«كوب-29».. الموافقة على «ما لا يقل» عن 300 مليار دولار سنويا من التمويلات المناخية لفائدة البلدان النامية    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    الدرهم "شبه مستقر" مقابل الأورو    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    نظام العالم الآخر بين الصدمة والتكرار الخاطئ.. المغرب اليوم يقف أكثر قوة ووحدة من أي وقت مضى    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    حارس اتحاد طنجة الشاب ريان أزواغ يتلقى دعما نفسيا بعد مباراة الديربي    نهيان بن مبارك يفتتح فعاليات المؤتمر السادس لمستجدات الطب الباطني 2024    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    افتتاح 5 مراكز صحية بجهة الداخلة    إقليم الحوز.. استفادة أزيد من 500 شخص بجماعة أنكال من خدمات قافلة طبية    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بنكيران: مساندة المغرب لفلسطين أقل مما كانت عليه في السابق والمحور الشيعي هو من يساند غزة بعد تخلي دول الجوار        ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    الإعلام البريطاني يعتبر قرار الجنائية الدولية في حق نتنياهو وغالانت "غير مسبوق"    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    ترامب يستكمل تشكيلة حكومته باختيار بروك رولينز وزيرة للزراعة    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    غوتيريش: اتفاق كوب29 يوفر "أساسا" يجب ترسيخه    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    دولة بنما تقطع علاقاتها مع جمهورية الوهم وانتصار جديد للدبلوماسية المغربية    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسلوب تقليدي في العلاج بالجهة الشرقية ... العوَّادة بين الهلوسة الاجتماعية والتصديق العلمي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 17 - 05 - 2014

نأمل من وراء مقاربة ظاهرة بدائية في العلاج تدعى «العوادة» او العوادية» إثارة اهتمام المختصين من علماء النفس والاجتماع والانكولوجيا وغيرهم، بغية تسليط الأضواء على الظاهرة ، والسعي نحو إزالة سماكة الغبار المتكلس فوقها، و حتى لا يبقى المجال حكرا على «عشابات » متنقلة في الأسواق أو «دجالين» ينتقلون من باب مسجد إلى آخر.
يبقى أن نأخذ بعين الاعتبار، التزايد المطرد لشرائح مختلفة لمواطنين باتوا يعتقدون بأن أمراض المعدة والعين والأذن والحلق والكلاوي والمصران الغليظ والأعصاب والصرع والهذيان إلى جانب مرض السكري والضيقة والقلب والمسالك البولية والعقم عند النساء والرجال ، قد تم الحسم فيها دينيا وبشكل نهائي ، إن على مستوى جرعات ماء بكف عوادية في سوق شعبي ، أو عبر وصفة خليط أعشاب مجهولة المصدر، ملتبسة التنسيب، فاقدة للمصداقية العلمية سعرها في الغالب لا يتجاوز 40 درهما . 
وياليت الأمر ينتهي عند هذا الحد ، فلسان الحمار، أو مرارة القنفذ، وشعر الضبع ، أو جناح الذباب اليتيم ، مادة عيارها بالعملة الصعبة ثقيل جدا، تدفعها العانس، أو يسعى عريس فاشل لفك رباطه بواسطتها إلى دفع الآلاف من الدراهم ، وأحيانا الملايين، لدجال مشعوذ. ناهيك عن ثقافة الحجاب أو الحروزة ، التي تتلقفها الأجسام الرشيقة والأنيقة، المثقفة والشبه مثقفة على حد سواء، عن سابق موعد، لتتباهى بفحولة عجفاء ، تمتح من وصفات البخور، وإلقاء الشعر المحروق في السباط « الحذاء» إلى غير ذلك من الخزعبلات التي بكامل الأسف ، نتعايش مع نتائجها المدمرة، و نتساكن معها بحميمية ملتبسة ، بفعل الجهل الساكن فينا ليل نهار، والأمية التي نهادنها، وتواطؤ السلطات وبعض المنتخبين ، الذين يقفون موقف المناصر ، بل يعملون على مأسستها ومنحها تأشيرة رسمية . عوادات يوقعن بطاقات الزيارة بالميعاد، في حين يتم تجاهل تداعياتها الخطيرة ، والسلطة بذلك، تكون طرفا أساسيا في تعبيد الطريق أمامها من أجل الذيوع والانتشار.
