في خطاب موجه إلى الشعب الإسباني، أعلن أمس العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس تنازله عن العرش لنجله الأمير فيليبي. وكان رئيس الحكومة الاسبانية ماريانو راخوي أعلن ساعات قبل ذلك أن العاهل الإسباني استقبله وسلمه رسالة تتضمن قراره التنازل عن العرش، موضحا أن خوان كارلوس سيتوجه بخطاب إلى الشعب لشرح دواعي هذا القرار، وهو ما تم منتصف النهار. وقال راخوي في خطاب أمس : «لقد أبلغني جلالة الملك خوان كارلوس قبل قليل قراره بالتنازل عن العرش». وعبر رئيس الحكومة الإسبانية عن أمله في أن يعقد كونغرس النواب الإسباني جلسة في القريب من أجل المصادقة على تعيين ولي العهد الأمير فيليبي كملك لإسبانيا، ليصبح بذلك أصغر ملك في أوروبا حيث يبلغ من العمر 46 سنة. كما دعا رئيس الحكومة الى انعقاد جلسة «استثنائية لمجلس الوزراء»، مذكرا بأنه «من الضروري التصديق على قانون أساسي» لعملية التنازل عن العرش. وأوضح رئيس الحكومة أن العاهل الإسباني عانى في الأشهر الأخيرة من عدة متاعب صحية وأنه مقتنع أن الوقت قد حان للتغيير، مضيفا أن العاهل الإسباني سيتوجه بعد ساعات إلى الشعب الإسباني بكلمة يشرح فيها دواعي هذا القرار. ووجه رئيس الحكومة الإسبانية تحية إلى خوان كارلوس كمدافع مستميت عن مصالح إسبانيا، مؤكدا أن عملية انتقال العرش ستتم في ظروف سلسة بما يعبر عن نضج الديموقراطية الإسبانية، معتبرا أن شخصية الأمير فيليبي وتجربته تشكلان ضمانة على أنه سيستجيب لكل الانتظارات من خلال مسؤوليته كقائد للبلاد. ونقلت وسائل إعلام إسبانية عن مصادر في القصر الملكي الإسباني أن قرار التنازل عن العرش اتخذ منذ شهر يناير، بعد بلوغ العاهل الاسباني 76 سنة من عمره، بعد المتاعب الصحية التي عانى منها العاهل الإسباني في الأشهر الأخيرة، وأن خوان كارلوس ناقش الموضوع مع ولي العهد الأمير فيليبي ثم بعد شهرين ناقش الموضوع مع رئيس الحكومة ماريانو راخوي وزعيم المعارضة ألفريدو بيريث روبالكابا. وأضافت ذات المصادر أن الأمير فيليبي عاد أمس من رحلة إلى السالفادور استعدادا لإعلان والده التنازل عن العرش، كما أن خوان كارلوس ألغى رحلة كان مقررا أن يقوم بها إلى كاطالونيا. وفي خطابه إلى الشعب الإسباني، قال خوان كارلوس إن الظرف الحالي يتطلب منح الفرصة لجيل جديد بطاقة جديدة، قادر على إحداث التغييرات والتطورات التي تحتاجها المرحلة. وأضاف خوان كارلوس أن نجله الأمير فيليبي يمثل الاستقرار، وأنه قادر على القيام بدوره كقائد للبلاد. وفور أن أعلن عن القرار، توالت ردود الفعل من طرف الطبقة السياسية. وفي هذا الإطار أعلن رئيس الحكومة المستقلة لبلاد الباسك، إنييسغو أوركولو أنه يتمنى أن يكون هذا التحول فرصة لإيجاد حل للقضية الباسكية. من جهته طالب كايو لارا، المنسق الفيدرالي لحزب اليسار الموحد بإجراء استفتاء شعبي حتى « يقرر الشعب إن كان يريد نظاما ملكيا أو جمهوريا». خيسوس بوسادا، رئيس البرلمان عبر عن قناعته أن إسبانيا ستجد في ولي العهد الحالي الأمير فيليبي ملكا في مستوى ومكانة الملك خوان كارلوس، مضيفا أنه تلقى اتصالا شخصيا من العاهل الإسباني يخبره بقراره . وكانت الأشهر الأخيرة من حكم خوان كارلوس قد شهدت العديد من الجدل حول قدرة العاهل الإسباني على قيادة إسبانيا، خصوصا بعد العمليات الجراحية التي خضع لها منذ تعرضه إلى كسر في حوضه خلال رحلة صيد إلى بوتسوانا، وهي الرحلة التي خلفت ردود فعل منتقدة بعد أن نشرت وسائل إعلام إسبانيا ودولية أنباء عن قيام العاهل الإسباني بصيد الفيلة المهددة بالانقراض. كما شهدت هذه الفترة فضيحة متعلقة بابنة العاهل الاسباني وزوجها المتهم بغسل الأموال والتهرب الضريبي، ما دفع معارضي الملكية إلى استغلال هذه الوقائع للمطالبة بإجراء استفتاء حول مستقبل النظام الملكي، وغذى النزعات الاستقلالية خصوصا في كاطالونيا . وبرأي مختلف المتتبعين فإنه بالرغم من ذلك، يغادر العاهل الإسباني السلطة مخلفا وراءه إرثا إيجابيا استحق عليه تقدير غالبية الشعب الإسباني بسبب الدور الذي قام به خلال مرحلة الانتقال الديموقراطي، بعد وفاة الدكتاتور فرانكو، وموقفه الحازم الرافض للانقلاب العسكري سنة 1981 .