وجه جلالة الملك، السبت الماضي من تونس، دعوة إلى انبثاق « نظام مغاربي جديد»، على أساس روح ومنطوق معاهدة مراكش المؤسسة للاتحاد المغاربي. وجدد جلالة الملك في خطاب ألقاه أمام أعضاء المجلس الوطني التأسيسي التونسي، التأكيد على أنه لاعتبارات عديدة « ما فتئنا ندعو ، منذ سنوات، إلى انبثاق نظام مغاربي جديد، على أساس روح ومنطوق معاهدة مراكش التأسيسية، التي أكملت عامها الخامس والعشرين». وأوضح جلالته أن الاتحاد المغاربي « لم يعد أمرا اختياريا، أو ترفا سياسيا» بل أصبح «مطلبا شعبيا ملحا وحتمية إقليمية استراتيجية». وأضاف جلالة الملك أن هذا النظام سيتيح للدول الخمس مواكبة التحولات المتسارعة التي تعرفها المنطقة، وفق مقاربة تشاركية وشاملة، كفيلة برفع مختلف التحديات التنموية والأمنية. وشدد جلالته على أن «دول المغرب الكبير مدعوة، أكثر من ذي قبل، إلى التحلي بالإرادة الصادقة لتجاوز العقبات والعراقيل المصطنعة التي تقف أمام الانطلاقة الحقيقية لاتحادنا، في إطار من الثقة والحوار وحسن الجوار والاحترام المتبادل للخصوصيات الوطنية». ولاحظ جلالة الملك أن تحقيق تنمية شاملة لشعوب المنطقة المغاربية، يفرض توفير المناخ المناسب لإنجاز المشاريع الاندماجية الكبرى، وخاصة استكمال إقامة منطقة التبادل الحر المغاربية. كما يحتم، يضيف جلالة الملك ، بناء شبكات للربط تهم مختلف البنيات التحتية، وذلك لتسهيل حرية تنقل الأشخاص والخدمات والبضائع ورؤوس الأموال بين دول المغرب الكبير. وأوضح جلالته أن ذلك سيمكن من فتح آفاق أوسع للتنمية، بما تعنيه من إفراز للثروات ولفرص الشغل . وقال جلالة الملك إن « تحقيق طموحنا في بناء مغرب كبير، قوي وقادر على القيام بالدور المنوط به، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، يجب أن يرتكز على علاقات ثنائية وطيدة بين دوله الخمس من جهة، وعلى مشاريع اندماجية، تعزز مكانة ومسار الاتحاد المغاربي من جهة أخرى». وأكد جلالته ، في هذا السياق، أن المغرب لن يدخر أي جهد، لتعزيز علاقاته مع باقي البلدان المغاربية الشقيقة، التي تشاركه نفس الإرادة « إيمانا منا بأن التعاون الثنائي يشكل الأساس المتين للعمل المغاربي المشترك». وشدد جلالته على ضرورة ألا تخلف المنطقة المغاربية موعدها مع التاريخ. كما لا يمكن للاتحاد أن يبقى خارج منطق العصر. واستنكر جلالة الملك التعطيل المؤسف للاتحاد المغاربي الذي « يحول دون الاستغلال الأمثل للخيرات والقدرات، التي تزخر بها بلداننا المغاربية»، ويرهن مستقبل المنطقة، ويجعلها بعيدة عن التوجهات السائدة في مختلف مناطق العالم. وفي معرض توضيحه لهذا التوجه، أبرز جلالته أن التجارب أكدت فشل المقاربات الإقصائية، في مواجهة المخاطر الأمنية التي تهدد المنطقة، خاصة في ظل ما يشهده فضاء الساحل والصحراء من تحديات أمنية وتنموية. وتابع جلالة الملك أنه « مخطئ كذلك من يعتقد أن الإبقاء على الوضع القائم، وعلى حالة الجمود التي يعيشها مغربنا الكبير، يمكن أن يصبح استراتيجية ناجحة، و خاصة التمادي في إغلاق الحدود الذي لا يتماشى مع الميثاق المؤسس