وعلى صعيد آخر، كشفت الدراسات الجارية , أن العرب من الشعوب الأكثر اهتماما بثقافة العرافة والفراسة و بالدجل والشعوذة ، حيث يتم إهدار قرابة خمسة ملايير من الدولارات سنويا في أعمال تنتسب جزئيا أو كليا لعالم السحر الشعوذة والدجل. أما النساء العربيات فنسبة كبيرة منهن معنية بهذا الانتشار الفظيع للظاهرة ، فما هو رأي القانون ؟ وما موقف الشرع ؟ وكيف يمكن الحد من زحف الوهم وانتشار الجهل باسم الدين وبحجة وجود نصوص دينية تدعو إلى تعلم السحر دون العمل به ؟ لماذا النساء الأرامل و المناطق الشرقية فقط ؟ 
أسلوب تطبيب
بدائي متوارث
من بين أبرز الطرق البدائية و أشهرها في العلاج حتى الآن في مناطق مختلفة من ربوع المغرب الشرقي ، سواء لدى الطبقة الشعبية أو غيرها، ظاهرة العوادة ، و هي أسلوب تطبيب بدائي متوارث منذ أمد بعيد، منح اختصاصه للنساء الأرامل، حيث تتلخص معظم طقوسه في جلسة شبه منحنية ، قرفصاء، للمريض داخل خيمة متواضعة بسوق أسبوعي ،قبل تناول وجبة الفطور ، بعد ذلك يتجرع المريض الراغب في التعواد ، حثية ماء من كف العوادية الأيمن ، بينما تضغط يدها اليسرى على الرقبة منه ، و بعد أن تقوم بمضمضة الماء لدرجة الاختناق داخل حنجرة المريض، تشرع معدة المريض في ما يشبه الغثيان دفع تسربات لزجة ، عبارة عن تكتلات شعر وألياف رقيقة ، وتأتي أيضا سيلانا متعاقبا يلحظه المريض موتورا ما بين الذهول ولوعة الاكتشاف.
كيف تستجيب أجهزة الجسد لمثل هذه التداعيات ؟ هل في الأمر هلوسة اجتماعية تنمو بمعزل عن أية مراقبة ؟ هل المسألة مجرد خدعة عين على درجة عالية من الدهاء كما الأمر في السيرك مثلا ، تنطلي ، من باب الفضول والاكتشاف ، على ذوي الوعي المحدود أو غيرهم؟ لماذا النساء فقط عوادات؟ وأرامل بالضرورة؟ ما موقف وزارة الصحة، وما حجم خطورة التغاضي عن ترك الظاهرة بمعزل عن أية مراقبة ؟ ألا يكون ثمن السكوت الاعتراف بالظاهرة، وتبنيها من قبل الدولة؟ نموذج عوادة معترف بها من طرف السلطة ؟ كيف يمكن تفسير الإقبال المنقطع النظير، على العوادية تحت خيمة بسوق شعبي ، بينما يعيش أطباء متخصصون في عياداتهم كسادا بأحياء راقية في ظل تقلص ملحوظ لزبنائهم من المرضى ؟ لنتجرع طعم التنقيب والبحث بعيدا عن الشرعنة.. قريبا من العقلنة.
