بمجرد النطق باسم قبيلة بني أحمد تتبادر الى أذهان العامة زراعة القنب الهندي، على اعتبار أن هذه الزراعة تشكل الإقتصاد الفعلي لهذه المنطقة، وهي التي أوصلتها للشهرة التي عليها الآن القبيلة، كما أضحت قبلة لكبار بارونات ومروجي المخدرات، ومجالا خصباً للاغتناء السريع، فهذه الطفرة الإقتصادية انعكست سلبا على النسيج الإجتماعي الحمدي وعلى تقاليده وعاداته، إذ أصبح المورورث الثقافي ممارسات يجب تجاوزها لأنها توحي إلى التخلف، حسب الجيل الحالي، الذي يصارعه في هذه النظرة الجيل القديم الذي يعتبر هذا الموروث بمثابة هوّية حارب حتى المستعمر من أجلها، لإيصالها لمن يعتبرون أنفسهم دعاة القيم الكونية الحداثية. فمن تكون قبيلة بني أحمد ؟ وماهي أصولها وأصل تسميتها وامتداداتها الجغرافية ؟ وماهي أهم عاداتها وتقاليدها؟ وماهي ، بالأساس، أهم التحولات البنيوية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عرفتها قبيلة بني أحمد ؟ وبصيغة أخرى: ماهو الثابت والمتحول في هاته القبيلة الجبلية؟ يرجع تاريخ بني أحمد و امتدادها الى قبائل بربرية عريقة، خاصة قبيلة صنهاجة الريفية، عرفت هذه القبيلة بالبسالة و المقاومة، بحيث وقفت حجر عثرة للمستعمر الإسباني، إبان احتلاله للمغرب، و تجدر الإشارة الى أن اسمها ينطق بني يحمد بالياء، وفي عهد البيعة كتب بني أحمد بالألف، ويبقى الإسم الأول أكثر شيوعا، كما ذاع صيتها في مجال العلم، خاصة و أنها كانت قبلة للطلبة وحملة كتاب الله عز و جل، تقع شمال مدينة شفشاون، تحد شمالا بقبيلة غزواة وجنوبا بقبيلة بني زروال، وشرقا بقبيلة غمارة، وغربا بقبيلة بني مسارة. استمدت شهرتها من الغنى الطبيعي، إذ تعرف بكثرة أشجار التين و الزيتون و العنب.... وتعرف أيضا قبيلة بني أحمد بالجبال الشامخة، كجبل بومزية، و القلعة، وجبل ميمونة ... وكل قمم هذه الجبال، عرفت حروبا طاحنة بين أهالي المنطقة والجيوش الإسبانية، التي احتلت المنطقة وجثمت على أعالي هذه الجبال، ويعد جبل سيدي حجاج قلب بني أحمد النابض، إذ يوجد به حاليا السوق الأسبوعي، وكان موقع استراتيجي هام بالنسبة للمستعمر حيث تمركز فيه، ولا تزال بعض الآثار والأطلال للثكنات العسكرية الأجنبية والمقابر شاهدة على أزمنة تاريخية قد مرت من كل تلك القمم إلى يومنا هذا. بالإضافة للجبال المهمة التي تتميز بها هاته القبيلة، فإنها تتميز أيضا بمجموعة من الأنهار أهمها نهر أوضور الذي يعتبر الأكبر بالمنطقة، وهو يفصل قبيلة بني يحمد عن بني مسارة وغزاوة وبني زروال. إضافة إلى نهر غمرة ونهر أمزغرو، هناك العيون الجارية ذات المياه العذبة والخالصة كعين تلوان وعين بوقرقورة، كلها عيون ذات مياه عذبة وتنتشر بالقرب منها مساحات هامة لأشجار البرقوق والتين والزيتون والخضر والفواكه. تنقسم قبيلة بني أحمد إلى مجموعة من الفرق، مازالت قائمة إلى يومنا هذا وهاته الفرق بدورها تشتمل على مجموعة