«البيوت أسرار « هذه المفردات ارتبطت بواقع الأسرة الذي لا يعرف خباياه سواها، كما يشاع في الثقافة الشعبية «ما يعرف لي بين المراة و راجلها غير الله» يمكن أن تنطبق هذه العبارات حول ما يعرف ب»الطلاق العاطفي» وهي ظاهرة أصبحت تشاع في المجتمعات العربية، فا الطلاق الشرعي واضح ولا رجعة فيه، أ ما «الطلاق العاطفي»، الذي يعد أكثر أنواع الطلاق خطورة، وأشدها ألماً، كون الشريكين يعيشان تحت سقف واحد، لكنهما «مطلقان» من دون شهود، هو أزمة اجتماعية أسرية غير عادية بسبب حجبها عن العامة وجعلها قضية ثنائية لا تتعدى أحاسيس الأزواج،فهما من يتعايشان معها في صمت رهيب و ألم شديد... إلا أنه مع تضاعف الحالات أصبحت شأنا يثير فضول ذوي الاختصاص من خبراء و إعلاميين ،وبفضل وجود شبكات التواصل الاجتماعي و ظهور بعض البرامج الإعلامية الخاصة ، أتيحت للمتضررين فرصة نقاش الموضوع و البوح بمعاناته رغم صمت العديد من الحالات، إلى أن الأطفال أيضا عبروا عن تضررهم فالمسألة غير سهلة بالنسبة للمحيط بأكمله، من خلال هذا التحقيق نرصد حكايات محبطة ونهايات تعيسة لم تعلن انهيارها رسميا خوفا وحرجا من ثقافة العيب الاجتماعي،وننبش لمعرفة أسباب هذا التصحر في العلاقات الزوجية ... الزواج في الشرع والقانون... لقد شرع الله الزواج كوسيلة سليمة لبقاء البشر، وديمومة الحياة، وكمعين لإتباع الإنسان لأوامر دينه ونواهيه، وصيانة عواطفه وشهواته من الزلل والانحراف، فكانت له أحكام وآداب، وله تبعات وتكاليف ومسؤوليات، يفترض من الزوجين الالتزام بها، لقد جعله الله تعالى أية من آياته الكريمة بقوله» هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا» و يعرف الزواج في الماد4 من مدونة الأسرة المغربية «الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام ،غايته الإحصان والعفاف و إنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين طبقا للأحكام المدونة» فليس هناك ألفة بين أثنين كألفة الزوجين فرغم التوترات والاختلافات إلى حد الذروة لكنهما لا يلجأن إلى الطلاق المباشر إلا إذا اشتد اليأس ،فلهما القدرة على تجاوز ذالك وتحقيق الاستمرارية، ذالك لن يكون مجانا فلا بد من حضور كل أشكال التنازلات والتضحيات فهي مبادئ موروثة لأجل المداومة.... * تشخيص واقع الطلاق العاطفي... تحت سقف واحد منذ سنوات طويلة لكن المسافات بينهما بعيدة ، تلاشت ملامح الشراكة في علاقتهما الزوجية ،وحل عنها جمود في العواطف والمشاعر ليصبحا كموظفين في الحياة الزوجية تجمعهما لقاءات عابرة والتزامات مادية للحفاظ على شكلهما الاجتماعي والأسري أمام الآخرين... وعلى الرغم من صعوبة العيش ضمن علاقة زوجية جامدة وصامتة خالية من مشاعر المحبة والمودة إلا أن الزوجين أو احدهما خاصة الزوجة تقبل الاستمرار في الزواج الصامت حفاظا على الأطفال وخوفا عليهم من التفكك الأسري والإصابة باضطرابات نفسية أو اجتماعية قد تؤدي إلى ضياع حياتهم المستقبلية أو بسبب العادات والتقاليد والموروث الثقافي في المجتمع تجاه المرآة المطلقة خاصة وان معظم العائلات في المجتمع لا تروق لها فكرة أن تعود ابنتهم مطلقة سواء كان معها أولاد أو لأن خروجها من بيت زوجها ستدخل إلى مجتمع بأكمله ينهش حقوقها ويصادر حريتها ويحاصرها فتفضل تحمل نيران رجل واحد أهون من مجتمع بأكمله فعندما يغيب الحب، والتفاهم، والانسجام، والاهتمام المتبادل، والثقة، والرغبة الحقيقية