شهدت قاعة دار الشباب بأصيلة احتفاء خاصا بعريس الشهداء : المهدي بنبركة ، وذلك يوم الأربعاء 26 فبراير 2014 ، في لقاء ثقافي نظمه فرع اتحاد كتاب المغرب بالمدينة ، في سياق تقديم كتاب : « صور المثقف ... قراءة في الفكر السياسي عند المهدي بنبركة « ، من تأليف الدكتور : يحيى بن الوليد ابن المدينة البار ... وتضمن اللقاء جدول أعمال حافل بالأحداث والتضحيات التي قدمها رواد الحركة الوطنية في سبيل استقلال البلاد ، جدول أعمال أبطاله وإيديولوجياتهم كانت كالتالي : - * ( السياق التاريخي للحركة الوطنية ) ... للأستاذ المحامي : عبد اللطيف كرمون . * ( الفكر السياسي بالمغرب ) ... للدكتور عبد اللطيف حسني ، أستاذ العلوم السياسية بكلية الرباط . * شهادة حول مؤلف يحيى بن الوليد ... للأستاذ الطيب العلمي ، محامي بهيأة الدارالبيضاء . * ثم الوضع السياسي بالمغرب ، للدكتور يحيى بن الوليد . - البداية كانت مع المحور الأول : ( السياق التاريخي للحركة الوطنية ) ، تناول فيه مرحلة المقاومة للاستعمار بسهول المغرب وجباله ، بمدنه وقراه ، المقاومة في سياقها التاريخي من خلال نضال المهدي بنبركة ، حيث كان التوغل الفرنسي والإسباني الاستعماري ومنذ ما قبل 1912 كمرحلة أولى ، والتي شهدت مقاومة شرسة من طرف المغاربة الأحرار ، مقاومة تلقائية أملتها الروح الوطنية وحب الأرض ، والتي دامت حتى سنة 1934 ... تلتها المرحلة الاستعمارية الثانية التي عرفت نفي عاهل البلاد محمد الخامس سنة 1935 ... وعرفت المرحلتين بروز أسماء قادت المقاومة إلى النجاح ، ومنذ 1912 ، سواء في مرحلة المقاومة السرية أو المقاومة المسلحة رغم ضعف الإمكانيات ، أمثال : - أحمد الهيبة في الجنوب ، موحى وحمو الزياني في الأطلس ، وعبد الكريم الخطابي وابنه محمد في الريف ، الذين حققوا بتلقائيتهم واستماثتهم عدة انتصارات ، كما حدث في معركة أنوال الشهيرة سنة 1921 ، انتصارا أدحض النظرة الاستعمارة الدونية لدى الإسبان والفرنسيين تجاه المغاربة ، وقلصت من نفوذهم ، فلم يعد نفوذ الإسبان مثلا ، يتجاوز مدن أصيلةالعرائش والقصر الكبير ، وبعض الثغور الصحراوية والجزر الجعفرية ... - الأستاذ عبد اللطيف حسني ، ساهم بالفكر السياسي المغربي ، انطلاقا من أطروحته التي ناقشها سنة 1989 لنيل الدكتوراه في القانون العام ، والتي كان محورها آنذاك تحت عنوان : ( تطور الأفكار السياسية بالمغرب ? 1800 ? 1912 ) ، ناقش من خلالها ( الفكر السياسي الذي ظل سجين الرؤية الغربية ، باعتباره فكرا فرنسي النشأة . أما الفكر الإسلامي من حيث المنهج فيتركب من ثلاثة مفاهيم : - الأول : - مفهوم إلهي ... انطلاقا من علم العقائد ( علم الكلام ) ، الذي يعتمد على الإمامة العظمى ، ويقوم على وظيفة دينية تعبدية ومشروع إلهي . الثاني : - مفهوم تاريخي انتروبولوجي ، الذي يعتبر الفكر السياسي جزء من الفقه الإسلامي حسب منظور كل تيار : ( المالكي ? الشافعي ? الحنفي ? الحنبلي ? الظاهري ... وهكذا ... ) . الثالث : - مفهوم الفكر من وجهة نظر العلمانية أو ما شابه للتنظير الفلسفي ( مقدمة ابن خلدون ) ... كما أشار إلى الفلسفات الثقافية ووسائل الفكر التأملي المقارن ( الإمام الطرطوشي والمرادي ولسان الدين بن الخطيب ... ) ، الذي يمثل الفكر السياسي المغربي جزءا منه ، بل يعتبر تراثا ثقافيا مغربيا راسخا في الكتابات العقائدية والمؤلفات الفقهية ، كما جاء في كتاب عبد الكريم مطيع : « الأحكام السلطانية « ، مذكرا بأن مبادرة الكاتب يحيى بن الوليد