في ضيافة عوادية
أسئلة جسورة في تناقضاتها وحساسيتها، هيمنت على مساحة الاتزان لدي زمنا طويلا ، و أنا ألج عتبة الألفية الثالثة الشيء الذي عجل بالمثول بين يديها ، أخيرا وبعد حيرة وتردد شديدين،اقتربت من خيمتها ، ويمكن الجهر أن المكان كان عبارة عن «مزار روحي» يحظى بزيارة أكبر عدد من الفلاحين وأبناء الطبقات السفلى من المجتمع ، فضلا عن عشرات النساء من مختلف الفئات والأعمار. بل ثمة رؤوس ماشية تقف في انتظام قبل إشراقة شمس هذا الصباح الديسمبري الرطب. كان ذلك بمثابة مزار روحي يرتاده حشد من المريدين التابعين ،تنهض العوادية داخله ، امرأة ككل النساء يمكن للمرء أن يستحضر تقاسيم وجهها الأسمر الملواح بتجاعيده العميقة الحفر أحيانا، هيأتها المتأهبة على الدوام ، الغارقة في ظلمة الخيمة المتنقلة بين الأسواق والمدارات المتربة ، و المرقطة ببقع الزيت المترسب الذي تستولي فيه البقعة على أختها، في عناق فوضوي حار، وحده الطست الأبيض الذي تآكلت جنباته يملأ الفضاء جلبة ، بينما لا تكف راحة العوادية المضمخة بالحناء عن منح المكان رهبته ، اليد المضمخة بالحناء هي أصل الحكاية ، للسيدة التي استيقظت ذات صباح على هبة من السماء ، «هاد الشي ديال الله أوليدي» و قبل بزوغ الشمس ، استوت للكون سيدته العظمى ، ولما كان من المحال في يقيني غياب معنى عام دون نظام وراء هذه الظاهرة ، فقد جعلت مهمتي تنحصر أساسا في محاولة اكتشاف ما إذا كان هناك نوع من الانسجام و التماسك وراء هذا التوهيم النفسي الرهيب، بين ثقافة الذاكرة الشعبية التي تزخر بالعديد من الأمثال والحكم والمأثورات التي تُبويء «النية» منزلة رفيعة مثل « دير النية وارقد مع الحية» ، «دير راسك وسط الريوس واقطع »، وبين علامات الارتياح والمهادنة التي تطبع ملامح البسطاء ، ثمة أمر ما يثير الحس ، ويستفز الوجدان يجب التأكد من حدسه الآن وليس غدا، لكن وعلى الرغم من تمسكي القوي بالمنطق ، فإني لم أستطع لحظة أن أخفي افتقاري الشديد لشحنة قوية من مادة الصبر، كي أرغم قدمي على الوقوف بباب خيمتها، هذا الفضاء الضيق الموحش الذي أحسه يتنصل مني كلما جاهدت نحو الاقتراب منه، كان يتأكد لي بين الفينة والأخرى أن مشروع تنازل ضخم عن كل القناعات والمرتكزات العقلانية بات وشيكا، وأحمد الله وأكثر من حمده لأنني رجحت الاحتفاظ بترسانة من المخزون الفكري خارج حدود المنطق ظرفيا على الأقل، حتى يتسنى الانفتاح بكل واقعية على تجليات هدا العالم المجهول القابع خلف جبال من التوهيمات والمعتقدات المحكومة كليا أو جزئيا بتمثلات غيبية من قبيل أولئك البسطاء الذين أرغمتهم الحاجة في البقاء إلى خلق توازنات نفسية ضمن شروط مادية شديدة الفضاضة والقسوة. 
الآن فقط أجثو على ركبتي، أمامي قنينة بلاستيكية من سعة 5 لتر امتلأ نصفها بالماء ، غراف ابيض متآكل الجنبات فوق مساحة من الحصى والغبار في فضاء الخيمة ، قبل ثوان شرعت العوادية في الصلاة على النبي ، معظم افتراضاتي وتأويلاتي التي دبجتها قبل ساعات ، تشتبك تنغلق تتداخل وتتقاطع أمام عيني ، لقد بت لحظتها شبيها بمائدة خشبية عتيقة نخر السوس قوائمها، دفعة واحدة تكفي لجعلها تتناثر حبيبات متلاشية فوق الأرض، تجرعت الماء ، وفي لحظة تدفق لآفة من فمي تلقفتها كف العوادية..كان شيئا لزجا خليطا من بقايا أوراق وشعيرات وترسبات أشبه مستحضرات تجميل تقليدية، كل ما أذكره كان ممزوجا بأصداء الباعة ومكبرات صوت باحة لتجار المبيدات والعشابة وصناع الدجل وروث البهائم ونواقيس الكرابة، ولهاث أطفال الميكة السوداء والسجائر بالتقسيط...«أبركة النبي بسم الله..صفي هذا الذات بجاه النبي بجاهك يامولايال....أجدي أمول البركة...».