في البقاء معاً، فتدخل الحياة الزوجية في حالة موت سريري، يختفي فيها الشعور بالأمان الذي يمثل الركيزة الأساسية لنجاحها واستمرارها، ويسكن الصمت في كل زوايا الحديث الذي كان عامرا ذات يوم بينهما، إذ أن انقطاع التواصل والحوار أدى إلى طلاقهما العاطفي، وفي هذه المرحلة من الموت غير المعلن للحياة بينهما، تطول فترات الشوق، ويقل التعبير عن الحب، بين الطرفين، بل ينحسر تماماً، وتنعدم الرغبة في المعاشرة الزوجية، فتنشأ الرغبة في البحث عن وسائط أخرى للتواصل مع الجنس الآخر، بشكل سري أحيانا، ثم تتسع الفجوة بانقسام فراش النوم، والاجتماع على الطعام فقط،فهما يعيشان منفردين عن بعضهما البعض رغم وجودهما في منزل واحد، في انعزال عاطفي تام، ولكل منهما عالمه الخاص البعيد عن الطرف الآخر، حتى يصبح حضور أو غياب أحدهما عن البيت لا يعني للآخر الكثير، وربما يصل في مرحلة متقدمة إلى شعور بالراحة والاطمئنان عند الغياب أو السفر، كما يعرف على أنه التباعد والفقدان التدريجي للشعور بالمودّة والمحبة والرغبة بين الزوجين... الحياة مسرح للعديد من حالات الطلاق العاطفي... - الخيانة الزوجة جعلتني أهجر زوجي 9سنوات... زينب 45 سنة أستاذة في التعليم الثانوية، أنا من طلقت زوجي وحرمته على نفسي بعد أن ضبطته متلبسا مع الخادمة في غرفة نومي، حيث عدت اضطراريا في يوم ملئ بالأحزان بلغتني فيه أختي بوفاة والدنا، ما جعلني أعود للبيت في وقت غير معتاد بقلب محروق على أب غالي ،وسوف تشتد حرقته بعد رؤيتي لمنظر جعلني أنعي من خلاله كل القيم الجميلة التي جمعتني بوالد أبنائي، الذي كنت أكن له كل الحب والثقة والاحترام وكنت أظن أنهم متبدلان ،اختلط الحزن الأول بالثاني وعشت جراحا تفاعلت رغم صعوبة الانسجام تقبلت فراق والدي لأنها سنة الحياة ولقوة إيماني بقدر الله،لكن لم تفارقني غصة الخيانة ليومنا هذا وقررت الهجر،وحكمت عليه بالطلاق الروحي والعاطفي فليس باستطاعتي التعايش مع زوج احتقرته وصار بالنسبة لي وضيعا، لكن له دور أخر في حياة أبنائه لن أقرر في قطع تلك العلاقة بينهما فهو أذاني أنا فقط ،وطلاقنا الوثائقي سوف يحرمه من دوره في التربية المشتركة وربما في غيابه عنهم ،فاحتفظت لهم بدوره التربوي وانتهى دوره كزوج منذ أزيد من 9 سنوات لم أسنح له حتى بالفرصة بنقاش الموضوع فالمحيط العائلي فهم أن هذا التعامل نتج عن أزمة الحزن التي عشتها بسبب فراقي لوالدي لكن الطعنة كانت أقوى من ذالك وقراري ناتج عن قناعتي بأن لا استمرارية دون روابط الحب والثقة.... -الإفلاس المالي والشقة من حق الزوجة جعلني أعيش تجربة تمثيل الزواج... السيد حكيم 41 سنة مقاول، دخل في مغامرة مع عائلة زوجته في إنشاء شركة كبرى لتنتهي بالإفلاس يحكي عن معاناته مع زوجته التي عزت فشل تلك المؤسسة إلى سوء تدبيره وقلة معرفته، برغم أنه هو الأخر متضرر لكنه رجح أسباب ذالك الإفلاس، إلى كون أن الشركة كانت تتمشى بأكثر من رئيس إلا أن زوجته وعائلتها لم يتقبلوا هذا الطرح واعتبروه المتهم الوحيد وأضحى يعيش غريب بينهم متحاملين عليه، حتى تحولت حياته إلى جحيم أولا، بسبب بتنوع الخسارة: المال والزوجة والاستقرار يردد بألم شديد « لقد تحولت حياتي إلى عذاب منذ انفتحنا على عائلة زوجتي وقررنا توسيع المقاولة للمزيد من الأرباح ،فلم أربح شخصيا سوى المشاكل فقدت أموالي وسعادتي، الإشكال أن استمرارنا صار مستحيلا لكن حين قررت شراء بيتي أقنعتني زوجتي