في التعاطي مع الفكر السياسي لتسليط الضوء على الحركة الوطنية وروادها : « الشهيد المهدي بنبركة « تعد مغامرة ، إن على مستوى الرؤيا أو على مستوى المنهج ، لأنه فكر موزع على عدة حقول معرفية ، كالخطابة والمحاضرة والحوار ، باستثناء : « الاختيار الثوري « الذي كان مستقلا بذاته ... مضيفا بأن ابن الوليد توقف في كتابه: « صور المثقف ... قراءة في الفكر السياسي عند المهدي بنبركة « الصغير الحجم ، والواسع والكبير في الدلالات والأفكار.. ثم ذهب إلى وضع اليد على ما أصاب الأفكار السياسية من خلط وتداخل في المفاهيم ذات الصلة ، ليبرز المفاهيم الرئيسية : - مفهوم الفكر السياسي ، والنظريات السياسية والمذاهب السياسية . فمفهوم الفكر السياسي عندما يكون فكرا متكاملا في كليته أو في جزئيته يطلق عليه ( نظرية ) ، لكن عندما يطبق ويكثر معتنقوه والمطالبون بتطبيقه يصبح ( مذهبا ) ، وبما أن الفكر يقدم رؤية ، كلما اكتملت هذه الرؤية أصبحت نظرية سياسية ، وإذا ما وجدت من يتبناها ويطبقها أصبحت بمثابة مذهب سياسي ... ومن هنا كان توسل يحيى بن الوليد بكل من : - عبد الله العروي ، محمد عابد الجابري والمهدي المنجرة ، في شهادتهم بخصوص المهدي بنبركة له ما يبرره ، حتى لا يكون هناك خلط بين الأفكار والمواقف ، خلط وقع فيه كثير من الباحثين في قضايا الفكر السياسي ، مقرا في ذات الوقت بأن الفكر أبدا لم يكن وحيا منزلا من السناء ، ما دام الوحي قد كف عن النزول منذ زمن ، فالفكر ، أي فكر ، هومن وضع الإنسان ، لكن الفكر السياسي من وضع المفكرين وفق عوامل شخصية ونفسية ، كما هو الحال بالنسبة ليحيى بن الوليد في كتابه القيمي المستنسخ من قيم فكر المهدي بنبركة ، والمعتقدات التحررية التي آمن بها ، والتي كانت سائدة آنذاك ... المهدي الذي كان مسكونا بعدة أسئلة راهنية ومستقبلية نابعة من إيمانه بفكر سياسي واقعي يخدم المصلحة الجماعية العامة ... كما تطرق إلى أسس فلسفة نظام الحكم الذي ورثه المغرب عبر التاريخ . * إلهي ... على نحو ما أقره دستور حمو رابي ، والذي كان يعتمد على : - - وسائل الطاعة المطلقة للإمام أو الخليفة أو الملك. - طبيعة الحكم الفردي الذي يتوفر على العصمة ، والذي كان يعتمد على أدوات التطويع ، وهي : - 1 - الدين لخدمة السياسة . 2 - القوة الصارمة حتة وإن كانت صادمة . 3 - إثارة النزاعات بين القبائل لإضعافها . 4 - القضاء على الشخصيات القوية ، وتسخيرها لخدمة الحكم والحاكم . ثم تطرق إلى مرحلة الإصلاح أواخر القرن 19 وحتى بداية القرن 20 ، والتي برزت فيها أسماء مناضلة ، أمثال الشهيد عبد الحي الكتاني ، وآخرون ، الذين كانت تؤرقهم قضية الديمقراطية وقضية الانتخابات وسلطات المؤسسات ، وتقييم الحركة الوطنية إبان الاستعمار الفرنسي بمرحلتيه ، قضايا سكنت فكر المهدي بنبركة ، ومن بعده علال الفاسي وعبد الله إبراهيم وآخرون ... مستدلا بنظرية غرامشي في كتابه : Notes sur la politique) ( 1933 ... الذي يبين حقيقة وجود حكام ومحكومين ، قادة ومنقادون ، والتي أفرزت تمايزا بين هذه الأطراف لصلح أصحاب السلطة الذين يمارسون القهر المنظم والإكراه على الآخرين ... إنها أسئلة سكنت فكر الشهيد المهدي بنبركة ، وزكت مشروعية كتاب يحيى بن الوليد في ذات الوقت ... ومن هذا المنحى رأى الدكتور عبد اللطيف حسني ، أن للمثقفين مسؤولية ودورا رئيسيا وكبيرا في النقد والانتقاد السياسي ، وقول الحقيقة مهما كلفتهم من ثمن ، مستشهدا بتضحيات عريس الشهداء المدي بنبركة ، التي كانت