عفو ملكي على 1304 أشخاص بمناسبة ذكرى 11 يناير    اطلاق ثلاث خطوط جوية جديدة تربط الصويرة بباريس وليون ونانت ابتداء من أبريل المقبل    رواية "بلد الآخرين" لليلى سليماني.. الهوية تتشابك مع السلطة الاستعمارية    طنجة : الإعلان عن الفائزين بجائزة بيت الصحافة للثقافة والإعلام    المنتخب المغربي يودع دوري الملوك    مراكش... توقيف مواطن أجنبي مبحوث عنه بموجب أمر دولي بإلقاء القبض    حرائق لوس أنجلوس .. الأكثر تدميرا والأكثر تكلفة في تاريخ أمريكا (فيديو)    مراكش تُسجل رقماً قياسياً تاريخياً في عدد السياح خلال 2024    تهنئة السيد حميد أبرشان بمناسبة الذكرى ال81 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال    وزير الخارجية الفرنسي "يحذر" الجزائر    توقيف شخصين في مراكش بتهمة النصب والاحتيال وتزوير وثائق السيارات    "الباطرونا" تتمسك بإخراج قانون إضراب متوازن بين الحقوق والواجبات    مدن مغربية تندد بالصمت الدولي والعربي على "الإبادة الجماعية" في غزة    إيكال مهمة التحصيل الضريبي للقطاع البنكي: نجاح مرحلي، ولكن بأي ثمن؟    هذا ماقالته الحكومة عن إمكانية إلغاء عيد الأضحى    مؤسسة طنجة الكبرى في زيارة دبلوماسية لسفارة جمهورية هنغاريا بالمغرب    الملك محمد السادس يوجه برقية تعزية ومواساة إلى أسرة الفنان الراحل محمد بن عبد السلام    المناورات الجزائرية ضد تركيا.. تبون وشنقريحة يلعبان بالنار من الاستفزاز إلى التآمر ضد أنقرة    أحوال الطقس يوم السبت.. أجواء باردة وصقيع بمرتفعات الريف    الضريبة السنوية على المركبات.. مديرية الضرائب تؤكد مجانية الآداء عبر الإنترنت    اللجان الإدارية المكلفة بمراجعة اللوائح الانتخابية العامة تعقد اجتماعاتها برسم سنة 2025    الملك محمد السادس يهنئ العماد جوزيف عون بمناسبة انتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية    توقف مؤقت لخدمة طرامواي الرباط – سلا    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    إيداع 10 علامات تجارية جديدة لحماية التراث المغربي التقليدي وتعزيز الجودة في الصناعة الحرفية    أسعار النفط تتجاوز 80 دولارا إثر تكهنات بفرض عقوبات أميركية على روسيا    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    فيلود: "المواجهة ضد الرجاء في غاية الأهمية.. وسنلعب بأسلوبنا من أجل الفوز"    "الأحرار" يشيد بالدبلوماسية الملكية ويؤكد انخراطه في التواصل حول مدونة الأسرة    تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، محطة نضالية بارزة في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية وتحقيق السيادة الوطنية    القِرْد سيِّدُ المَشْهد !    ميناء الحسيمة يسجل أزيد من 46 ألف من المسافرين خلال سنة 2024    جماعة طنجة تعلن نسبة تقدم أشغال تأهيل معلمة حلبة ساحة الثيران    من هو جوزيف عون الرئيس الجديد للبنان؟    