حزب الاستقلال يتدارس مستجدات القضية الوطنية ويتابع الدينامية التنظيمية بمختلف الأقاليم    جماعة العدل والإحسان الاسلامية تعزّي الكنيسة الكاثوليكية في وفاة البابا فرنسيس    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    قيوح يعلن إطلاق برنامج بقيمة 28 مليار درهم في إطار "مطارات 2030"    كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري تُعلن الحرب على الصيد الجائر وتؤكد.. لا تهاون بعد اليوم    إنتاج مرتقب من الحبوب يصل 44 مليون قنطار بارتفاع بنسبة 41% مقارنة مع الموسم السابق (وزير)    المغرب يطلق طلب عروض دولي لإنشاء منصة للغاز الطبيعي بالناظور    وزارة الصحة بغزة: منع إسرائيل دخول تطعيمات شلل الأطفال يهدد 602 ألف طفل    لقجع: لاعبو U20 هم مشروع المنتخب الأول في كأس العالم 2030    عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بداية من غد الأربعاء بعد توقف دام 10 أيام    جامعة كرة السلة توقف البطولة الوطنية بسبب أزمة مالية خانقة    الصفريوي: لا مفاوضات ولا نية للاستثمار في شيفيلد وينزداي الإنجليزي    تفاصيل جريمة بن احمد المروعة..    ابن يحيى تكشف عن المحاور الكبرى لمشروع بشأن السياسة الأسرية الاجتماعية    كيوسك الثلاثاء |مختبر مغربي يطلق تحليلات مبتكرة لتشخيص الأمراض الوراثية    سجن زايو يرد على مزاعم سوء أوضاع النزلاء    انخفاض عالمي وغلاء محلي .. من يربح من لعبة أسعار المحروقات بالمغرب؟    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    اختتام المرحلة الثانية من "تحدي الهاكتون أكادير 2030" بتتويج مشاريع شبابية مبتكرة لتحسين الخدمات الجماعية    قتيل في غارة إسرائيلية بجنوب لبنان    فان دايك: جماهير ليفربول ستتذكر أرنولد في حال قرر الرحيل    السلطات الأمريكية تقاضي "أوبر" بتهمة غش المستخدمين    كرادلة يجتمعون لترتيب جنازة البابا    صحراء المغرب تنتصر في واشنطن    العاملون في القناة الثانية يحتجون ضد "غياب الشفافية" في التعاطي مع الأجور وتدبير المسار المهني    تطوان تحتفي باليوم العالمي للأرض بتنظيم أيام تحسيسية حول الماء، الصحة والبيئة    الصين وأندونيسيا يعقدان حوارهما المشترك الأول حول الدفاع والخارجية    هذه توقعات الأرصاد الجوية اليوم الثلاثاء بالمغرب    الدار البيضاء.. اعتقال شخص بحوزته 1525 قرص مخدر وتسعة غرامات من الكوكايين    عميار يكتب عن المغرب والفلسطينيين    ميناء طنجة: مفرغات الصيد البحري تتراجع بنسبة 5% خلال الفصل الأول من 2025    معهد الدراسات الإستراتيجية يغوص في العلاقات المتينة بين المغرب والإمارات    الملك محمد السادس يعزّي الكنيسة الكاثوليكية في وفاة البابا فرانسوا الأول    فوزي لقجع يوجه رسائل دعم وتحفيز للاعبي المنتخب المغربي تحت 20 سنة قبل "كان" مصر    مندوبية الصحة بتنغير تطمئن المواطنين بخصوص انتشار داء السل    نهضة بركان تكتسح شباب قسنطينة وال"كاف" يشيد: خطوة واثقة نحو نهائي الكونفدرالية    تفاصيل "الجثة المقطعة" بابن أحمد    "قضاة إفريقيا" يلتئمون بالمغرب ويدعون إلى "تكتل أطلسي" يكرس العدالة    ‬والآن ‬سؤال ‬الكيفية ‬والتنفيذ‬ ‬بعد ‬التسليم ‬بالحكم ‬الذاتي ‬كحل ‬وحيد ‬‮….‬    رحيل الفنان محسن جمال صاحب «أحلى الأغاني» و«الزين فالثلاثين»    في الحاجة إلى قراءة متجددة للخطيبي أفاية : في أي حقل إبداعي أو فكري، ثمة بصمة للخطيبي، صانع القلق    وفاة البابا فرنسيس عن 88 عاما    المغرب يخلد الأسبوع العالمي للتلقيح    تنديد حقوقي بالتضييق على مسيرتين شعبيتين بالدار البيضاء وطنجة رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    الفاتيكان يكشف عن وفاة قداسة البابا فرنسيس    شريط "سينرز" يتصدر عائدات السينما في أمريكا الشمالية    فاس... مدينةٌ تنامُ على إيقاع السّكينة    المعارض الدوليّة للكتاب تطرح اشكالية النشر والقراءة..    أنشيلوتي يبعث برسالة للجماهير : ما زلنا نؤمن بالحلم    وفاة الفنان المغربي محسن جمال بعد صراع مع المرض    نحو سدس الأراضي الزراعية في العالم ملوثة بمعادن سامة (دراسة)    دراسة: تقنيات الاسترخاء تسمح بخفض ضغط الدم المرتفع    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجامعة المغربية ليست بمعزل عن هذا الواقع بكل جبروته ورجاته العنيفة و أمراضه المزمنة

