دب النشاط في مدينة الصويرة الساحلية الهادئة في غرب المغرب على مدى أربعة أيام خلال مهرجان موسيقى الغناوة السنوي. ويفد آلاف الزائرين من المغرب ومن الخارج على الصويرة سنويا لحضور مهرجان موسيقى الغناوة. وموسيقى الغناوة تستخدم فيها الصنج لمحاكاة صوت أغلال العبيد التي كانوا ي?قيدون بها أثناء جلبهم من مالي. وانتقل الغناوة من سالف الأزمان التي كان فيها الأفارقة من جنوب الصحراء مجرد عرافين ومغنين رحل ليصبحوا الآن جماعة لها مكانتها. ودفعت الجاذبية التي تحظى بها موسيقى الغناوة مدينة الصويرة التاريخية إلى دائرة الضوء. وشمل مهرجان موسيقى الغناوة هذا العام نحو 30 حفلا أحياها فنانون من مختلف أنحاء العالم. ويوجه المهرجان الدعوة كل عام لفنانين من دول عديدة للعزف جنبا إلى جنب مع فناني الغناوة المغاربة. أحيا حفل افتتاح المهرجان هذا العام عازف الكمان الفرنسي ديدييه لوكوود بالاشتراك مع الفنان الأمازيغي المغربي بوحسين فولاني وفرقة المعلم الحسن بوسو. وقال فنان الغناوة المغربي الحسن بوسو بعد الحفل «هذه التجربة كانت بالنسبة لي من نوع آخر لأنني عندما أتعامل عادة مع موسيقيين نقوم بتداريب وتمارين مسبقا. لكن بالنسبة هذا العرض كان المجال مفتوحا وكانت هناك تلقائية في الأداء مع الحفاظ على إطار موسيقي كناوي.» وعبر لوكوود عن سعادته البالغة أيضا بتجربة العزف ارتجالا مع فرقة موسيقى الغناوة. وقال «كان العزف مع هؤلاء الراقصين ساحرا . علاوة على ذلك أنا أحب تقترن الموسيقى بالرقص وهذا ما افتقدناه في أوروبا لكنه متوفر بكثرة عندكم ويجب أن تحافظوا عليه. إنه درس لنا.» وامتزجت موسيقى الغناوة بإطارها التقليدي في الآونة الأخيرة بموسيقى الجاز والبلوز والريجي وباتت تلاقي إقبالا متزايدا من المغاربة والزائرين الأجانب على السواء. ودعا المغاربة خلال دورة المهرجان هذا العام لحضور منتدى استمر يومين شهد حضورا من بوركينا فاسو والسنغال ومالي وفرنسا وشارك فيه مؤرخون وعلماء في الأنثروبولوجيا وسينمائيون ومفكرون وباحثون ليتعرفوا م?جددا المغرب الأفريقي تاريخيا وإنسانيا وحضاريا. ووجه أندري أزولاي مستشار الملك محمد السادس ورئيس جمعية موغادور الصويرة المنظمة للمهرجان نداء إلى كل أطراف الصراع في الشرق الأوسط للاستفادة من التجربة الأفريقية في إيجاد حل للقضية. وبذل أزولاي عدة محاولات على مدى الأعوام في محاولة تحقيق تقارب بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وقال أزولاي «في افريقيا نستمع ونتحدث وهذا أمر لا نفعله في الشرق الأوسط. ما كنت لأقول إننا أضعنا كل شيء هناك لكننا جربنا كل شيء دون تحقيق نتيجة. ينبغي أن نجرب المدرسة الأفريقية. ينبغي أن يجلس الفلسطينيون والإسرائيليون معا تحت الشجرة الكبيرة ويقولون ما يدور في أذهاتهم. وينبغي أن يتيح كل منهما فرصة للآخر وأن يستمع كل منهما إلى الآخر. ربما يريان الحقيقة الواضحة في آخر المطاف وهي أن لكل منهما وجود.» وذكر وزير السياحة المغربي الحسن الحداد أن الاستثمار في المهرجانات الفنية والثقافية يساهم في تنشيط السياحة في المغرب. وقال الوزير «أي درهم تستثمره في