وفاة صانعة محتوى أثناء ولادة قيصرية    حوار بوتين وترامب.. الكرملين يعلن استعدادا روسيا بدون شروط مسبقة    بوحمرون: 16 إصابة في سجن طنجة 2 وتدابير وقائية لاحتواء الوضع    "بوحمرون.. بالتلقيح نقدروا نحاربوه".. حملة تحسيسية للحد من انتشار الحصبة    بوحمرون يواصل الزحف في سجون المملكة والحصيلة ترتفع    ملفات ساخنة لعام 2025    تحذير رسمي من "الإعلانات المضللة" المتعلقة بمطارات المغرب    عصبة الأبطال الافريقية (المجموعة 2 / الجولة 5).. الجيش الملكي من أجل حسم التأهل والرجاء الرياضي للحفاظ على حظوظه    صابرينا أزولاي المديرة السابقة في "قناة فوكس إنترناشيونال" و"كانال+" تؤسس وكالة للتواصل في الصويرة    "جائزة الإعلام العربي" تختار المدير العام لهيسبريس لعضوية مجلس إدارتها    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    اتحاد طنجة يعلن فسخ عقد الحارس بدر الدين بنعاشور بالتراضي    السعودية تستعد لموسم حج 2025 في ظل تحديات الحر الشديد    الحكومة البريطانية تتدخل لفرض سقف لأسعار بيع تذاكر الحفلات    فضيحة تُلطخ إرث مانديلا... حفيده "الرمز" في الجزائر متهم بالسرقة والجريمة    بطولة إنجلترا لكرة القدم.. إيفرتون يفك الارتباط بمدربه شون دايش    مقتل 7 عناصر من تنظيم "داعش" بضربة جوية شمال العراق    النظام الجزائري يخرق المادة 49 من الدستور ويمنع المؤثر الجزائري بوعلام من دخول البلاد ويعيده الى فرنسا    الكأس الممتازة الاسبانية: ريال مدريد يفوز على مايوركا ويضرب موعدا مع برشلونة في النهائي    الآلاف يشاركون في الدورة ال35 للماراطون الدولي لمراكش    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروعي المسرحي أصبح حبيس أدراج سلطة القرار السياسي

قال المخرج العراقي عزيز خيون في لقاء أجريناه معه بالقاهرة على هامش الدورة الثانية عشر للمهرجان العربي للهواة أن وضع المثقف العربي عامة والعراقي خاصة يدعونا الى وضع التساؤل من بوابة الواقع المرير: «ماذا يستطيع هذا المثقف أن يفعل في وضع علت فيه سلطة المسدس والدبابة و الكلاشنكوف وكل أسلحة الدمار الخالقة لمشهد الدم والقبح أمام إشراقات الإبداع والفن والجمال؟ مضيفا أن السؤال لن يدفع إلا للاشتغال مرة أخرى في النضال بالكتابة والتواصل من فضاءات الإبداع نحو العقول لمحاربة الظلام والانخراط الفعلي في التنظيمات الوطنية التقدمية اليسارية والعلمانية دفاعا عن دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون من أجل حماية القيم الإنسانية والأوطان العربية المعرضة للتفتيت والإلغاء وضرب السيادة لصالح الأنظمة العالمية المتوحشة التي برعت في استنزاف خيرات وطاقات أوطاننا. فالعراق لا يمكن أن يكون إلا بلدا علمانيا محترما للتعدد الديني والفكري والذهبي والطائفي وهذا هو المنطلق الفعلي لكل التشكيلات عبر العصور، علما أن العراق كان دائما متعددا ومختلفا وقوته كامنة في هذا الطيف الملون، والخلاف في العراق لم يكن أبدا طائفيا أو دينيا، بل كان سياسيا ومسؤولا. لهذا فالإسلام السياسي عنصر دخيل على ثقافة العراق، بل عنصرا مستوردا لتطبيق المسلسل الذي أشرنا عليه في إنعاش دائرة الفوضى الخلاقة. إن ما نراه اليوم من دولة « داعش» في تلوينها الإسلامي مع كل العناصر الأخرى في الاسلام السياسي هي ليست نابعة من تربة هذا العراق. ولهذا فإنه لا مناص من النضال من أجل المشروع الوطني القومي الذي سينقض العراق من هذه الأزمة البالغة التعقيد، وأملنا أن يتحقق الاستقرار في العراق ضمن هذا المشروع. و أضاف المخرج العراقي خيون الذي أجرينا معه هذا الحوار في القاهرة على هامش الدورة 12 للمسرح العربي للهواة، أنه على يقين أن العراقيين سينجحون في ذلك نصرة للوطن وقيم المواطنة وطي صفحة الماضي ترسيخا لقيم التسامح والتضامن والتآزر من أجل عراق واحد وموحد.