في تلك الأثناء ، وغير بعيد عن ناظري تتجمع ترسبات لزجة ، خصلات شعر من كل الأحجام طحالب متكبدة عفنة تبعث على القرف معجونة بالغثيان.. يجب أن يصدق المرء ما يراه، ليس بي مس وليس الوهم ما أرويه ، فغشاوة ما انزاحت عن صدري الذي بات منذ حين أقل ثقلا وأكثر انفراجا.
إن الامتناع عن الفطور في معظم حالات =العوادة= بكسر العين ، و كيفما كانت الوسيلة القصبة، الدبغ، أو الماء، ضرورة احترازية وعامل إشهاد ، فما يطرح خارج الجسد ليس حديث العهد ، بل يرجع إلى سنوات وسنوات مضت، فضلا عن أن تعريفة العوادة، أجرتها لا تستقر على حال ، فهي تتحدد وفق منطق « لي كتب الله» حيث لا تتجاوز في معظم الحالات 10 دراهم .
على مستوى آخر فإن المرضى الذين يقصدون العوادة ينتمون في الغالب إلى شرائح اجتماعية تصدق تصديقا كبيرا منطق الخرافة.
« إن الشيء نفسه قد يعجز الطبيب المتخصص عن فعله» يقول أحد المواطنين ، ويضيف « لذلك ,يبدو أن في الأمر التباسا ما. فالحديث عن فعل التعواد بمختلف مراحله نظريا شيء، والقبول بنتائجه المادية شيء مغاير تماما. وأعتقد أن ما يضفي على المسألة طقسها لا يكمن في ابتعادها عن الحقل الطبي بمعناه الأكاديمي، كشف موضعي ،وصفة دواء، تحاليل وكشوفات طبية، وإنما تلك المجموعة من النتائج العينية التي تتجسد ماثلة أمام المتعود، ويقبل بها من دون تردد . من هنا تتأسس إرهاصات الشفاء ,ويتهيأ نفسيا للاستئناس بتداعياتها التي لن تكون سوى رغبته بالقوة في تشكيل خريطة شفاء ذاتية بالدرجة الأولى.
طوطم الشعوب
البدائية
هل ثمة إمكانية سحرية لتسخير الأرواح والتحكم في مصائرها من أجل القيام بمثل هذه الأفعال ؟
«العوادة كظاهرة بدائية في العلاج لا يمكن مقاربتها إلا بوصفها طوطما أو طابو لدى الشعوب البدائية»
يرى باحث في علم الاجتماع = عياد أبلال = أن العلم الحديث لن يرسخ أذهانه إلا بإدارة ظهره لعالم الحواس، هذا هو الاعتقاد السائد . فالعالم الذي نراه ونشمه ونلمسه وندركه هو الحقيقة، و يضيف الباحث متسائلا أليس من المفيد القول أن بعض الأساليب العلاجية البدائية قد اكتسبت عن طريق التجربة ، تكفي لتشخيص العديد من الأمراض وتحليلها بكيفية دقيقة جدا؟ فهناك كثير من الشعوب في العالم، لا تزال تجري عملية الفصد والختان و الحجامة. و بصرف النظر عن مضاعفاتها و نتائجها ، ومهما كانت الوسائل التي يستخدمها المعالجون في ذلك، سواء تعلق الأمر بالإنسان أو الحيوان ،فإن علينا أن نتذكر دائما، بأن البدائي يرتبط ارتباطا وثيقا بالمعتقدات الدينية، هذه الأخيرة ترمي إلى خلق نوع من التآلف والانسجام الروحي بين الإنسان وما يحيط به من الموجودات.