التنشيط الثقافي في المهرجانات وفي كل ما هو تنشيط مثل هذا له عائدات مادية وكذلك معنوية. نحن نستثمر في هذا المهرجان وفي مهرجانات مماثلة لأنها تعطينا عائدات مادية سياحية ولكن كذلك عائدات معنوية لأنها تبويء الصويرة مكانة مهمة جدا لتصبح بوابة للمغرب وتعطي للمغرب جاذبية.» وطرح المنظمون خلال المهرجان تسع اسطوانات مدمجة عليها مختارات من موسيقى الغناوة استغرق جمعها أربع سنوات. تفاصيل اليوم الثالث ألهبت معزوفات الفنان اللبناني العالمي إبراهيم معلوم جمهورا متعدد الأطياف والجنسيات، والذي حضر في اليوم الثالث من فعاليات الدورة ال17 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة، للاستمتاع بالإنتاجات الراقية لهذا الفنان اللبناني الكبير. بمقطوعات موسيقية رائعة وعميقة هادئة تارة وصاخبة تارة أخرى تحيل على ثقافات متعددة ومختلفة، أطل هذا الفنان الشاب المنحدر من عائلة فنية عريقة، من جديد على جمهور مهرجان كناوة وموسيقى العالم بعد حلم راوده منذ دورة 2006. «أنا جد سعيد لتواجدي اليوم بمهرجان كناوة بين هذا الجمهور الحضاري رمز التلاقح والتمازج الثقافي، لقد راودني حلم العودة إلى المهرجان وها هو يتحقق اليوم»، بهذه الكلمات خاطب هذا العازف الملهم والملهم الجمهور الحاضر الذي استمتع وتفاعل واهتز على معزوفاته التي تفنن في أدائها بآلات موسيقية متعددة. وأدى ابن مبتكر آلة الترومبيت في شكلها الجديد في ستينيات القرن الماضي نسيم معلوف وندى معلوف عازفة البيانو المبدعة وحفيد الصحفي والشاعر والموسيقي رشدي معلوف، مقطوعات موسيقية غاية في الدقة تعكس الحس الفني العالي لهذا الفنان من بينها المقطوعة الموسيقية "بيروت" ، بيروت الوطن والأم والشعور بالانتماء للوطن العربي. بدأ إبراهيم معلوف مشواره منذ سن التاسعة برفقة والده من خلال لعب المعزوفات القديمة بشكل ثنائي، غير أن موسيقي الجاز سحرته، وفي الوقت نفسه، كان يخوض مسارا تقليديا ليجمع الجوائز في الميدانين معا. درس الموسيقى العربية مما خول له حيازة لقب فنان عربي يعمل من أجل الحوار بين الثقافات بين العالمين العربي والغربي سنة 2011 منحتها له منظمة اليونسكو. وعلى إيقاع القراقب والطبول ، كان الجمهور الغفير الذي حج إلى هذه الساحة ذات الطابع المغربي البرتغالي ، على موعد مع المعلم مصطفى باقبو ، الذي عرف بقدرته الكبيرة على مزج الأشكال الموسيقية سيما مع نجوم دوليين كبات ميتيني ولويس بيرتينياك وإيريك لينينين ثم مجموعة الجاز الفرنسية سيكسون، وذلك خلال دورات سابقة من مهرجان كناوة وموسيقى العالم. وقدم المعلم باقبو ، أحد أفراد المجموعة الشهيرة جيل جيلالة والذي أبان عن قدرة عالية في الرفع من قيمة الفن الكناوي وإعطائه بعدا دوليا مع عازف البياو تيغران هاماسيان خلال حفل مع مجموعة بوب المغرب خلال السنة الماضية، إلى مجموعته لوحات من الفن الكناوي ورقصات كناوية أثارت إعجاب الحاضرين. واعتلى المنصة ، أيضا، المعلم عبد النبي الكداري تلميذ المعلم بوسو والذي عرف بمشاركته مع أسماء بارزة كعازف القيثارة الفرنسي تيتي روبين، فأدى عروض فنية متميزة مستمدة من التقاليد الكناوية