وعائلتها بأن أكتب لها الشقة في اسمها باعتبارها أم بناتي الثلاث وحتى يطمئن الجميع على مستقبله، بقيت أنا بدون مستقبل ولا حاضر، أعيش فقط مع الماضي و أجمل لحظاتي التي قضيتها مقاولا مستقلا بسيط أعمل على تنمية مواردي عبر السلم العادي لأجد نفسي ضيفا عند زوجة أنفصل عنها عاطفيا و روحيا لكني أضمن لنفسي مكان للمبيت أولا، لان لا أملك غيره ثم لتواجد مع بناتي الثلاث حتى لا يتأثرن ببيئة ملؤها الطمع والجشع ولا يؤمن أصحابها إلا بعلاقات المصلحة والمال فلم يبقى لي أكبر من هذه المسؤولية ،حتى أعثر على وسيلة أعود من خلالها لنقطة البداية، فانا أتعايش مع أوضاعي الحالية متزوج أمام الناس وأتكبد شرارة الانفصال التام مع زوجة اختارت السعي وراء المال والمظاهر ....» - تزوجها قاصر ثم كرهته وعشا الهجران.... تؤكد سعيدة 34 سنة أن سلبيات الزواج المبكر هو التقاعد قبل الأوان في أداء مهمة الزوجة «أنا ألان أعيش كزوجة تجاوزت التسعين ،حيث زوجني والدي بصديق له يكبرني 26 سنة وأنا لم اتمم 13 سنة انتزعوني من فضاء اللعب ولم أتزوج بابن جيلي، أتدرج رفقته سلم الحياة ،لنجرب الفشل والنجاح معا ،كنت دائما اهرب من بيت الزوجية وأعود إليه بعد أن يضربني والدي غفر الله له، ويشبعني سبا ،لأنه يحترم صهره ويعتبر أن مكاني بقربه ،ما تسبب في كرهي لهذا الزوج الذي تذوقت معه مرارة الرفض برغم أنه لم يقسو عليا، لكن اعتبرت زواجي منه أكبر قسوة، خاصة وان والدي يضربني بسببه بعد سنتين من الزواج سوف ننجب ابنتين توأم سوف يشتغل هو بالتربية لأنه ليس معقول أن تربي الطفلة طفلة تساعده في ذالك والدتي ومع ذالك ستكبر العلاقة ويكبر الكره، الان بناتنا في سن المراهقة وهو جد متعلق بهم خاصة وأنه سبق أن طلق زوجته بحجة عدم الإنجاب سوف استغل عامل التربية، لانسحب من حياته بهدوء، رغم أنه جنبي، وسوف نعيش الانفصال لان العاطفة لم تجمعنا يوما فانا بسبب هذا الزواج، لا تحركني أي مشاعر اتجاه الرجال، و هو حريص على ألا يخسرنا جميعا، خاصة وأنه بدأ يتقدم في السن ويخشى هروبنا جميعا فهو تقبل الوضع، له دور كمعيل ولا دور لي غير أني أم لبناته ،حتى أعمال البيت الأخرى لم تكن لديا رغبة في تعلمها لان البيت كان بالنسبة لا يشكل غير سجن...» غالبية النساء يفضلن الاستمرار في الزواج شكلياً وعدم إنهاء العزلة الزوجية لخوفهن من عواقب الطلاق الفعلي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمصير الأبناء والنفقة وخلافهما من الأمور الموصولة بالمحاكم يعيش الانفصال بسبب القرابة والمرض... يعيش محمد 45 سنة أزمة من نوع أخر فهو تزوج ابنة خاله وبعد الولادة عانت بمرض مزمن منعهما من ممارسة علاقتها الشرعية ما اضطر إلى عزل فراشه عنها لم يقدر على التخلي عنها لأنها تقربه هكذا عبر عن ذالك « ليست شهامة أن أتخلى عنها لأنها عانت مرضا، ماذا لو كنت أنا من تعرض لهذا المرض؟ أعرف جيدا أنها لن تتركني لهذا السبب و أنا بدوري لن أتخلى عنها لكن أقر أنه انتهت عدة أشياء بسبب المرض حيث بيتنا تغيب فيه الروح والإشعاع رغم أنها تعافت جزئيا لكن ألفنا هذا الوضع أي الانفصال ولم نثير حتى نقاشه نحن متزوجان دون أن نعيش حياة زوجية طبيعية...» زواج مع وقف التنفيذ... هذا ويرى أستاذ السوسيولوجيا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس الدكتور عبد الرحيم العطري «أن هذا الزواج الموقوف التنفيذ ظاهرة متكررة متعددة ومختلفة باختلاف نماذج