرى بجمال إخراجه وسط معمار قل نظيره في وطننا ونزعته الروحية والتنويرية والوجدانية من خلال العروض الفنية لهذه السنة والتي توزعت بين فن الملحون، الموسيقى، والإنشاد الروحي، الفن الشعبي الجزائري والفتلة المولوية في أناشيد وتواشيح ومدائح نبوية، وذلك انسجاما مع تيمة الدورة التي تلامس الاحتفاء والاحتفال بالرسول الكريم (ص) وفن الملحون بكل تمظهراته وتكويناته الموسيقية وتعبيراته الصوتية. وافتتح المهرجان بليلة كونية الرسالة المحمدية من طرف فرقة طرابلس للإنشاد التراثي والفتلة المولوية من لبنان إلى جانب جوق عبد الكريم الرايس لطرب الآلة برئاسة محمد بريول من فاس في صنائع نوبه رمل الماية ومشاركة الفنان المتألق عبد الرحيم الصويري، وليلة خلوق المصطفى أحيتها مجموعة محمد العفريت من تونس والجوق الوطني لفن الملحون صحبة كل من المنشد محمد العلمي من فاس، الذي أتحف الجمهور بقصيدة مهرجان أزمور ولازمتها : «يالعاشق فن الملحون صيغ قولي يا فاهم.... اليوم مهرجان الإبداع منور بلاد أزمور». كما تركت مشاركة الفنان عبد المجيد رحيمي أثرا قويا في نفوس الجماهير، التي أشادت بالطفل نزار رحيمي والطفلة شيماء الرداف، وكذلك مشاركة الفنان اسماعيل الإدريسي من مراكش ومحمد بوخليفي من أزمور ومصطفى اليوسفي من أرفود. آخر ليالي هذا الملتقى الدولي اكتشف فيه الجمهور التقاطع بين رواد هذا النمط الفني بالمغرب والجزائر من خلال رائدة فن الملحون والفن الشعبي الجزائري الفنانة مريم بن علال والفنانة المغربية سناء مرحاتي ابنة أزمور والفنانة نعيمة الطاهيري من مكناس، كما تفاعل الجمهور مع الفنانة كريمة الصقلي وأغانيها دات الدلالة الرائعة والمتأملة في الوجود بكلمات صوفية قوية ومعبرة مرفوقة برباعي موسيقى متميز نجح في المزج بين الطرب الأصيل والسماع الصوفي والإبداع الأندلسي ومشاركة فرقة الزاوية الحمدوشية من فاس. ومن أهم فعاليات الدورة الرابعة ندوة «فن الملحون والمديح النبوي بدايات التأسيس والتلقى» والتى أدارها الأستاذ والباحث أحمد الوارث من جامعة شعيب الدكالي، وشارك فيها كل من الأستاذ عبد المجيد مجيب والأستاذ عبد الرحمان الملحوني.. وهي الندوة التي عكست التصور العام للدورة من خلال التركيز على محبة النبي الكريم (ص) وعلاقته ببدايات فن الملحون وإبراز مظاهر تعلق ومحبة المغاربة بخاتم الرسل (ص) وانعكاس ذلك في إبداعاتهم خاصة مع الملحون وتوقيع الكتاب الجديد للأستاذ عبد الرحمان الملحوني في فضاء القبطانية ... كما منح المنظمون عدة جوائز مادية ومعنوية وأبرزها اللوحة التشكيلية التى أهداها عبد الكريم الأزهر لمهرجان ملحونيات ومن خلاله للفنانة كريمة الصقلي وتصادف ملحونيات شهر رمضان بما يحمله هذا الشهر الأبرك بدلالات الرحمة والمغفرة والتسامح والزهد . وطيلة أربع سنوات استطاع هذا المهرجان «ملحونيات» المضي قدما في تقديم هذا الثرات والتعريف به بتنظيم من الجمعية الاقليمية للشؤون الثقافية وبتوجيهات وتدخلات معاذ الجامعي عامل إقليمالجديدة ودعمه ورؤيته بأن الثقافة والفن غايتهما أولا وأخيرا بناء الإنسان المغربي وخدمة القضايا الاجتماعية والثقافية. كما تزامن هذا الملتقى الدولي لفن الملحون مع الجداريات التي أبدع فيها فنانون عالميون وبقيت لمدة سنة ونصف دون أن يعبث بها أحد، بل إن سكان المدينة القديمة يحافظون عليها، مما يجعلك أمام معرض تشكيلي بامتياز في الهواء الطلق لا زمان له. وقد لعبت الفنانة ماجدة اليحياوي والأستاذ نبيل الجاي دورا مهما وأساسيا في التنشيط والتعريف بهذا الفن الأصيل سواء في فضاء أبرهام مونيس بأزمور و بحديقة محمد الخامس بالجديدة . وهكذا تستمر ملحونيات في تقديم الإبداع الأصيل والفكر الواعي في أزمور «الصديقية» كما سماها المفكر ع الله العروي في فكرها وصمودها وحراكها الثقافي. فهل من حراك ثقافي مستمر وقوي مدعوم من كل القطاعات العامة والخاصة ينقذ ثقافتنا من وضعها المأزوم ومدينة أزمور من العبث اللامتناهي؟