للدار البيضاءومراكش أمتعت الحاضرين. وكان جمهور المهرجان على موعد مع واحد من بين أكبر العازفين في العالم الفنان ماركوس مولير المنحدر من الولاياتالمتحدةالأمريكية، العازف للفانك والعارف الكبير للجاز. وشد ميلر، المعروف بالأخص بمعزوفاته مع عمالقة كإيريك كلابتن، وأريتا فرانكلين وشاكا خان وجاي زي وسنوبدوغ، أنظار الجمهور إليه بعزفه المتميز على العديد من الآلات الإيقاعية، قبل أن يدخل هذا الفنان الشغوف بلقاء معلمين كناويين، في أداء مشترك مع المعلم مصطفى باقبو ليمتزج الجاز مع الفن الكناوي في لوحة فنية رائعة. ويرجع الفضل الكبير في نجاح ميلر إلى دافيز الذي كان وراء بدء مساره كملحن عندما طلب منه أن يكتب معه ألبوم «توتو» سنة 1980. ورفقة هذا الأب الروحي تقاسم ماركوس ميلر موسيقى الغد، لكن ومع ذلك فهو فنان لا يحب الكثير من النوستالجيا إذ يقول في هذا الصدد «لا أحب النظر إلى ما قمت به ، لا أريد أن أوصف بالموسيقي الشامل». وكان جمهور المهرجان على موعد ، أيضا، بمنصة الشاطئ ، مع المعلم محمود غينيا ابن مدينة الرياح وأحد أيقونات الموسيقى الكناوية والذي ارتبط تاريخه بواقعة العبيد الأفارقة، حيث يعتبر جده من أصول مالية تم بيعه بالصحراء. وسطع نجم محمود غينيا، الذي شرع في اللعب بالكمبري منذ أن كان يبلغ من العمر 12 سنة، كواحد ممن يتقنون دمج الأنماط الموسيقية، كما حدث مع الأساطير كارلوس سانتانا وآدم رودولف وويل كالون وإساكا سوو وعلي كيتا. كما استمتع الجمهور بعروض موسيقية رائعة توالى على أدائها، فوق المنصة ذاتها، كل من فرقة ديربا (المغرب)، التي داع صيتها والمكونة من أصدقاء جمعهم حب الفن والموسيقى، فساروا في درب الإبداع وتقاسم المتعة مع الآخرين، والفنانة آيو المنحدرة من أب نيجيري وأمة غجرية والمتسمة بخصال التواضع وخاصة في فن الحياة ، فنالت شهرة عالمية وخاصة بعد ألبومها " أسقط على ركبتي " الذي خلق الحدث عالميا. وفي برنامج الحفلات الحميمية، كان عشاق تاكناويت ومحبي الاستطلاع الذين يودون اكتشاف الحركات الكناوية الأصيلة ، على موعد مساء أمس ، مع المعلم أحمد باقبو وفرقة عيساوة الصويرة بدار الصويري، والمعلم عمر حياة والمعلم حميد دكاكي بزاوية عيساوة، ومع المعلم حسن بوسو وفرقة عيساوة مكناس، ببرج باب مراكش. وسيرا على النهج الذي سار عليه مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة منذ انطلاقته في دعم وتعزيز جميع الأشكال الفنية والاجتماعية والثقافية والرياضية المتاحة للشباب بالمدينة، تقام بالموازاة مع الدورة الحالية للمهرجان تظاهرة "أولاد موغادور". وخصص لهذه التظاهرة منصة أطلق عليها نفس التسمية تقام عليها عروض موسيقية من أداء شباب من المدينة، وذلك لإبراز هذه المواهب التي برهنت مع توالي الدورات على وجود طاقات إبداعية خلاقة، حجر الزاوية في مفهوم وموقع التعبير لدى الفنانين الشباب بالصويرة. وشهدت المنصة المقامة بباب دكالة، مساء أمس، صعود فرق مكونة من شباب قاسمهم المشترك ولعهم وشغفهم بالموروث التقليدي الكناوي، وسعيهم إلى الحفاظ على استمرارية هذا الفن العريق مع مزجه بألوان موسيقية أخرى.