القتل هو القتل أيا كان القاتل وأيا كان المقتول بغض النظر عن الزمان والمكان ومهما كان مبرر الفاعل و"خطية" المفعول به.. القتل اعتداء على الحياة وإزهاق للروح ونفي للوجود.. أما حينما يكون القاتل والمقتول طالبين جامعيين ،وتكون المجزرة هي رحاب الجامعة فإن فعل القتل يأخذ أبعادا أخرى إذ يصبح عنوانا لاغتيال الفكر وحرية التعبير ، وانتصار لغة الدم والفكر الهمجي على لغة الحوار والمناظرة. كانت الجامعة المغربية دوما مسرحا لممارسة الاختلاف الفكري والسياسي بين مختلف تعبيراتها السياسية، وكانت أوطم منذ تأسيسها الاطار الرحب للاختلاف في إطار الوحدة منذ تأسيسها الى المؤتمر 17 وبداية مرحلة التفكك والانشطار. وقد تزامنت هذه المرحلة مع تفاقم أزمة الجامعة وهيمنة الفصائل الإسلاموية واليسراوية التي أشاعت ثقافة الاقصاء والعنف ضد كل مخالف لها في الرأي، فأضحت "اوطم" مللا وشيعا لا ترى في بعضها البعض سوى كافر ملحد أو ظلامي إرهابي رجعي، وأصبح فضاء الكليات يعج بفصائل تناسلت كما تتناسل الطحالب لدرجة أنه أصبح لكل قبيلة تنظيمها الطلابي. وأمام تعدد الشرعيات الطلابية، فقدت الحركة الطلابية كل شرعية وأصبح العنف مشروعا، مرة باسم الجهاد ومرة باسم الثورة، مرة دفاعا عن الاسلام، ومرة إخلاصا لفكر ماركس ولينين. والحقيقة أن اغتيال آيت الجيد بداية التسعينات، والحسناوي قبل أيام عنوان لمرحلة واحدة وتعبير عن أزمة واحدة، مرحلة انحطاط الحركة الطلابية المغربية وأزمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي لم يبق إلا اسما لمسميات عديدة زاغت جميعها عن فلسفة المنظمة ونهجها النضالي وأهدافها النقابية، فتحولت الى أذرع لحركات سياسية ودعوية لا تؤمن أصلا بالديموقراطية والتغيير الديموقراطي. هذا هو السياق الذي حكم اغتيال الحسناوي وقبله آيت الجيد، وكان ممكنا أن يكون ضحاياه أكبر، إذ شهدت رحاب الجامعة المغربية اصطدامات استعملت فيها كل وسائل الفتك بين جيوش الله وطلائع الثوار، فهشمت الرؤوس وبترت الاطراف وبعد كل واقعة ينتشي المنتصرون بنصرهم، ويتوعد المهزومون أعداءهم بالانتقام.. وذلك على حساب العلم والمعرفة، وضدا على حق السواد الأعظم من الطلاب في التحصيل العلمي والحياة الآمنة. العنف داخل الجامعة إشكال حقيقي ووباء خطير يتطلب من الحكومة ومن الاحزاب السياسية، ومن الفصائل الطلابية تفكيرا عميقا ومبادرة مسؤولة بدل الانتصار لهذا الطرف أو ذاك، وكيل الاتهامات لهذا وفق منطق تبرئة الذات وشيطنة الآخر.. إن الانتصار للأخ كما فعل رئيس الحكومة وتجريم الآخر لن يزيد الوضع إلا احتقانا، ولن يفلح أبدا في صياغة استراتيجية جديرة بوقف العنف داخل الجامعة لأنها تحديدا عاجزة عن مقاربة الظاهرة من جذورها وفي شموليتها.. فرحمة الله على كل من اغتيل وكان ضحية لعنف ندينه أيا كان مصدره وأيا كانت مبرراته.. وأعتقد أنه انتصارا للعدالة وعملا بمبدأ الانصاف أن يطال البحث القضائي كل من كانت له يد في النازلة من قريب أو من بعيد، وأن لا يكون الحدث مبررا لانتصار الحكومة لفصيل دون آخر.. لا نريد سيناريوها مصريا لقصة مغربية، لا نريد إعدامات بالجملة ولا دموعا عشائرية.. نريده وطنا للجميع وجامعة بدون عساكر .