الحياة من حولنا، ويعز ذالك إلى أن الاستراتيجيات الزواجية في كل المجتمعات تخضع إلى التغير، اتصالا بما يطرأ على هذه المجتمعات من تغيرات، فالانتقال من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية، لا بد أن تكون له تأثيرات على آليات إنتاج الزواج، كما أن الانتقالات الديموغرافية و الاجتماعية و القيمية و المجالية، التي عرفها المغرب، فضلا عن الانتقال التقني المرتبط باستعمال التكنولوجيات الحديثة للإعلام و الاتصال، كلها عناصر حاسمة في بناء تصورات الزواج و شروطه.... مضيفا أن المغربي الذي كان يتزوج في سن 17 سنة كمعدل وطني سنة 1960، بات يلتحق بمؤسسة الزواج في 32 سنة من عمره سنة 2004، ما يعني بروز حالات التأخر في الزواج، و لهذا من الطبيعي أن تتغير الاستراتيجيات الزواجية، فما كان مرفوضا بالأمس القريب، بات مقبولا إلى حد ما مؤخرا، فالزواج من امرأة مطلقة أو تكبر الزوج في السن، كان مرفوضا بشكل كبير، إلا أنه اليوم بات أمرا متفاوضا بشأنه، و بالإمكان إبداء المرونة بشأنه من قبل المقبلين على الزواج. دليلنا في ذلك دراسة أجريت أخيرا حول الشباب و الأسرة، كان من أبرز نتائجها أن نسبة هامة من الشباب المبحوثين تصل إلى نحو 63 بالمائة لا ترى مانعا في الزواج من امرأة تكبره سنا أو من امرأة سبق لها أن تزوجت بنسبة 61 بالمائة، كما أن ذات الدراسة تؤكد أن الغالبية العظمى من المبحوثين بنحو 81 بالمائة ترفض الزواج من فتاة فقدت بكارتها لسبب من الأسباب غير الزواج، فثمة أمور تحافظ على ثباتها في بناء آليات إنتاج الزواج، و ثمة أمور أخرى تخضع للتفاوض و التجاوز أحيانا. فالبعض في عنفوان الشباب يشترط «رمانة مغمضة» و صغر السن «سنان الحليب»، وفقا لما نحته المخيال الشعبي من صور نمطية، للأسف الشديد، عن المرأة، و هو ما لا يصمد طويلا على طول الخط، ذلك أن منطق التفاوض مع البكارة و الطلاق و السن، يكون مرتفعا لدى الشباب المتقدم في السن و العاطل عن العمل، و هو ما يحدث أيضا لدى الإناث اللواتي يبدين الاستعداد للزواج من رجل مطلق و بأبناء، كلما كان هناك تقدم في السن و غياب العمل. و لهذا يمكن القول بأن الوضعية المراتبية للمرء هي التي تحدد استراتيجياته الزواجية، فكلما كانت الخيرات الرمزية و المادية التي يتوفر عليها محدودة كلما كانت إمكانية التفاوض و المرونة ممكنة، و بالطبع فهذه الخيرات تتوزع على السن و العمل و الاستقرار المهني و التاريخ الشخصي، فضلا عن الأبعاد الجسدية، مادام الدخول إلى مؤسسة الزواج يفترض استثمار كل هذه الرساميل. و النتيجة باقتصاد كبير في اللغة، كلما تضاءلت الموارد و الإمكانيات المادية و الرمزية للفرد، ذكرا أو أنثى، كلما تراجعت شروط الزواج، و لم تعد صارمة إلى درجة كبيرة. ويؤكد الدكتور العطري على أنه لا بد من التأكيد على أن ما يعطي للزواج كفعل اجتماعي معناه النبيل المفترض ، هو التواصل و التفاهم ، فالزواج طقس و وضع اجتماعي عرفته مختلف الشعوب و الحضارات ، كترجمة للمودة و تأكيد لها ، يعني أن الزواج يفيد التلاقي و التفاهم و المشاركة النوعية و الإيجابية بخصوص تدبير اليومي و صناعة الحياة ، هذا ما نجده حاضرا بقوة في الانبناء المفترض لهذا الفعل الاجتماعي ،و عليه فعندما يحضر الإكراه على طول هذا الفعل ينفقد المعنى المفتوح على التواصل و التبادل الرمزي و المادي المتوازن للقيم و الممارسات الاجتماعية و الثقافية داخل مؤسسة الزواج ، و