بعد أن هدأت العواصف الرملية و البحرية التي رافقت مقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي وما خلفت وراءهاا من مشهد بئيس في مواقف شاحبة مستعدة لامتطاء قطار من هواء ملطخ بالدماء و مستعدة للنزول في أي محطة دون أي اعتبارات أخلاقية، الضحية طالب جامعي يصنَف إنسانا في هذا الكون و من قتله إنسان ، لتأتي صفة القاتل والمقتول حاملا لهذه الإيديولوجية أو تلك، لكن تم القفز على النوع ليتشبث البعض كالعادة بالصفات التي لا تنته، الآن و قد هدأ هذا التحامل و تصفية الحسابات، و هدأت الأجواء حيث يمكن لنا أن نتأمل و نتفحص و نشخص و نقيم العلاقات الممكنة و المتباعدة التي تحتاج التفكير و التدبر دون الرشق بالتهم الجاهزة التي يعدها البعض لمثل هذه الأحداث لاستغلال الرمزية و الظرفية و توجيه الرأي العام عن قضايا ضخمة و خطيرة تمس المواطن و مصيره، في وقت كنا ننتظر أن تلعب جامعاتنا أدوارا ريادية و استباقية في مناقشة السياسات العمومية و الإشكالات الفكرية الآنية، و مقاربة أسئلة و قضايا حقيقية تمس المنظومة التعليمية و التربوية, إلا أنه نجد لغة العنف و التطرف تخترق جامعاتنا في تدبير الاختلاف و الخلاف الإيديولوجي و السياسي بين الفصائل، و طالما كان الصراع ثنائيا بين الطلبة و السلطة لينتقل بعد ذلك إلى صراع بين الفصائل بعد تشكل الفصائل الإسلامية التي ستدخل في الخط مع الفصائل اليسارية، و الصراع طالما اكتسى طبائع مختلفة وصلت إلى التصفيات الجسدية، فالجامعة في آخر المطاف هي مؤسسة تعليمية تربوية تابعة للدولة بمفهومها المؤسساتي تمول من أموال الشعب كباقي المؤسسات، و من داخل هذه الجامعات سيخرج لنا من سيدبر شؤون الناس, أي ممارسة السياسة في المؤسسات أي الدولة،من هنا يصبح السؤال مشروعا انطلاقا  من منطق سليم: كيف يمكن أن نتصور أن من يمارس العنف المادي بأدوات إجرامية أو يمارس العنف الرمزي بأدوات لفظية تمس الأشخاص و المؤسسات هو من سيتحمل مسؤوليات مؤسسات دولة مدنية تخدم مواطنين مختلفين في كل شيء؟ كيف يمكن أن نتصور أن من يؤجج و يشعل الفتن في جامعاتنا بإمكانه تأطير أو تكوين طلبتنا؟
فمن المفروض أن تعرف جامعاتنا نقاشات فكرية و ثقافية و سياسية عميقة تحلل و تشرح الواقع المغربي بنظرة نخبوية و للجميع الحق في رؤية هذا الواقع من أي زاوية و خلفية إيديولوجية أو سياسية، فلا يمكن تغييب الخلفيات الإيديولوجية و السياسية في النقاشات الجامعية و إلا أصبحت الجامعة قالبا فارغا من الداخل، فالنقاشات و السجالات السياسية و الإيديولوجية هي ظاهرة صحية في رحم جامعاتنا، لكن الإشكال يكمن في طريقة تدبير هذه الاختلافات، و معها نطرح سؤال الأحزاب السياسية و الهيئات و المنظمات حول تأطيرهم للطلبة و الطالبات، فلا يمكن أن نتصور أن طالبا تلقى تأطيرا و تكوينا سياسيا أو إيديولوجيا يمكنه أن يمارس العنف مادامت جميع الأحزاب و الهيئات القانونية تنبذ العنف و التطرف.
فالجامعة هي ملتقى لكل الأطياف السياسية و الدينية و الاجتماعية و العرقية مما يجعلها لغما قابلا للانفجار في أي لحظة إذا كان هناك فراغ في آليات التواصل و العجز في  تدبير الاختلاف و النقص الحاد في التأطير و التكوين و الدغمائية في المعتقد الإيديولوجي و غياب الرؤية العميقة للمجتمع من البرج الجامعي.