من الدواوير أو المداشر، وهاته الأخيرة بدورها تشمل عائلة أو مجموعة عائلات تشكل ما يطلق عليه بالدوار، و سوف نعرض من خلال مايلي الفِرق العشر المشكلة لقبيلة بني أحمد وهي : - فرقة «تفزة» و تضم الميزال، البريات، بزت، دارغابة - فرقة «بمام» و تضم المعصرة، الدراويين، بوشيبة - فرقة «تلنداود» و تضم المركز، تاية، ترتكعلو، كلالة العليا، كلالة السفلى، السراق - فرقة «تلازمور» و تضم القور، الرملة، تورات، تلازمور النخلة، تلازمور بوشيخ - فرقة «اشتيوان» و تضم اهلولة، العوزيين، اولاد سليمان، اشتنبلة، بني ميزار - فرقة»أضوار» و تضم بونون، زمامرة، المويدة، السراق - فرقة «تلوان» و تضم بني خليفة، اسكيكث - فرقة «ككث» و تضم الزاوية، الحراش، الريحانة، الشتيتمة، بوسلام، البلاط، ازلاف، اسمساد - فرقة «بني مسترة» و تضم بوجعاد، عنقود، أحليمات، بوسادون، زاريفن، بوغياث، الزاوية، سيدي يوسف الجبايرية - فرقة»بني لاوة» و تضم المنصورة، القوب، تسكالة، مزينيش، أيبران، تيمارت، أرواطين، أولاد فرح، بوليدة، أغبار، أيدي. قبيلة بني أحمد وإن كانت بربرية الأصل، فإنها تعرّبت تماما واختفت منها البربرية ولم يبق منها إلا الأسماء التي تدل على الأماكن أو المداشر.. فهي اليوم عربية لغة وأخلاقا وعوائد إلا ما قل وندر، كعادة «الحاجوز» المأخوذة عن المسيحية. إلا أن بالقبيلة عدة لهجات مختلفة ومتباينة، سواء منها بجبالة كلهجة الشرفاء الجباييرين الذين يبدلون الخاء كافا ، وكلهجة عزوزيين الذين يبدلون القاف همزة (قال=أل) و بني لاوة الذين يتكلمون بالغنة، وتبقى هذه اللهجات دارجة مغربية بامتياز تقترب من مفردات اللغة العربية، وتبتعد من البربرية، ويعود الأمر بالأساس إلى الهجرات والإختلاط والمصاهرة بين مختلف فروع وفرق القبيلة وانتشار المدارس التي جعلت لهجة القبيلة ذات أصل بربري تتحول إلى العربية الدارجة ، وهذا ما عرفته غالبية القبائل المغربية على المستوى اللغوي. عادات وتقاليد القبيلة «الحمدية» لكل قبيلة عاداتها وتقاليدها تمارسها بالشكل المتعارف عليه داخل بنياتها الإجتماعية ، كما أن لكل قبيلة مواسمها التي تحتفل فيها بالذكرى، ذكرى جد أو ولي صالح ينتسب إليه أهل القبيلة على اختلاف فرقهم.ومن بين العادات التي دأبت قبيلة بني أحمد على إحيائها عادة «الحاجوز» التي يدوم الإحتفال بها ليلتين متتاليتين خلال شهر يناير الفلاحي «ففي الليلة الأولى يصنعون للعشاء «الدشيش» وفي الليلة الثانية يصنعون التريد والسفنج، وفي اليوم الأخير يذبحون الدجاج ويهيئون الحمص المبخر والمعطر بالتوابل» . كما كان الأطفال الصغار يطوفون ويجولون في مداشرهم خلال الليلتين وهم ينشدون أهازيج ويطلبون من كل دار شيئا يُعطى لهم كبيض الدجاج أو النقود أو غيرها فيعمد الأطفال في النهاية إلى اقتسام ما جمعوه فيما بينهم بالتساوي. وكانت القبيلة تحتفل خلال شهر ماي «بموت الأرض» ويهيئون أكلة