حياته عاصفة ونهايته فاجعة ، حيث ظل يصارع السلطة المطلقة إلى أن صرعته مع سبق الإصرار والترصد ، وبقيت قضيته عالقة بين السماء والأرض .. - الأستاذ : الطيب العلمي بدوره أدلى بشهادة حول مؤلف يحيى بن الوليد ، شهادة استهلها بمقولة محمد عابد الجابري : - حين كانت الدولة توجد في كل مكان ، منذ استقلال المغرب ، كان المهدي حاضرا بدوره في كل مكان ، وينتقل عبر كل الأزمنة ... كتاب الدكتور يحيى المهووس بالدلالات الفكرية عمل وقف عند إسهامات مفكرين ، مثل العروي والجابري والمنجرة ، فالكتاب قسمه قسمان : - الأول : - يستخلص دلالات المثقف في فكر المهدي بنبركة . الثاني : - عبارة عن ثلاث مقاربات لفكر المهدي من طرف المنجرة والجابري ، ومدى قابليته الإثراء والتحيين . يحيى ينطلق من انطولوجيا القراءة ، التي تجعل القراءة ذاتها تنطلق من الحراك السياسي ، لتضيء الحاضر وإشكالاته ، ( فيحيى يرى أنه مكن خلال القراءة يمكن الوعي بأشياء كثيرة ) ... ثم تصورات المهدي بنبركة حول المثقف ، التي تنطلق من أداء هذا المثقف ، أي من المجرد إلى المشخص ، حيث يقول : « الشروح لا تكفي ، لابد من النهوض لتغيير الحال وتبديل الواقع « ص : 52 ، من كتاب ( مسؤولياتنا ) 1957 . فالأسئلة التي طرحها المهدي بنبركة ما زالت مطروحة إلى الآن ... فرغم أنه كان ثوريا ، إلا أنه كان مقلا في الكتابة ، حيث كتب : « الاختيار الثوري « فقط ، لأنه كان يعمل أكثر مما يتكلم أو يكتب ، وعاش فترة قصيرة ، لكنه كان مثيرا و( مزعجا ) وسيبقى كذلك حتى ميتا ، لأن الفكر لا يفنى ، لأن فكره يدعو إلى الشرعية وبناء المغرب العربي والعدالة الاجتماعية ... فالمهدي وحده فكر في فكر ... - الدكتور يحيى بن الوليد تدخل حول الوضع السياسي بالمغرب ، انطلاقا مما يتمخض فيه المغرب العربي من تحولات ، انطلاقا من قضية البوعزيزي التي عصفت بالرئاسة التونسية السابقة ، والتي مارست العبودية والديكتاتورية على الشعب التونسي ولمدة طويلة ... البوعزيزي الذي كان حريقه حريقا لعدة أنظمة ظالمة ، حريق أجج احتجاجات وسخط الشعوب ، والمغرب هو الآخر تأثر بما يسمى بالربيع العربي ، حيث تمخض عنه معنى الفرد ، الذي استغل كل ما هو متاح ، وأسفر عن ميلاد الشعوب العمياء ... كما حصل تغيير في الدلالات السياسية ، وأسفر عن بزوغ الأحزاب اإسلامية لتتصدر المشهد السياسي ، الذي أفضى إلى انقلاب السياسية على هذه الأحزاب الدينية التي وصلت إلى الزعامة ، لأنها لم ترق إلى ما كانت الشعوب تطمح إليه : ( العدالة والتنمية بالمغرب ) نموذجا . كما تطرق إلى اللغة السياسيى ، أو لغة القيمين على الشأن السياسي بالمغرب ، سواء في الغرفة الأولى أو الغرفة الثانية ، لغة لا ترقى إلى مستوى المسؤولية السياسية ، لغة مشينة وبذيئة ... لغة التهريج والضحك على الأذقان ... مشيرا إلى أن السياسي لا يتحمل مسؤولية التدهور السياسي وحده ، بل حتى المثقف يتحمل المسؤولية ، ويجب عليه أن يكون جريئا وحداثيا ، ينتقد ، يسأل ، ويقترح ، وألا يقف مكتوف الأيدي ، مقرا بأنه : « بموت المهدي بنبركة ... مات المثقف العضوي ولم يعد له وجود ... « ، حتى وإن كان هناك مثقفون ، لكن لم يكتب لهم بأن يكونوا في الواجهة ... على المثقف ألا يكون كالزيت فوق الماء يأخذه التيار أنى شاء ... ختاما ... نتمنى أن تطفى حقيقة المهدي بنبركة على سطع الماء ، أي ماء ، كان بئرا ، بركة ، نهرا أو بحرا ، حتى نعرف له قرارا واستقرارا جسديا ، في غياب الاستقرار الروحي الذي أعدم مع سبق إصرار وترصد ..