للاتحاد، ولا مع منطق التاريخ ومستلزمات الترابط والتكامل الجغرافي». واعتبر جلالته أن هذه الوضعية تسير ضد مصالح الشعوب المغاربية، التي تتطلع إلى الوحدة والاندماج. وأشار جلالة الملك، من جهة أخرى، إلى أن انبثاق مغرب كبير مندمج، ينبغي أن يشكل مقاربة عملية ومضمونا ملموسا لتطلعات شعوب المنطقة، من شأنه أن يوطد الشراكة بين الدول المغاربية والجوار الأوروبي، سواء في إطار حوار خمسة زائد خمسة لغرب المتوسط، أو في النطاق الأوسع للتعاون الأورو- متوسطي. كما جدد جلالة الملك ، التأكيد على دعم المملكة المغربية للجهود المبذولة من أجل توطيد دعائم الدولة بتونس، مشددا على أن مواصلة الإصلاحات في مختلف المجالات هو السبيل الأمثل، لتحقيق آمال وتطلعات جميع التونسيات والتونسيين. وأن مواصلة الإصلاحات في مختلف المجالات، وإجماع كل مكونات المجتمع التونسي ، على رفض نزوعات التطرف والعنف والإرهاب، هو السبيل الأمثل، لتحقيق آمال وتطلعات جميع التونسيات والتونسيين، وذلك بما يضمن الاستقرار السياسي، والارتقاء بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. وأضاف جلالته أن الجهود المبذولة من شأنها الاستجابة للتطلعات المشروعة للشعب التونسي إلى الحرية والديمقراطية، والكرامة والعدالة الاجتماعية، في إطار السيادة الوطنية، والوحدة الترابية للبلاد. من جهة أخرى، عبر جلالة الملك عن سعادته بالتوجه إلى «هذا المجلس الموقر، الذي يمثل تونسالجديدة»، مشيدا جلالته بالجهود الدؤوبة، التي بذلها رئيسه وأعضاؤه، وبروح التوافق الإيجابي لكل مكوناته، جاعلين مصلحة الوطن هي العليا، وهو ما تكلل بإقرار دستور متقدم، يؤسس لمرحلة حاسمة في تاريخ تونس الشقيقة. وبعدما عبر عن تقديره الكبير للدور الهام الذي يقوم به الرئيس المنصف المرزوقي، ورئيس الحكومة مهدي جمعة، نوه جلالة الملك بانخراط كافة القوى الحية التونسية في الحوار الوطني، من أجل إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي. وعلى صعيد العلاقات الثنائية دعا جلالة الملك، إلى ضرورة ترجمة الإرادة المشتركة للشعبين المغربي والتونسي إلى مشاريع مهيكلة وواعدة، وخاصة في المجالات ذات الأولوية ، وذلك على درب تعزيز أواصر الأخوة والتعاون والتضامن بين البلدين. وقال جلالة الملك، إنه في إطار هذا التعاون ينبغي أن يوضع المواطن في صلب التوجهات، وأن تتم معالجة قضايا التنمية البشرية في إطار مقاربة شاملة ومندمجة، ولاسيما ما يتعلق بالتعليم والتكوين والتشغيل والصحة والمرأة والشباب. كما دعا جلالة الملك إلى بناء علاقات تعاون مثمر بين البلدين، وجعلها نموذجا يحتذى في العلاقات المغاربية، مؤكدا أن «الاستثمار الأمثل للعلاقات المتميزة المغربية التونسية سيشكل، بالتأكيد، التجسيد الواقعي والعملي للتكامل المغاربي». ونوه جلالة الملك بجودة العلاقات الأخوية، الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، التي تجمع الأسرة الملكية المغربية بتونس الخضراء، وبشعبها الأصيل، مبرزا أنها «روابط روحية وإنسانية عميقة، قائمة على الإيمان بوحدة الانتماء والمصير المشترك».