} أستاذ عزيز خيون نغتنم فرصة اللقاء بكم على هامش الدورة الثانية عشر للمسرح العربي للهواة لنسألكم عن تحليلكم للوضع في دول ما يسمى الربيع العربي؟
شخصيا أنا مع المتغير و الجديد، و هكذا كان الوجود، والإنسان الذي يطمح باتجاه الأفضل والأحسن من أجل تلبية حاجاته في المأكل والملبس والحرية والأمن والسلام. فالمتغير عندما ينتزع مني هذه الأمور ويقدم لي الموت اليومي في تدمير البنى التحتية وإشاعة الرعب والقلق في قلوب وبيوت الناس هنا يقفز طائر الشك، وأصبح في قلق دائم، لأتساءل عن الأفضل في هذا الوجود. هذا من جهة ، ومن جهة الأخرى عندما يكون التغيير مطلبا بدوافع أمريكية ، بمعنى أنها تصفق له و تباركه، فهذا يدل دلالة واضحة على أن هذا التغيير هو خاضع لسيناريوهات بعيدة كل البعد عما يشغلنا في عملية التطوير والبناء وإنجاز المطلب الديمقراطي في الحقوق والواجبات. وهذا ما أثبتته الوقائع عندما كانت الأنظمة تتهاوى بشكل متسارع كلعبة الدومينو، علما أنني شخصيا كنت سعيدا بهذا المشهد المتهاوي ظنا مني أننا انتقلنا إلى تحقيق مطلبنا الديمقراطي وأننا طوينا صفحة رتيبة وساكنة باتجاه تحقيق مشروعنا الوطني القومي و الإنساني، لكن هذا الحلم لم يتجل باستمرار استرسال الأحداث السلبية في منطقتنا على الخصوص، حيث صار الشعب والنخبة في حنين للماضي الذي طالما انتقدناه و سميناه بالممارسات الدكتاتورية ضد المطالب الشعبية العدالة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ومن هذا المنطلق أعتقد أن المشهد واحد في المحيط الإقليمي والجهوي، حيث عدنا بدرجة أكثر تعقيدا إلى محطة الانتظار القديمة وكأننا لم نقدم أي تضحيات في الأرواح والممتلكات والحياة بصفة عامة قربانا للحظات الحرية التي كنا نحلم بها ونسعى لها بمختلف أوجه نضالنا. وأضاف خيون « العراق لا يمكن أن يكون إلا بلدا علمانيا محترما للتعدد الديني والفكري والمذهبي والطائفي، وهذا هو المنطلق الفعلي لكل التشكيلات عبر العصور، علما بأن العراق كان دائما متعددا ومختلفا وقوته كامنة في هذا الطيف الملون، والخلاف في العراق لم يكن أبدا طائفيا أو دينيا، بل كان سياسيا مسؤولا. لهذا فالإسلام السياسي عنصر دخيل على ثقافة العراق، بل عنصرا مستوردا لتطبيق المسلسل الذي أشرنا إليه في إنعاش دائرة الفوضى الخلاقة.
إن مانراه اليوم من دولة « داعش» في تلوينها الاسلامي مع كل العناصر الأخرى في الاسلام السياسي هي ليست نابعة من تربة هذا العراق، وبالتالي لم تنجح في تقديم مشروع واضح يساعد في تخليص بلد العراق مما كابده ويكابده. ولهذا فإنه لا مناص من النضال من أجل المشروع الوطني القومي الذي سينقض العراق من هذه الأزمة البالغة التعقيد، وأملنا أن يتحقق الاستقرار في العراق ضمن هذا المشروع، وأنا على يقين أننا سننجح كعراقيين في ذلك نصرة للوطن وقيم المواطنة وطي صفحة الماضي ترسيخا لقيم التسامح والتضامن والتآزر من أجل عراق واحد وموحد.
