كان في الماضي ينظر إليه على أنه هبة من الآلهة، قبل أن تحوله تصورات أخرى لضرب من ضروب تلبس الشيطان للإنس، ولحد الآن مازال ثمة خلط كبير بين مرض الصرع والأمراض النفسية. فكيف يمكن أن يكون تعرض أولئك الأشخاص لتشنجات يعجزون عن السيطرة عليها، يفقدون إثرها وعيهم، قبل أن يستفيقوا دون أن يتذكروا أي شيء، أمرا آخر غير الإصابة بالجنون؟ يقول البروفيسور أندري نيولون، المتخصص في طب الأعصاب ورئيس المجلس العلمي لفيدرالية البحث حول الدماغ: «ثمة تمييز في حق كل مصاب بمرض الصرع». ومع ذلك، يضيف البروفيسور: «فحتى عندما يكون المرض تحت المراقبة (وهو الحال بالنسبة ل 70 بالمائة من المرضى)، فإن الهاجس الوحيد يظل متوقفا على التناول اليومي للدواء. وكل واحد يعرف شخصا مصابا بالصرع لكن دون أن يكون على علم بذلك». والحقيقة أنه يعتبر المرض العصبي الأكثر انتشارا في العالم بعد مرض «الشقيقة»، وكل شخص لديه احتمال 1/17 للتعرض لأزمة صرع، غير أن هذه النوبة قد تتخذ أشكالا مختلفة وغير ظاهرة في كثير من الأحيان من قبيل تشنج عضلي ضعيف، وفقدان الوعي لبضع ثوان... ولقد كشف علماء باحثون أن نوبة الصرع لها شفرة خاصة في كافة الأدمغة، حتى السليمة منها، حيث وضع الباحثان فيكتور جيرسا وكريسطوف برنار، من جامعة إيكس مارسيليا، شبكة لمعادلات رياضية خاصة بمرض الصرع، ونشرا نتائج بحثهما في المجلة العالمية المتخصصة «برين». وخلصت الدراسة إلى أن «نوبة الصرع توجد في حالة كمون داخل جميع الأدمغة» . وتخضع هذه النوبة لقواعد رياضية بسيطة، رغم تنوع أشكالها وميكانيزماتها البيوكيميائية بشكل كبير. يقول كريسطوف برنار: «ثمة خمس معادلات تتحكم في الدخول لنوبة صرع والخروج منها، تماما كما هو الشأن بالنسبة للمعادلات المتعلقة بالتحول من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية» . ولشرح نوبة الصرع، يقترح كريسطوف برنار رسم صورة مبسطة: الدماغ عبارة عن منظر طبيعي يتنزه فيه شخص معين، لكن ثمة أيضا قصور يحظر الدخول إليها، «وعندما يلجها ذلك الشخص، تحدث نوبة صرع، بعض أسوار تلك القصور تمنع العبور إليها، لكن في المقابل ثمة أجزاء هشة منها، إما لأنها لاتزال في طور التكوين، كما هو الحال بالنسبة للأطفال، وإما لتعرض أصحابها لبعض الأمراض كالزهايمر والباركنسون والتوحد. كما يمكن أن تنهار تلك الأسوار بسبب تعرض الشخص البالغ لحادث خطير كالصدمة الكهربائية وإصابة على مستوى الجمجمة». وتم وضع تلك النماذج على ضوء دراسة مخبرية على فئران التجارب، حيث اتضح أن هناك أربع طرق لدخول نوبة الصرع وأربع أخرى للخروج منها، أي أن ثمة 16 نوعا مختلفا من نوبات الصرع، وهو ما أثبتته تجارب مماثلة على حيوانات وحشرات أخرى كالحمار الوحشي والبعوض، قبل تجربة الأمر على الإنسان، الذي اتضح بأن 83 بالمائة من النوبات التي يتعرض لها تعتبر مركزية، أي أنها لا تمس في بدايتها سوى قسم معين من الدماغ. عن «لوفيغارو»