خاصة يودعون بها فصل الربيع، ومعنى ودلالة «موت الأرض» هي أن الأرض تتشقق وتصبح قاحلة يابسة، والمزروعات تنضج وتصبح يابسة قابلة للجني والحصاد. ومن أهم العادات المهمة التي كانت القبيلة تحافظ عليها وتحتفل بها هي الإحتفاء بأبنائها من حفظة القرآن الكريم، حيث يقام الحفل لدى الأسرة و يحضره فقيه المسجد و «الطلبة» وفقهاء القرية والشرفاء والأعيان وكان من أهم الإحتفالات التي تقام لتكريم حفظة القرآن، حيث كان للمساجد دور هام في هذا المجال، إذ عرفت القبيلة بمساجد عتيقة كانت عبارة عن «معاهد وجامعات» لتحفيظ القرآن الكريم، ودرس بها طلاب من القبائل المجاورة، إلا أن هذه المساجد قد خلت بصفة نهائية من تدريس القرآن الكريم وتحفيظه، وبذلك بدأ انقراض الحُفّاظ يتمظهر داخل القبيلة. إنها ظاهرة مؤسفة بدأت تحل بالبوادي الحمدية. وفي ما يخص عادات حفلات الأعراس فقد اختلفت طريقة الإحتفال بها من فرقة إلى أخرى، مع اختلاف بسيط في الطقوس المرتبطة بالحناء وليلة الدخلة ومدة الحفل وغيرها. ونظرا لكون قبيلة بني أحمد تعج بالأضرحة والأولياء، حيث تحج الفرق في موسم كل ضريح، لكل فرقة لواؤها الخاص بها يحمله مقدم الفرقة ويتم تقديم ثور كهدية للولي بعدما يمر من العديد من الطقوس المصاحبة له حتى الوصول لمرحلة ذبح الهدية، وحيث كان الشرفاء يحرصون أشد الحرص على عدم اختلاط النساء بالرجال، وكان سكان القبيلة يعملون على ختان أبنائهم خلال الموسم، حتى يتجاوزوا الإعتقاد الذي كان سائدا بأن من لم يختّن في موسم الولي لن يكون شهما وسوف يلاحقه ويلازمه النقص.. تحولات عرفتها القبيلة انطلاقا مما سبق تناوله عن البناء العضوي والإجتماعي لقبيلة بني أحمد بصفتها قبيلة كبيرة وقديمة لها تاريخها العميق وتعود لأصول بربرية عميقة وتميزت بتعدد مشاربها وقاطنيها الذين هاجروا إليها من مختلف القبائل المغربية وخاصة المجاورة، تتفرع هاته القبيلة إلى فرق كثيرة ومتعددة، وهي بدورها تضم العديد من المداشر التي تحتضن بين ثناياها العديد من السلالات والعائلات الشريفة والعريقة بالمنطقة ودورها الريادي في مواجهة الإستعمار والوفاء للسلطة المركزية من خلال عقد البيعة، وانطلاقا أيضا مما تناولناه عن تاريخ القبيلة ولغتها، وجغرافيتها وعاداتها وتقاليدها المتنوعة، والتي لا ندعي أننا وصلنا فيه حد الإكتمال.. نود أن نتساءل هاهنا عن الثابت والمتحول في قبيلة بني أحمد؟ وهل يمكن الحديث حقا عن تحولات مست وهمت مختلف جوانب القبيلة ؟ أم أن الثابت هو الأصل في هذه القبيلة ؟ في المحور أدناه سنحاول قدر المستطاع رصد أهم التحولات التي عرفتها قبيلة بني أحمد من عدة جوانب. بنيويا وإداريا إن القبيلة المغربية بصفة عامة، قد تعرضت عبر تاريخها، إلى تغيرات جذرية وعميقة أثرت بشكل مباشر في حجمها ووظيفتها عبر مساراتها التاريخية، وقد مرت قبيلة بني أحمد بفترات عصيبة نجملها في ثلاث مراحل أساسية،المرحلة الأولى، مرحلة التوطين والصراع مع القبائل المجاورة المعادية، والمرحلة الثانية هي مرحلة التعايش في فترات معينة مع القبائل المجاورة في ظل التوحد معها لمواجهة الإستعمار الإسباني والفرنسي في العديد من المعارك، والمرحلة الثالثة هي مرحلة ما بعد الإستعمار وحصول الدولة المغربية على استقلالها، في ظل مواصلة القبيلة لولائها للسلطة المركزية ودعم الحكم المركزي وتمتين المؤسسات الرسمية. وعلى مستوى البناء القبلي سعت القبيلة للحفاظ على تماسكها واستقلالها ونفوذها، في الوقت نفسه نحت في منحى الطاعة والولاء للسلطة المركزية التي يمثلها السلطان، كما عرفت القبيلة تحولات عميقة وهامة على رأسها الإنتقال من مرحلة الحكم القايدي والشيوخ والمقدمين ونهاية عهد القضاة الذين يحكمون القبيلة وانتقال القبيلة رسميا إلى حكم الدولة عبر المحكمة الإبتدائية لشفشاون. .. اجتماعيا إن القبيلة هي مكون اجتماعي رئيسي في التركيبة السكانية لكثير من الكيانات السياسية، وهي كذلك عائلة كبيرة جدا تنقسم لعوائل أصغر حتى نصل للبنية الأساسية المكونة من الزوج والزوجة، وتشكل الأسرة داخل البنية الإجتماعية لقبيلة بني أحمد النواة الأساسية والرئيسية للقبيلة، حيث كانت بعض الأسر تشكل نفوذا قويا داخل القبيلة في حكمها وتوجيهها. إن الأسرة ببني أحمد مازالت متماسكة وقوية كما كانت، بالرغم من انتقال غالبية أسر بني أحمد من نمط الأسرة الممتدة التي تسكن «الكانون» الواحد، إلى أسرة نووية مستقلة بسبب التحولات الإجتماعية، و الاستقلالية المادية التي حققتها زراعة القنب الهندي، والعولمة التي يشهدها العالم ، وبسبب بروز مشاكل أسرية وعائلية فرضتها تطورات الأوضاع، مع ارتباط غالبيتها بالأرض. إن امتداد الأسرة في بني أحمد، وتقلصها واشتراكها في السكن، يعود إلى التكافل الإجتماعي نظرا لهشاشة الإقتصاد المحلي، وتراجع المنتوجات الفلاحية، وارتباط الناس بموارد اقتصادية خارجة عن القبيلة بعدما كانت تعيش اكتفاء ذاتيا نسبيا. كما اعتاد الناس على الهجرة منذ زمن لهشاشة اقتصاد المنطقة، وقلة الموارد الطبيعية، وضعف البنية التحتية، وغياب الكهرباء، والطرق، والمؤسسات الإجتماعية والتربوية، وفي السياق ذاته نسجل طبيعة التعايش والتساكن السائد بين ساكنة أصلية محلية وساكنة أخرى وافدة من القبائل الأخرى أو من داخل القبيلة الواحدة بني أحمد وضمن نظامها ونمط تسييرها وقيادتها، وعلى الرغم من هذا التساكن، نسجل الصراع الذي كان يحصل بين الفرق المختلفة وكان يصل أحيانا حد القطيعة بين فرقة وأخرى، على مستوى الأنساب والمصاهرة، كل فرقة كانت تسعى لتزويج أبنائها داخلها. لكن سرعان ما تلاشى مع الوقت لانتشار الوعي والتعلم. وعلى مستوى العلاقات العائلية، وبعدما كانت تعرف بالتماسك والتضامن سرعان ما بدأت تسير نحو التفكك والصراع والعزلة، وبدأت المنطقة تسير نحو المسار الحضري المديني الذي فيه العائلات أو