} يرى المراقبون أن العراق تختلف عن كل الساحات وأن ما يسمى بالربيع عرف بأدوات أخرى اغتالها الحضور العسكري الأمريكي ليحولها ألى ساحة حرب لا يعرف مستقبلها؟
أكاد أجزم أن الاشراقات الأولى لما سميناه الربيع العربي قد بدأت بالعراق من خلال الحراك الشعبي من أجل التغيير، ولكن دول القرار التي طالما تشدقت بالدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية هي نفسها من أجهضت هذه المنظومة على العراق وأبقت الحال على ما هو عليه، بل عملت على تراجع العراق إلى قرن من الزمن . ومن هذا المنطلق يتبين دون أوجه للشك أن دول القرار الغربي قد دافعت عن منظومتها الديمقراطية والحقوقية ليس خدمة لشعوب المنطقة العربية وباقي دول العالم الثالث، وإنما تعمل هذه المنظومة خدمة لشعوبها دفاعا منها على أن إنسان الجنوب ليس هو إنسان الشمال في غياب واضح لعنصر التكافؤ والمساواة بيننا وبينهم بدليل أنني منذ بوراق الوعي الأولي بالوجود كنت أسمع وأقرأ رسائل دول القرار باتجاه إعمار منطقتنا ومساعدة إنساننا في تحقيق الديمقراطية والتنمية والاستقرار، ولكن ذلك لم يتحقق، ومقابل ذلك تحققت أجندة الموت اليومي من بوابتها الواسعة في إهدار الطاقات البشرية والطبيعية خصوصا في بلد كالعراق الذي يعتبر من أغنى بلدان العالم، حيث يعوم على بحيرة من النفط انقلبت وبالا عليه وعلى الإنسان فيه.
} برزت داعش كملخص لمرحلة كاملة عانت فيها العراق من الطائفية العرقية و الدينية، ما قراءتكم لمشهد داعش الذي تصدر وسائل الاعلام العربية و الأجنبية؟
داعش هو الاسم الملخص لدولة العراق والشام الإسلامية، وهو هدية مسمومة أخرى من دول القرار اللاعبة في العراق و جواره، من أجل أن يظل المشروع الوطني العراقي معطلا، خدمة لتنفيذ حلقات السيناريو الذي وضع لبلادنا منذ أول وطأة للاستعمار الأجنبي لأرض العراق. فقد مرت 11 سنة وهذا السيناريو ينفذ تاركا وراءه خسارات لا حصر لها في الممتلكات و الأرواح، في غياب كامل لمنظمات المجتمع الدولي التي صدعت مسامعنا بالدفاع عن الإنسان وحقوقه.
إن المشهد العراقي الحالي يثير أكثر من علامات استفهام سواء عند النخبة أو عامة الشعب، فما نكاد نقفل صفحة دموية حتى نفتح آخرى في صورة أكثر تراجيدية يتعمد فيها الفاعل لمزيد من تأزيم الوضح وتأجيل كافة الحلول التي بإمكانها على الأقل أن تحقن دماء هذا الشعب من تفجيرات يومية أصبحت بالنسبة لنا مسلمات في كل صباح وكأنها هديا لأطفالنا وشيوخنا ونسائنا هؤلاء الذين اعتادوا على هذا المشهد الإجرامي ضد الانسان والإنسانية.
هذا المشهد يقابله جنون السلطة المحزم بالفساد الكبير في المؤسسات الرسمية وفي دوائر القرار الشخصي المحاط بغياب كامل للمحاسبة، كما غياب دولة المؤسسات التي كان من المفروض أن تلعب فيها المؤسسة القضائية دورا مسؤولا في الحد من الفساد كما الحد من المحسوبية والزبانية. ومن جانب آخر هناك استبعاد منظم ومحبوك من الطاقات الوطنية الشريفة والخلاقة التي بمقدورها أن تعمل على تحقيق التغيير في بلد في أشد حاجة الى أبنائه الشرفاء . هؤلاء الذين دفعوا قسرا إلى مغادرة الإدارات العراقية الداخلية مبعدين بالفعل من هذا الفضاء الحيوي والاستراتيجي في التغيير، بل هجر جانب آخر منهم إلى الخارج وهذه خسارة كبرى تضاف إلى سلسلة الخسارات الأخرى، علما بأن طاقاتنا التي كانت في بلدان فضلت عدم العودة أمام هذا الإقصاء الممنهج للطاقات الداخلية، مما لا يشجع على عودتها مرة أخرى إلى الوطن. إن هذا الوضع يؤشر على أن هناك لاعبين منظمين يسعون لتكريس هذا الواقع بنية مبيتة أن العراق ساحة للاحتراق لإضاءة مسلسل السيناريو المرسوم للمنطقة.