فظاهرة العنف و التطرف ليست ظاهرة جديدة في جامعاتنا بل قديمة قدم الإنسان، و لا يمكن عزلها عن سياقها المحلي و الإقليمي و الدولي، فالإنسان عموما عندما تغيب عليه لغة العقل، و عندما يغيب التعايش و التسامح و الحق في الاختلاف بمفهومهم الحقوقي و السياسي و الثقافي فإنه تصبح لغة العنف و التطرف لغة سائدة تحصد الأرواح و الممتلكات، فينتج العنف المضاد للعنف، و التطرف المضاد للتطرف، و السؤال الشقي و الحقيقي الواعي الذي يجب أن نطرحه : من يؤجج هذا العنف و التطرف؟ من يقف وراءه؟ من يدعمه؟ من يحتضنه؟
إن أي حكم بتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا الطرف أو ذاك هو حكم قيمة تصنيفي بعيد عن الرؤية الحقيقية من كل الزوايا و كسل في عدم الاجتهاد في مقاربة العلاقات الكامنة التي تحرك العنف و التطرف.
و لمقاربة العنف و التطرف في جامعاتنا سنضعه في سياقه حتى نفهم دلالاته و أبعاده و أثاره و قدراته التدميرية، و حتى نقرب الصورة أكثر فعدم تدبير الاختلافات اليومية بين أفراد الأسر كثيرا ما أدت إلى العنف المادي و الرمزي و وصلت في أحيان كثيرة إلى جرائم بشعة، فلا تكاد حياة الإنسان تخلو من مظاهر العنف و التطرف بشكل أو بآخر، هذا العنف هو انعكاس لواقع اجتماعي و سيكولوجي تحركه الأزمة، أي أزمة نتحدث عليها؟
إنها الأزمة الاقتصادية التي خلفت صورة مأساوية في عيون الشباب، و أزمة اجتماعية تتنفس البطالة و الهشاشة الاجتماعية و الإحساس باليأس و اللا جدوى ، و أزمة الأسرة التي لم تعد قادرة على الحفاظ على هويتها و وحدتها و كيانها، و أزمة المدرسة التي تعرف انفلاتا تربويا و أخلاقيا و مشاكل بالجملة حيث تعيش أسوأ أيامها، و أزمة فكرية و ثقافية تتجسد في قلة الوعي المجتمعي بقضاياه و عدم الرغبة في المعرفة و التشبع بمبدأ الامتلاك على حساب مبدأ الكينونة، و أزمة قيمية تتمثل في غياب هوية قيمية تحافظ على وحدة المجتمع، و أزمة تعليمية تضع التعليم في ناقوس الخطر، و الأخطر أن حلم الربيع الديمقراطي في المغرب سيصادره حزب إسلامي طمس كل معالم المكتسبات التي حققها المجتمع المغربي، و الأدهى في الأمر أن يكون آلية لمواجهة طموحات الشعب التواق إلى مزيد من الإصلاحات، فكان دستور 2011 بكل نواقصه تتويجا لنضالات الشباب المغربي، لكن سرعان ما انقلبت الحكومة الإسلامية على مبادئ الربيع المغربي و حولته إلى «موسم التبوريدا الشعبوية»، و زاد الواقع الاجتماعي و الحقوقي و الاقتصادي صعوبة في ظل تطبيق سياسة إعطاء الظهر لكل المطالب الاجتماعية، و الأكثر من ذلك التعنت و التملص من المسؤولية و تصدير خطابات شعبوية و ديماغوجية تزيد من حدة التوتر و لا تحمل أي مشروع لهذا الشعب الذي أنهكته سياسات عمومية مارست عليه الظلم الاجتماعي، فارتفع الفساد و ارتفعت البطالة و ارتفعت الجريمة و ارتفعت الأسعار، و أصبح الواقع مشحونا تتشكل في داخله ضغوطات سيكولوجية تؤدي لبعض المظاهر بين الفينة و الأخرى سواء فردية أو جماعية.
فالجامعة المغربية ليست بمعزل عن هذا الواقع بكل جبروته و رجاته العنيفة  وأمراضه المزمنة، فموجة الإحباط التي بدأت تجتاح الأفراد سلاح ذو حدين، قد تكون لطلابنا القدرة على التلاؤم مع الواقع الجديد بكل شوائبه و السعي إلى التغيير فيه قدر الممكن و هذا هو المنطقي بحكم الشخصية السوية ، و قد يصاب طلابنا بنتائج وخيمة ناتجة على هذا الإحباط فتتصدع السلوكيات و القيم و يسود الانفعال و ردود الأفعال التي يتم تصريفها في الغضب و التوترات و القلق و قد تصل الأمور إلى العنف الدموي و التطرف القاتل.
إن من يحجب ما يقع داخل الجامعات عن سياقه السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و ما تعيشه السياسات العمومية و الاجتماعية من مشاكل بالجملة فهو يصب الزيت على النار، و يعطي مشروعية لتدخل السلطة في جامعاتنا،فمن المؤسف أن نجد اليوم محترفي تأجيج الصراعات و العنف في الجامعات المغربية حيث ترتفع أصواتهم و سلوكياتهم الرمزية التحريضية في اتجاه استثمار دماء الطلبة من أجل التسويق لمواقف بالية لم يعد في دولة مدنية مسموحا لنا أن نتهرب من مسؤولياتنا و نعلق الشماعة على سحابة دم لتوجيه الرأي العام عن مشاكله الحقيقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.