أما ما يتعلق بالحضور الرمزي لبعض الاعشاب والنباتات مثل القصبة، الريشة، الدبغ, وغيرها والتي تؤثث فضاء العوادة ، يضيف الباحث السوسيولوجي، فأمور لها ارتباط بالظاهرة على مستوى البيئة والمناخ العام ، ولما كان للزواج طقسه وأعرافه الخاصة كليلة الدخلة، البكارة، المهر. وللإنجاب طقسه وشعائره المتميزة مثل أضحية العقيقة، الرقص، الزغاريد. فإن العوادة أيضا لها ما يمنحها قداستها ورمزيتها، باعتبارها نتاج حضارة معينة من جهة، أو إرثا روحيا تتوارثه لأجيال بركة تهبها السماء لحواء المبجلة. في اعتقادنا ، يضيف الباحث، أن هذا التماثل يندرج في سياق المعني الذي ألمحنا إليه سابقا. فالمنطقة الشرقية من المغرب لها خصوصيات جغرافية ومجالية محضة ، ويمكن التأكيد في هذا الباب، أن هذه الظاهرة في طريقها إلى الانقراض برحيل عوادات شهيرات بتازة من غير أن تجد لها بديلا ، وذلك لسبب بسيط جدا ، ما يتعرض له المغرب من اكتساح إثر دخول الوسائط السمعية البصرية وسيطرة البرامج التحسيسية والتجميلية إن على مستوى المسلسلات والأفلام أوعلى صعيد ما تقدمه البرامج الإذاعية ارتباطا بالصحة العمومية ، حيث شرع وعي الناس يكبر عن قرب بمجال الطب والصيدلة وهو ما سيجعلهم يبتعدون شيئا فشيئا عن مثل هذه الممارسات.
ويرى الصحفي مصطفى الداحين من جهته أن في معظم البلدان النائية التي قام علماء السلالة بدراسة أحوال سكانها، كان المرض ، كاضطراب بيولوجي يؤثر على السير العادي لأجهزة الجسم ووظائفه، لا يرجع تفسيره باعتباره ناجما عن فيروس أو مكروب أو جرثومة معينة، بل إن البعض يذهب بعيدا في إرجاعه إلى فعل قوى طبيعية غيبية، في ظل هذا الفهم، يمكن لقبيلة أو أخرى ربط ذلك بارتكاب المصائب لبعض المحارم ، واقتراف المحظور عشائريا ، بينما تعزيه بعض الطوائف إلى التقصير في أداء بعض الالتزامات الدينية ، والإحجام عن القيام بما يرضي تلك القوى بشرية كانت أو طبيعية ، في ضوء ذلك، فالمرض يكون بمثابة عقاب للأشخاص الذين يسيئون استخدام إمكاناتهم الجسدية والروحية ، هنا تحديدا يخلص الباحث إلى سر الظاهرة، حيث تبرز بشكل جلي القواعد الأسطورية التي يتأسس عليها فعل =التعواد= المحكوم بتمثلات غيبية. يقول الباحث من المفارقات الصارخة إن الطب البدائي يعترف في الكثير من الأحيان بالأسباب الطبيعية والموضوعية لبعض الأمراض, ومع ذلك، فإن ما يقدمه كتفسير لها إنما ينبع من المعتقدات الخرافية أكثر مما ينتج عن التمحيص العقلي، والاستكانة إلى البعد العقلي والعلمي. ضمن هذه المعتقدات، يمكن إدراج شرب اللبن بعد أكل السمك يسبب البرص ... إلى غير ذلك.. 
يقول ليفي شتراوس احد البنيويين البارزين في الفكر المعاصر، إن ضمن أشكال الحياة التي نعيشها الآن ، نستخدم جزءا من طاقاتنا العقلية يقل عن الجزء الذي يستخدمه الشعب الذي نكتب عنه ، والذي نعتقد أنه يفكر بطريقة أسطورية.. هناك إذن أسباب كثيرة تؤكد ذلك في نظر علم الدلالة ، ولعل أهم ما يبدو جليا ضمن هذا الفهم صورة المعنى بالدرجة الأولى، فالتعود من عاد، يعود ,عيادة ، بمعنى زار، يزور، زيارة ، هو نوع من التطهير catarssis = بتعبير أرسطو ، أي عملية إجلاء لكل الأرواح الشريرة خارج الجسد في أفق تحصينه من القوى المدمرة والماحقة من قوى الشر الغاشمة ..