} من هذا المنطلق هل يمكن اعتبار صعود الإسلام السياسي إلى الواجهة السياسية معطى داخليا أم أجندة خارجية؟
إن الجواب عن هذا السؤال بخصوص الاسلام السياسي في العراق يتطلب منا معرفة من هذا العراق. إن العراق بلد الحضارات والنظم والقوانين وبلد الأبجدية، والحاضن الفعلي للعمل الثقافي ، بل الموجه له من رمزية بغداد الفكرية و الأدبية، إنها بغداد الحكمة والترجمة والفلسفة والفكر التنويري عبر العصور. إن هذه المعطيات التاريخية لا يمكنها أن تنهار أمام أجندة زمنية محددة في دول القرار، وبالتالي فالعراق لا يمكن أن يكون إلا بلدا علمانيا محترما للتعدد الديني والفكري والذهبي والطائفي، وهذا هو المنطلق الفعلي لكل التشكيلات عبر العصور، علما بأن العراق كان دائما متعددا ومختلفا وقوته كامنة في هذا الطيف الملون، والخلاف في العراق لم يكن أبدا طائفيا أو دينيا بل كان سياسيا و مسؤولا. لهذا فالإسلام السياسي عنصر دخيل على ثقافة العراق بل عنصر مستورد لتطبيق المسلسل الذي أشرنا إليه في إنعاش دائرة الفوضى الخلاقة. إن ما نراه اليوم من دولة « داعش» في تلوينها الاسلامي مع كل العناصر الأخرى في الاسلام السياسي هي ليست نابعة من تربة هذا العراق . ولهذا فإنه لا مناص من النضال من أجل المشروع الوطني القومي الذي سينقض العراق من هذه الأزمة البالغة التعقيد، وأملنا أن يتحقق الأستقرار في العراق ضمن هذا المشروع وأنا على يقين أننا سننجح كعراقيين في ذلك نصرة للوطن وقيم المواطنة وطي صفحة الماضي ترسيخا لقيم التسامح والتضامن والتآزر من أجل عراق واحد وموحد.
} أين هو المثقف العربي بصفة عامة والعراقي بصفة خاصة من هذا المشهد وما مسؤوليته اليوم؟
باعتقادي أن من دفع ضريبة الخسارات بشكل كبير هو هذا المثقف العربي الحالم بالديمقراطية وحرية التعبير وناضل لسنوات من أجل تحقيق ذلك سواء من خلال الابداع الشخصي أو إنخراطه السياسي. لقد عذب المثقف وشرد وسجن واستشهد، ومنعت أعماله الفكرية والثقافية ومورست عليه شتى أشكال التعذيب والحرمان جراء دفاعه عن القيم وعن المشروع الثقافي الإنساني المنفتح على المستقبل. هذا بصفة عامة، أما بخصوص المثقف العراقي وما عاناه وكابده قبل 2003 وبعد ذلك فهو يفوق الوصف من خلال شعوره بالإحباط سواء كان ذلك علنيا أو شعورا داخليا. إن كل هذه التضحيات التي قدمها المثقف العراقي من مختلف الأجناس التعبيرية والأدبية في الشعر والقصة والمسرح والرواية والتشكيل والموسيقى والأغنية إلى غير ذلك من الابداع الذي يميز العقل الخلاق لهذا البلد، لم تحقق حلمه في إنجاز مشروعه الوطني في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتناوب في السلطة ، وظلت كل أحلامه معلقة في الهواء، مؤجلة إلى زمن لا ندري أرقامه ولا لومه ولا نزوله على ارض الرافدين. لقد ظلم المثقف وحوصر بمعيشه اليومي إلى درجة حمل فيها كتبه إلى شارع المتنبي معلنا إفلاسه وعدم قدرته على معيشه اليومي الذي شكل عائقا فعليا لإستمراه في العطاء و الإبداع في وقت يتمتع فيه رجال السلطة بالعيش الباذخ، وكأن هناك نية مبيتة لتقزيم الفعل الثقافي ووضع المثقف في الدرجات الدنيا كي لا يسمو الفكر والثقافة فوق الأيادي الفاسدة التي تنتعش في غياب الفكر والوعي المؤديان حتما الى الرفض والاحتجاج والتمرد باعتبارهما الحلقة الأصعب في إزعاج الحاكم.