الجيران لا يرى بعضهم البعض الا في المناسبات غالبا. وفي سياق الزواج الذي كان يخضع في القبيلة لضابطين أساسيين هما : الضابط الشرعي والضابط العرفي، مع بعض التحولات الشكلية طبعا وتحول بسيط على مستوى الأعراف والتقاليد بفعل التطور وارتفاع تكاليف الزواج ومستلزماته، كما أن الزواج انتقل من كونه كان يهم الجماعة إلى الأسرة، فأصبح الآن يعد مسألة شخصية تهم الفرد نفسه. ثمة تحول اجتماعي ديني آخر عرفته المنطقة، ويتعلق بدور القبيلة في تخريج الآلاف من حفظة القرآن والعلماء، وبعدما كانت المساجد تعتبر المؤسسة الإجتماعية والدينية والتربوية الرئيسية بالمنطقة ويتخرج منها العديد من حفظة القرآن حتى من خارج المغرب، والذين يحظون بالتكريم الكبير داخل القبيلة ، صار اليوم للمسجد دور واحد هو العبادة، وتراجع بصفة شبه مطلقة دوره في تخريج حفظة القرآن «الطلبة» ، الذين كان لهم صيت كبير في المغرب كله. وتحول الأمر بتخطيط رسمي ربما، لصالح التعليم الحديث رغم هشاشته. وفي سياق آخر أخذت المنطقة نصيبها في التحول العام، وبالتالي انفتحت على العالم الخارجي، من خلال وسائل الاتصال الفضائي المختلفة، إلى الإتصالات الهاتفية، وصولا إلى صبيب الإنترنت الذي جعل المنطقة بلا حدود وتتلاقح مع كل الثقافات والحضارات بشكل افتراضي وتتفاعل معه على شتى المستويات. وهكذا عرفت المنطقة ، أيضاً ، تحولات على مستوى المؤسسات والبنيات، من مستشفيات ومؤسسات تعليمية متعددة وكهربة المنطقة برمتها، إلا أن هاته الأمور رغم أهميتها، فلا يمكن أن نعتبرها هي التنمية التي يترجاها السكان، في مقابل الأمية التي مازالت تشكل الغالبية العظمى من سكان المنطقة، بالرغم من بروز فاعل جديد في الحقل الإجتماعي بالمنطقة، والذي يتمثل في جمعيات المجتمع المدني التي أصبحت تلعب دورا فعالا في القطاع الإجتماعي بالمنطقة، رغم بساطة الإمكانيات، ورغم محدودية المجال. .. و اقتصاديا عندما قلنا إن القبيلة هي الوحدة السياسية والإجتماعية والإقتصادية للمجتمع/المجال، فإننا نربط الشق الإقتصادي بنوع الإنتاج الذي يميز قطاعها الإقتصادي وكذا مدى أهمية الفضاء التجاري الأسواق- الذي ترتبط به القبيلة بالضرورة. قبيلة بني أحمد يرتكز اقتصادها على الفلاحة بصفة عامة زراعة الحبوب والقطاني والزيتون إضافة إلى تربية المواشي، وممارسة بعض الحرف والمهن التقليدية كالدرازة والخرازة والنجارة.. فهل يمكن الحديث هنا عن تحولات في المشهد الإقتصادي بالقبيلة أم أن الثابت هو ما سبق أن أشرنا إليه؟ في حقيقة الأمر أن قبيلة بني أحمد مازالت الفلاحة تعتبر عمودها الفقري، ومازالت زراعة الحبوب والقطاني والزيتون هي المصدر الوحيد لعيش السكان، مع بروز التجارة بشكل نسبي، فما يمكن الحديث عنه في هذا الصدد هو أن فتح المسالك الطرقية، قد ساعد سكان القبيلة على امتهان التجارة وتسويق بعض منتوجاتهم للأسواق المجاورة بشكل سهل وسريع، كما أن زراعة «القنب الهندي» جاءت لسد الخصاص، الذي تحدثه السنوات العجاف في الزراعة المعيشية الأخرى. هذا الأمر جعل قبيلة بني أحمد تفكر في أسلوب وطريقة جديدة للرزق مما دفع المنطقة في بداية تسعينات القرن الماضي، إلى امتهان زراعة القنب الهندي «الكيف» الذي تستخرج منه المخدرات، والذي يباع بأثمنة عالية، هاته الزراعة اكتسحت المنطقة وتعتبر الطريقة المثلى حسبهم للإغتناء السريع وركوب الدرجات العليا من السلم الإجتماعي ومغادرة قارة الفقر. إلا أن الدولة المجسدة في بعض ممثلي السلطة المحلية وقواتها العمومية، كانت هي المستفيد من ذلك بفعل «الارتشاء» تحت مبرر محاربة زراعة المخدرات، وكان المستفيد الأكبر هم «البزنازة» تجار المخدرات على المستوى الخارجي، أي خارج المنطقة، وقد كان لهاته الزراعة تأثير خطير على الشباب وساهمت في انتشار الفساد، ومظاهر الانحراف.. لقد أصبحت «المادة» هي المحرك الرئيسي والشاغل الأساسي للمواطن القروي والبحث عن الإغتناء السريع هو التفكير السائد، وذلك بفعل ما عاناه ولا يزال من تهميش وإقصاء وتنمية معطوبة على مرّ السنين. على سبيل الختم من خلال هذا البحث المتواضع، نخلص إلى أن قبيلة بني أحمد هي جماعة من الناس أو السكان ينتمون إلى مجال قروي صرف، وتتكون القبيلة من عدة فرق، يسكنون في منطقة أو إقليم معين ومحدد ومشترك، يعتبرونه «وطنا» لهم، كما يتحدث أهل القبيلة لهجة مميزة ويتميزون بثقافة متجانسة، وأعضاء القبيلة يعيشون في تماسك وتآزر وتضامن ضد أي عنصر أو عدو خارجي. ومن خلال غوصنا في البحث عن أصول قبيلة بني أحمد، نخلص إلى أن هاته القبيلة هي من أصول بربرية صرفة تعربت بالكامل وامتزجت ببعض الوافدين من بعض القبائل المجاورة، وتتشكل من مجموعة من الفرق، هذه الأخيرة بدورها تتشكل من مجموعة من المداشر التي تمتزج فيها مجموعة من الأسر العريقة والشريفة النسب. قبيلة بني أحمد كغيرها من القبائل المغربية أو كغيرها من مناطق العالم ، التي تجري عليها سنن التحول، هي كذلك عرفت تحولات هامة مست بالدرجة الأولى بنيتها الإجتماعية وتقسيماتها الإدارية، بالإضافة إلى التحولات السياسية التي همت تطور المؤسسات السياسية بالمنطقة وبروز أشكال لممارسة السلطة السياسية. أما على المستوى الاقتصادي فيمكننا القول إن اقتصاد المنطقة لايزال يحافظ على منتوجه الأصلي، إنما حدث تحول على مستوى البنية الزراعية كالبذور وظهور زراعات جديدة بالمنطقة يسعى من خلالها أهل القبيلة إلى الربح السريع ولو بوسائل غير مشروعة.وعلى المستوى الإجتماعي يلاحظ التحول الذي عرفته الأسرة من شكلها الممتد إلى شكلها النووي، مع بروز «جمعيات المجتمع المدني» في هذا العالم القروي كفاعل جديد فيما يعرف ب«التنمية».. ويبقى السؤال الكبير : هو سؤال التنمية، فإلى أي حد يمكن الحديث عن التنمية، في العالم القروي بمفهومها الشامل في ظل الدولة الحديثة.. بدل عصبية القبيلة؟.