«أنا مختلفٌ معكم أيها التنويريون العقلانيون، ليس حول مناهجكم في تحرير الإسلام والمسلمين فقط، بل وحول أَولوياتكم، وحول قوميتكم» السيد كتب رضوان السيد، في حديثه الأسبوعي ب»الشرق الأوسط«، بتاريخ 18 أبريل الماضي مقالا تحت عنوان »الحملة على الإسلام.. والحملة على العرب«. وقد أثار المقال المشار إليه ردّات فعل قوية من طرف عدد من المثقفين، ليس لمضمون خطابه، الذي اعتادوا على سماعه من الإسلاميين والمحافظين، بلْ لأنه صادر عن كاتب كان واحدا من دعاة الفكر العربي القومي والتنويري هو رضوان السيد. والحقيقي أنه منذ بضع سنوات قليلة شرع السيّد في تحويل خطابه، مدافعا تارة عن الإسلاميين تحت ذرائع مختلفة، وتارة عما يسميهم المفكرين المعتدلين، وتارة عن أمور غير مفهومة تكتسي طابع الدفاع عن الوضع السياسي في العالم العربي، فهو يقول: «ما أزعجني في برامجكم أنتم العقلانيين والتنويريين العرب. أنت يا أدونيس من سوريا، وكذلك أنت يا عزيز العظمة، ويا جورج طرابيشي، مع حفظ الألقاب، أليس لكم موقفٌ من المذبحة في سوريا، في وطنكم؟! كيف »تقرفون« من »سلفوية« الثوار وعاميتهم وغرائبيتهم وإساءاتهم، أو خروجهم في مظاهراتهم من المساجد (قرأت في تقريرٍ للأُمم المتحدة أنه دُمِّر في سوريا ألف وخمسمائة مسجد بالطائرات والمدفعية: وهل تعرفون أن قبر خالد بن الوليد نُبش بحمص، ليس انتقاما لمزار السيدة زينب مَثَلا، بل لأنّ المرويات الشيعية تقول إنّ خالدا كان ضد علي وفاطمة، وحاول »الفتك« بعلي لصالح أبي بكر؟!). . ناسيا أن هناك فرقا بين وضعية رجل السياسة ووضعية المفكّر. وقد سبق له قبل هذا التاريخ، أن اعتبر محمد أركون هو واحد من خمسة أو ستة كتبوا في الفكر الإسلامي، القديم والحديث، في الأربعين سنة الماضية، وهم معروفون، منهم عبد الله العروة، محمد عابد الجابري، حسن حنفي، ومحمد عمارة، وعلى رأس هؤلاء جميعا محمد أركون، لأنه أقدمهم كتابة، فهو يؤلف منذ الستينات. وحينما أتحدث عن خمسة أو ستة دون غيرهم، فإنما أقصد من يملكون أطروحات في تاريخ العقل الذي يسمونه »عربيا« تارة، و»إسلاميا« تارة أخرى. ويواصل نقده المبطّن عن كل من الجابري وأركون قائلا:»فمحمد عابد الجابري يعتمد، لأنه ماركسي في الأصل، »الحاكمية التاريخية« و»الابستمولوجية« للنص من أجل التحرر منه، أما أركون فيريد تفكيك النص، لأنه يعتبره كامنا في تلافيف العقل، وكسره في الخارج يعني كسره في الداخل أيضا». وفي سياق مهاجمته هذه ذات المسوح العلمية ، يعتبر أن محمد أركون ما لبث في أواسط السبعينات أن نقد الاستشراق، وأطلق ما سماه »الإسلاميات التطبيقية«. وهي نظرية طبقها على نصوص في القرآن، ونصوص من القرن الرابع، وما شابه. أما في الثمانينات فنلحظ عنده نضوج تحطيم الدوغمائيات والهجوم على الأرثوذكسية السنية، وعمل بعد ذلك ثلاثين عاما على هذا النهج مع خروج منه، في بعض الأحيان، ودخول في نقاش حاد مع العنصريين الغربيين. إن ثمانين في المائة من كتاباته ومحاضراته، يواصا السيد، وهو رجل مكثر، تدور حول تحطيم الدوغمائية والأرثوذكسية السنية، واضعا برامج لذلك. كما شغله موضوع كيف نخترق المفكر فيه، باللامفكر فيه، وكرر كثيرا خلال العشرين سنة الأخيرة، في كتاباته، أنه يجب أن نفعل كذا ولا نفعل كذا، ولكننا لا نرى تطبيقاته العملية على ذلك. إن مشكلة أركون في نظره تحديدا هي في نضاله الذي حوّله إلى داعية علماني متشدد، مثل الإسلاميين المتشددين، لذلك كان الإسلاميون يكرهونه ويكرههم، وعنده طلاب مناضلون مثله، يحملون أفكاره وينافحون عنها والشيء نفسه، لا يترك مناسبة دون توجيه سهامه إلى أدونيس وعبد المجيد الشرفي وجورج طرابيشي والجابري، الذين يعتبرهم كانوا يحصلون، قبل ثورات الربيع العربي، »على جوائز بسبب العقلانية التي اشتهر بها حافظ الأسد وبشار الأسد ومعمر القذافي. وهم يجدون اليوم وسط المخاضات الفظيعة التي دخل فيها الجهاديون الحزبيون فرصا جمة للإشادة من جديد بالتنوير الذي عليه الأسد وصدام قبله، وإيرانيو الخامنئي ونصر الله من بعد...« وخلص إلى أن هناك »مخاضا عظيما بداخل الإسلام. وقد دخلت فيه ضد الدين فئتان: فئة باسم التنوير والتحرير، وفئة باسم الإسلام الشيعي ضد الإسلام السني.«