إن هذا المشهد في وضع المثقف العربي عامة والعراقي خاصة يدعونا الى وضع التساؤل من بوابة واقعهما المرير ماذا يستطيع هذا المثقف أن يفعل في وضع علت فيه سلطة المسدس والدبابة و الكلاشنكوف وكل أسلحة الدمار الخالقة لمشهد الدم والقبح أمام إشراقات الإبداع والفن والجمال ؟
سؤال يجيب عن نفسه لكنه سؤال لن يدفع إلا للاشتغال مرة أخرى في النضال بالكتابة والتواصل من فضاءات الابداع نحو العقول لمحاربة الظلام والانخراط الفعلي في التنظيمات الوطنية التقدمية اليسارية والعلمانية دفاعا عن دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون من أجل حماية القيم الانسانية والأوطان العربية المعرضة للتفتيت و الإلغاء وضرب السيادة لصالح الأنظمة العالمية المتوحشة التي برعت في استنزاف خيرات وطاقات أوطاننا .
} نعود إلى عزيز خيون، كيف يشتغل ثقافيا وسط هذا الوضع، وهل الإبداع في وضع سابق بالنسبة لك كان أفضل من الوضع الحالي أم أن المعاناة أعطتنا مبدعا جديدا يسمى عزيز خيون مرة أخرى؟
على المستوى الشخصي ومنذ أن لامست عتبات الوعي أصبحت غير مقتنع بما هو حولي وإنما باستمرار أباعد بخطواتي باتجاه النقطة الأبعد أي أن المسرح الذي اخترته و اشتغلت به حتى هذه اللحظة لم يكن مطمئنا وإنما كان يمتطي جموح القلق لذلك يا سيدتي لا أعرف ما تعنين بالسابق أو اللاحق ؟
} أنا أعني فترة البداية قبل أن تتحول العراق الى معركة مفتوحة في وجه المجهول، أي منذ السبعينات؟
لم تكن التجربة سهلة على مستوى الابداع و إنجازه، في شرطيته الطموحة، كانت هناك عوائق ناتجة عن قناعات إيديولوجية مختلفة عن النظام. لقد كنت منتميا الى المعارضة في الحزب الشيوعي العراقي .وغادرت التنظيم بمحض إرادتي، وانصرفت الى عملي المسرحي كي أحقق فيه القيم التي أدافع عنها. وبعد بيروت عدت الى الوطن كي أستمر في عملي المسرحي وأحافظ على استقلاليتي في أن لا أجمع بين السياسة والمسرح على الركح. وبالرغم من إعلان هذه الاستقلالية إلا أن السلطة ظلت تعيق مشروعي بكافة الأساليب فمنعت بعض أعمالي كتابة وإنتاجا، إلا أن ذلك لم يحد من عزمي على مواصلة الدرب. لقد قدمت العديد من المشاريع إخراجا وتمثيلا وإعدادا. لقد تواصلت مضايقتي من طرف النظام وعالجت ذلك بالذهاب والاياب من الوطن نحو آفاق أخرى خارجه في الامارات وعمان وسوريا ومصر و ولبنان حفاظا على حيوية تجربتي..
} والآن هل تضخمت هذه العوائق أم أنها أصبحت تمزج بين الذات و الموضوع، أم أن استمراريتك لم تعر اهتماما لهذا؟
المعيقات تضخمت اليوم بشكل كبير، بل هدت حلما عمره قارب الأربعين عاما. فإذا حدث واستطعت أن أنجز مشروعا مسرحيا معروفا على المستوى العربي والعالمي قبل سنة 2003 ، فأنا اليوم أعيش لحظة قلق كبير على مشروعي المسرحي الذي منحته روحي وسنوات عمري وحلمت أن أتوجه بتجارب مثتالية لا تعرف الانقطاع ولا الولادة المستمرة. إنني أعاني معاناة مزدوجة في ان مشروعي أصبح حبيس أدراج الزمن السيئ وحبيس منظومات إدارية ضيقة لا تعترف بالثقافة المسرحية ولا بأدوارها في بناء الانسان الجديد. إن هذا الانقطاع أجهله تماما وأنا أحتار في كيفية الحصول على الدعم الذي هو من حقنا كمثقفين، لإنجاز مشارعنا الجمالية. لهذا أقول أن القطيعة التي تفرضها سلطة القرار اليوم في العراق مع ما هو جمالي لا يمكنها أن تنتج إلا هذا الخراب والتصحر في الفضاء وفي النفوس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.