جنان النيش ، قرية صغيرة تقع على شاطئ البحر المتوسط، وهي قرية صيادين، وتبعد بمائة كيلومتر تقريبا عن مدينة تطوان شرقا. وهي قرية جميلة وهادئة. أو لنقل كانت كذلك قبل أن تطالها أيدي المخربين وأصبحت عبارة عن مزبلة كبيرة. ومن أعلى الجبل، فوق هذه المزبلة العظيمة يطل قصر الرئيس. لما تقاعد أبي قبل عشر سنوات عاد إلى القرية وغرس أشجار برتقال ومشمش وتين. ورعاها لحظة بلحظة حتى صارت تعطي غلتها. في السادسة صباحا يكون قد صلى وراح يسقي أشجاره وينقش التراب وينثر السماد حولها حتى تأتي الثمار شهية كما يريدها. ويجلس تحت ظلها بانتظار أن يحل الصيف ونأتي، أولاد وأحفاد، ويشهر فاكهته أمامنا متباهيا مفتخرا بالتعب وبالجهد الذي بذل من أجل أن تأتي هكذا كبيرة غضة ناضجة. لم يعد الأمر كذلك. تحدث الآن في جنان النيش أشياء تعود إلى القرن الماضي. ذلك القرن الذي عشناه وضمدنا جراحه وقلنا إننا تجاوزناه ها هو يطل علينا من جديد، وهذه المرة في صفة رجل يهدم بيوت الناس فوق رؤوسهم. ،من يشتكي يقول له سير فينما عجبك. لقد مرت الطريق الوطنية وطمرت الكثير من العيون وقلنا لا بأس، إنها المصلحة العامة. ولكن أي مصلحة الآن من تخريب البيوت والأراضي لتحويل طريق صغيرة عن مسارها الأصلي؟ تعيش القرية الآن تحت وطأة رجل يعتقد، لأنه يحمل إسم رئيس الجماعة، يستطيع أن يهدم بيوت الناس ويطمر سواقيهم ويخرب أشجارهم حتى يجعل طريقا ثانويا، بيست، يمر بعيدا عن قصره. هو ليس قصرا تماما، إنه عبارة عن قلعة كتلك التي كان يبنيها القراصنة وقطاع الطرق فوق قرون الجبال في القرون الوسطى. وفي السنوات الأخيرة، حتى وهو رئيس الجماعة قضى سنوات يطلع ويهبط بين محكمة الشاون ومقر سكناه بتهمة الاغتصاب. ويقولون إنه يستعد لدخول انتخابات البرلمان المقبل. برلمان زوين غادي يكون عندنا! ولكن من هو هذا المغامر وكيف أصبح رئيس الجماعة القروية؟ إنه واحد من سجناء الحق العام. نعم، هذا الرجل دخل السجن في التسعينات مرتين، في 94 وفي 97 . مرة بسبب شيكات بدون رصيد ومرة بتهمة النصب والاحتيال. كيف وصل هذا المغامر إلى رئاسة الجماعة وعلى كتفه كل هذا السجل الحافل بالجرائم؟ جنح تقادمت. وبعد؟ الجنح تتقادم والنوايا الخبيثة تظل متربصة تنتظر الفرصة. سجل هذا المغامر، المعتقل السابق، يعرفه حتى أطفال القرية الصغار. إذا تصادف أن ذهبت إلى جنان النيش وسألت عنه يقولون لك فلان؟ مدوز الحبس جوج مرات. وهو نفسه يقول إنه تعلم القرآن في الحبس. ويظهر أنه لا الحبس ولا حفظ القرآن علماه التقوى والابتعاد عن ظلم الناس وإفساد الأرض. لقد عمد أخيرا ، وبعد عودته من الحج، إلى تخريب الجدول الصغير الذي يستسقي منه القرويون وبناء جدار وسطه ليبعد النهر عن قطعة أرض اقتلعها لنفسه. ثم بدأ بهدم الدور والأشجار والسواقي لإبعاد الطريق عن باب بيته. وهكذا ما كان دائما طريقا نمر منه سيصبح قطعة أرض يجعل منها حديقة أمام بيته. لا يمضي يوم لا يفكر فيه الرجل في مقلب من هذه المقالب. كأن لا قانون هناك. كأننا لانزال في الغابة. والقرويون لا يشتكون لأنهم يعتقدون أنه المخزن. لا يفهمون أنهم انتخبوه ليسهر على مصالحهم. بسياراته الكاط كاط والحاشية التي تتبعه. وهذا الرجل الذي يسمونه «الحاج التراب» لتوسيع المقهى الذي بنى قرب الشاطئ ، تطاول على المقبرة، وعظام آبائنا وأهالينا التي أخرجتها فؤوسه وجرافاته ونثرتها تحت أعيننا شاهدة على هذه الهمجية التي تتعرض لها القرية يوميا. ويسمونه أيضا «الحاج سير تشكي» لأنه كلما تورط في قضية ظالمة يقول للمظلوم سير تشكي، لأنه يعرف أن جهات تحميه. لم أر في حياتي والدي في مثل هذا اليأس المدمر. يجلس الآن تحت أشجاره المجثتة ولا يدري لمن يوجه شكواه. وماذا تنفع الشكوى؟ هل تعيد للأشجار ثمارها وللوالد فرحته ولنا تفاؤلنا؟ كان علينا أن نكون حذرين. كان علينا أن نفطن إلى نوايا الرجل يوم اجثت نخلة من جذورها وحملها إلى مكان لا يعرفه إلا هو وزمرته.