وبخصوص ارتباط الطب الشعبي بالخرافة يرى الباحث الاجتماعي ، كل مقاربة تنفلت من التناول العلمي الوضعي هي مقاربة تنتمي إلى الخرافة والشعوذة، وبالتالي فإن الأساطير والمعتقدات البدائية، ما هي إلا نتاجات ساذجة مرتبطة بتاريخ وبحقبة زمنية، لم تكن البشرية خلالها تعلم معالجة الأشياء ، ولم تكن قادرة على إيجاد حل لمتناقضات الواقع، ولهذا السبب ظلت تلجأ إلى حلها عبر حكايات واعتقادات تمتح من الخيال، حتى يتسنى لها تجاوز المتناقضات . ويضيف ، إلى حدود بداية القرن 20 كان من المستحيل التحدث عن التداوي بالأعشاب..مجرد الحديث عنه، يعني الخرافة، أي كل ممارسة شعبية لا علاقة لها بالعلم.
والواقع أن معظم الأساطير والمعتقدات الغيبية، حسب المتخصصين ، ترى في نشأتها حصانة قوية ضد قوى الشر ، التي تهد جسم البشر من غير رحمة أو شفقة، ومن اجل الحفاظ على حياته ، ابتدع الإنسان طرقا علاجية لطرد الميكروب خارج الجسد والانفلات من قبضة الأرواح الشريرة ، وتأسيسا على هذا الفهم، جاءت ظاهرة العوادات ، كأسلوب شعبي في العلاج، و تنبع في الغالب من خصوصية جغرافية ومجالية معينة. لذلك فإن التطبيب الشعبي في دول آسيا والصين ، ويمكن إدراج الوخز بالإبر في هذا السياق، ليس هو التطبيب في شمال إفريقيا. كما أن توظيف ثقافة التداوي بالاعشاب عند العرب له منحى التجارة أكثر منه التحليل والدراسة والتنسيب ، عكس ما هو عليه الأمر في الغرب مثلا، يتم التنسيب ومزج الأعشاب بشكل دقيق ومدروس .
قاصدو العوادية
من كل الطبقات
« هي ليست مصطفاة ولا هم يحزنون » يقول الباحث الاجتماعي عياد أبلال، ولا تتوفر على أية بركة إلاهية، كما أنها لا تتوفر على شيء من هذه الأقاويل، كل ما هناك إنها إنسانة تهتم بالمعيش اليومي ، كما هو الحال بالنسبة للباحثين عن الكنز ... فلا بركة ولا اصطفاء ولا هم يحزنون . ويمكن القول انه أيضا، لذلك نرى أنه من المحمود أن يلجأ البعض إلى هذه الممارسة في وسط تنعدم فيه كافة وسائل العلاج والمرافق الطبية .
أما العوادية ( ف..م) فحين علمت بأمر الكتابة عنها في جريدة وطنية، امتنعت عن الحديث ، أما بالنسبة لي ، فقد تعلمت من صمتها الشيء الكثير.
يقول ( ا ك) شيخ طاعن في السن ابن المنطقة « شوف ابني، أنا أنعود ، من شحال هدي ، عمري ما شفت الطبيب ، ولا ضربت يبرة (حقنة) » واضاف « داك الشي ديال الله ..ولي دار النية و الله ما يخيب ..»
= ف ت= أرملة تستحيي في البداية، تقول وهي تحجب فمها « أولاد اليوم ايبطلو علينا كلشي.. أنا بعد عندما تضيق بي الأرض ، انجي (أقدم) عندها » ، مشيرة إلى خيمة العوادة « الله ينفعنا ببركتها... شيالله ارجا ل البلاد ».
(م ع) رجل تعليم يقول : سال المجرب لا تسال الطبيب » لم أتردد كثيرا قبل المجيء إليها خاصة وان ابني ظل يساوره الغثيان مدة طويلة من غير معرفة سبب ذلك ،كنت كل مرة استحضر صيغة معينة للحديث الشريف « إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما ناوى» والمفارقة الغريبة أن ابني بات في وضع صحي جيد بعدما أخرجت العوادة من جوفه أو من معدته كمية من عجين الورق »..!.. 


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.