نصير بالتالي قبالة علاقة اجتماعية مفتوحة على الاختلال لا السواء ، و هو ما يمهد قبلا و بعدا لكثير من الأعطاب الاجتماعية و النفسية و التي تتجاوز مستوى الزوجين إلى الأبناء و العائلات و المجتمع عموما ،بموازاة أنماط التنشئة الاجتماعية، و على طول فعالياتها و مؤسساتها يستمر بشكل متواتر تشريب مجموعة من القيم و قواعد السلوك الاجتماعي المقبول الذي نصفه في كثير من الأحيان ب «الصواب»، و في إطار هذه القيم المستدمجة يتم التعويد على رسم البورتريه المحتمل بل و الضروري لزوجة المستقبل، التي ينبغي و أن تكون شبيهة لصورة الأم، و أن تكون مطيعة و طيعة و خادمة و جارية في خدمة الرجل أولا و أخيرا، لكن هذا البورتريه لا يصمد طويلا في ذهنية الشباب، بل يتعرض للتغيير و الإضافة مع توالي الأيام و التجارب، و هكذا تصير الزوجة حداثية و متعلمة بالنسبة للشباب خلال سنوات الدراسة، و متعاونة ماديا و ربة بيت خلال فترة العمل، و تصير بلا شروط محددة خلال فترات انسداد الآفاق و شيوع الأزمة، و هذا يعني أن الإطار العام و الظرف الاجتماعي للشباب هو الذي يؤطر و ينتج شروطه الخاصة للزواج.... كما دعي الدكتور والسوسيولجي العطري كل المتزوجين إلى ضرورة اعتماد التضحية كشرط وجوب، لأن العلاقة الزوجية لا تصمد إلا بمزيد من التضحية و التفاهم و التنازل أحيانا، لكنها تتعرض للانهيار في أول امتحان صعب، عندما تصير مختزلة في المادة و اللهاث وراءها، و اعتبارها رقما أساسا في تدبير العلاقات الاجتماعية، و على العموم فتنقيد العلاقة الزوجية يكشف هشاشتها و مآلها المفتوح على التصدع، و أمام الكثير من المشاكل، يجد البعض الحل في استمرارية العلاقة الزوجية و لو مع وقف التنفيذ، فالمهم هو الحفاظ على وضعية «المتزوج» أو «المتزوجة»، و ممارسة الطلاق العاطفي فقط، بداعي الحفاظ على الأبناء، أو فقط للحفاظ على الصورة الإيجابية للتماسك الاجتماعي أمام الآخر. و بذلك نغدو أمام زيجات مع وقف التنفيذ، تحافظ على «وجاهتها» الرمزية من أجل الآخر، لا من أجل الذات...» خلاصة القول يتأكد أن الطلاق العاطفي يمثل قوة تدمير سلبية تغطي بظلالها القاتمة كافة شؤون الحياة، وربما تقود للخيانة الزوجية وبحث أحد الزوجين عن علاقة أخرى بديلة سعيا للوصول إلى الإشباع العاطفي والسكن النفسي الذي لم تحققه العلاقة الزوجية، وعليه فإن دور الأزواج يصبح عظيما في ظل غياب مؤسسات الإرشاد الزوجي ،الذي يقف عائقاً أساسياً في قدرة الأطراف على المعالجة، إذ إنّ أفضل ما توفره هذه المؤسسات هو إعادة التواصل بين الأزواج وإيجاد أرضية مشتركة يقف عليها الطرفان ويجدان أهدافاً ومسببات تدفع للاستمرار في هذه العلاقة، ولذا فلا بد للزوجين من يتعرف كلا منهما على قيم الآخر، وأن يعطي أكثر مما يأخذ، وأن يتحلوا بالصراحة والوضوح، ويبتعدوا عن الصمت والغضب لأن الصمت يؤدي إلى تراكمات وشحنات عاطفية سلبية تدمر الحب تدريجيا بينهما، كما على الأزواج أن يجعلوا من العلاقة الزوجية إحدى أولى أولويات حياتهم، وأن يظهروا المودة والرحمة التي جعلها الله إطارا للعلاقة الزوجية من خلال بعض السلوكات التي تعطي مؤشرات الحب والتواصل الوجداني ، كما على الأزواج أن يفكروا بإيجابيات شريك الحياة ويعظموها وأن يصغروا السلبيات ويقللوا من شانها، لأن العلاقة الزوجية في النهاية تعطي للكون والوجود معنى أخر ما إن توفرت شروط السعادة الزوجية وبناء مؤسسة الزواج على أسس متينة...