اعتبر محمد المعاشي، باحث مختص في القانون الاجتماعي، أن من بين العراقيل الأساسية وأحد الأسباب الرئيسية التي تقف وراء عدم تطبيق مدونة الشغل بالمغرب، نجد الثقافة السائدة داخل المقاولة المغربية، إذ غالبا لا تخضع علاقات الشغل لمنطق القانون ومقتضيات المدونة خاصة إذا ما تعلق الأمر بنزاعات الشغل، بل تتحكم ضوابط أخرى لا علاقة لها بالقوانين المنظمة للشغل. وانتقد المعاشي في ندوة فكرية نظمتها الفدرالية الديمقراطية للشغل، بمناسبة مرور عشر سنوات على دخول مدونة الشغل حيز الوجود مساء أمس بالرباط، الحكومة الحالية لأنها لم تستطع أن توفر آلية محكمة من أجل تفعيل مأسسة الحوار الاجتماعي المركزي، ما جعل الحوار يتعثر مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا للطبقة العاملة، باعتبار أن الحوار هو الوسيلة الأرقى من أجل الوصول إلى اتفاقات جماعية ما بين أرباب العمل والشغيلة. وأشار بنفس المناسبة إلى أن هذه المدونة التي مر على تطبيقها عشر سنوات، وجاءت كثمرة توافق ما بين الفاعلين والمهنيين في الشغل وكل المهتمين والمختصين، لم تنل حقها من الاهتمام من أجل الوقوف عليها والتمحيص في تطبيقاتها ونقط ضعفها وقوتها، وماهية الأسباب الحقيقية التي تقف وراء عدم تفعيل مقتضياتها. وشدد المختص في القانون الاجتماعي على أن إقرار هذه المدونة تم بعد عشر سنوات في ظل الدستور السابق، ما يجعل الضرورة ملحة ومطروحة أكثر من أي وقت مضى للعمل على تعديل هذه المدونة من أجل ملاءمتها مع الدستور الحالي وتشريعات المنظمة العالمية للشغل، والالتزام بالتطبيق الفعلي والسليم للقانون. واقترح المعاشي بعض الإجراءات التي بالإمكان أن تشكل أرضية لبعض التعديلات المستقبلية على بعض مقتضيات المدونة، المتمثلة في تقوية الإجراءات الجزائية ضد المشغلين الذين يخرقون بنود المدونة خاصة المتعلقة بحقوق الأجراء، ثم العمل على إضافة مقتضى جديد يلزم المشغل بالحضور أمام مفتش الشغل في حالة مخالفة القانون، بالإضافة إلى تفعيل دور المجلس الأعلى للاتفاقية الجماعية، فضلا عن الرفع من الموارد البشرية لجهاز مفتشي الشغل. كما اقترح المعاشي على الجهات المسؤولة العمل على تنظيم ندوة وطنية من أجل تقييم مدونة الشغل، واقتراح التعديلات اللازمة على مقتضياتها وهذا يتأتى بحضور ومشاركة كل المهتمين والمختصين والمركزيات النقابية وكل أطراف الإنتاج والباطرونا. ومن جهته اعتبر يونس العياشي نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة وأستاذ زائر بكلية الحقوق أكدال الرباط -وهذه الصفة الأخيرة التي يؤكد حضوره بها في هذه الندوة- ، أن الفصل 288 من القانون الجنائي كالسيف الباتر على أعناق الطبقة العاملة، حيث يوضح العياشي أن ما منحه هذا الفصل من حق للإضراب لفائدة الأجير ، أخذه باليد اليسرى تحت ذريعة عرقلة حرية العمل، ونصح في حالة نزاع شغل يتعلق بهذا الفصل، بالتوجه إلى القضاء الاستعجالي للبت والحسم في ذلك. وشدد العياشي على أن تفعيل تطبيق مدونة الشغل لا يتطلب بنودا ومقتضيات جيدة ومهمة فحسب، بل يتطلب بالأساس بما أسماه مقاولة مواطنة ونقابة مواطنة. كما تم التطرق في هذه الندوة التي عرفت حضورا كبيرا لعدد من الأسئلة الأساسية التي تهم المدونة، على سبيل المثال احترام شروط الصحة والسلامة المهنية، احترام التصريح بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الإجراءات المتعلقة بحماية العمال الزراعيين، بالإضافة إلى القانون المنظم لعمال وعاملات المنازل، مراقبة الشركات المتعددة الجنسية، فضلا عن جهاز مفتشي الشغل وعددهم غير الكافي، ثم احترام حقوق المهاجرين وإدماج مواد الاتفاقية الدولية في قانون الشغل. ..